23 أبريل 2025, 4:12 مساءً
في عالم تزداد فيه المسافة بين الطفل وأسرته لصالح الشاشة، طرحت جلسة "تربية الأطفال في العصر الرقمي" سؤالًا جوهريًا: من يجلس مع الطفل حين يُشاهد؟ نقاش صريح طرحته صحيفة سبق بشراكة مع مركز سرد الثقافي ونتفليكس، جمع أبرز خبراء التربية والاجتماع لطرح تجاربهم وأسئلتهم وتطلعاتهم… لا عن المحتوى فقط، بل عن المشاركة، والحوار، والقدرة على بناء وعي لا يُفرض، بل يُصاحب.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه الأصوات لتصنيف التقنية والوسائط الرقمية إما كمنقذ أو كتهديد، تنجح جلسة "تربية الأطفال في العصر الرقمي" في أن تهمس سؤالًا بسيطًا لكنه عميق:
هل نترك أبناءنا أمام الشاشة… أم نجلس معهم؟
هذه الفعالية تأتِ لتجيب عن هذا السؤال، بل لتمنحه المساحة اللازمة للنضج، والنقاش، والتأمل. جلسة غنية أدارتها الصحفية ومديرة البرامج ياسمين محمد، بمشاركة: رزان البنوي، خبيرة العلاقات الإنسانية و أ. حنان الحمد، المختصة في التعليم والتوجيه، وأ.د. سليمان العقيّل، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود. حديثهم بعفوية، صادقة، ومن قلب التجربة، لتكشف أن القضية ليست في المحتوى، بل في الوعي الذي يرافقه… وفيمن يشاركه.
التربية لم تعد خطابًا… بل مشاركة وجدانية:
في حديثهم، اتفق الضيوف أن القصص تُربّي، والمشاهد تُشكّل، واللحظات التي يعيشها الطفل أمام الشاشة ليست فراغًا، بل امتلاءً قد يصوغ قراراته وشخصيته وذوقه العاطفي. تحدثوا عن كيف أثّرت الأفلام والرسوم المتحركة على فهم أبنائهم للجمال، للغضب، للآخر المختلف. واستُدعيت أمثلة حقيقية: فتاة أعادت تعريف اختياراتها بسبب مسلسل كوري، وأم وجدت في فيلم وثائقي على منصة رقمية مدخلًا لتعليم ابنها كيف يناقش ويختار… لا كيف يطيع فقط.
لم تكن هذه شهادات عن محتوى بعينه، بل عن حاجة ملحة لأن نكون "حاضرين" مع أطفالنا – ولو في المشاهدة – لنحوّل الترفيه من مادة خام، إلى مساحة تفكير، إلى لحظة نحت تربوي هادئ.
ما الذي تغيّر؟:
هل الأدوات تغيرت؟ هل تفرض تغيير طريقة التعامل؟ … فهل تغيرت طريقة تعاملنا معها؟ ما طُرح في الجلسة لم يكن تنظيرًا، بل نقدًا ذاتيًا للمجتمع قبل المنصات: الأسئلة متصلة في النقاش لتستدعي: هل نمنح أطفالنا "حق الاختيار الواعي"؟ هل نسألهم: لماذا اخترت هذا؟ هل نعطيهم الأدوات التي تُعلمهم كيف يفكرون، بدل أن نقرر ما يجب أن يُفكّروا فيه؟
أجمعت المداخلات على أن الطفل لا يحتاج إلى تقييد، بل إلى مرافقة حرة واعية. أن يُناقَش في اختياره منذ الصغر، حتى لا يُخفي خياراته عندما يكبر. وهكذا فقط، نفهم لماذا بعض الأطفال يشاهدون "في الخفاء"، ولماذا يتحوّل الاختلاف مع الأهل إلى صدام قيمي بدل أن يكون حوارًا.
نتفليكس: المنصة تستمع بدل أن تتحدث
قدَّمت نتفليكس خلال الجلسة كـشريك حضر بروح المبادرة، والاستماع، والتفهم. في أكثر من لحظة، عكست النقاشات شعورًا متفقًا عليه: أن هناك منصات بدأت تفتح أذنيها لصوت المستخدم العربي، ولتطلعات الأسر السعودية. الحديث عن نتفيكس لم يكن تقييميًا لمحتواها، بل عن حضورها الناضج في مشهد ثقافي ، واستعدادها لسماع النقد البناء، والبحث عن نقاط التلاقي مع بيئات محلية تطمح لمنصات "تفهمها" لا تُملي عليها.
منصات نحتاجها... لا منصات نخاف منها:
أجمل ما قيل في الجلسة لم يكن مدحًا ولا تحفظًا، بل تلك العبارات التي تشبه الدعاء بصيغة اقتراح: "نتمنى منصة تُشرك الطفل في صناعة القصة، لا تُمليها عليه". "نريد منصات تمنح الطفل أدوات الاختيار، أدوات التفكير النقدي، أدوات تحمل المسؤولية". "نريد مساحة للخيال، للقصص التفاعلية، للترفيه الذي يبني لا يُغيب" لم تكن هذه التطلعات رفاهية، بل أجراس تذكير لمن يريد أن يكسب هذا الجيل… لا كمتلقٍ، بل كشريك.
الأكيد أن التربية اليوم: حكاية تُشاهد… أو تُغفل. هكذا ختمت الجلسة التي كانت رسالتها واضحة كدعوة لأن نعيد تعريف "التربية" لا كمهمة مفروضة، بل كقصة نعيشها مع أولادنا، عبر المحتوى، لا على الرغم منه. وأن نكفّ عن تحميل المنصات أكثر مما تحتمل، ونبدأ من حيث يجب أن نبدأ: من الطفل، من الأسرة، من حوار نادِر لا يحدث إلا حين نجلس بجانبه، ونشاهده… لا نراقبه فقط.
0 تعليق