17 أغسطس 2025, 10:30 صباحاً
برز مفهوم "الضيافة الخضراء" كمكوّن رئيسي في مستقبل صناعة الفنادق بسبب التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاع الضيافة العالمي مدفوعة بتغير توقعات الضيوف، وتطور المفاهيم التشغيلية، وتنامي الوعي البيئي. ولم تعد "الضيافة الخضراء" مجرد خيار تسويقي، بل باتت ضرورة استراتيجية حتمية في قطاع الضيافة، إذ يتم فيها دمج أفضل الممارسات البيئية ضمن العمليات التشغيلية بما يضمن الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقديم تجربة ضيافة راقية تلبي تطلعات الضيوف.
هذه التحولات لا تقتصر على الجوانب التقنية، بل تمتد إلى العمق المؤسسي والفكري الذي يُعيد تعريف العلاقة بين الفندق وبيئته الطبيعية والاجتماعية. فالضيافة الخضراء تعبّر عن نهج بيئي واعٍ يهدف إلى تقليل الأثر السلبي للمنشآت الفندقية من خلال استخدام الموارد بكفاءة، مثل الطاقة والمياه، وتقليل النفايات والانبعاثات، مع الحفاظ على جودة عالية في الخدمة وتجربة الضيوف عمومًا.
النشأة والبدايات
ظهر مفهوم الضيافة الخضراء كردّ فعل على التحديات البيئية المتصاعدة، وتزايد وعي المستهلكين بأهمية الحفاظ على الكوكب، إلى جانب الضغوط التنظيمية وتكاليف الطاقة المتنامية. وتطوّر هذا المفهوم تدريجيًا من مبادرات محدودة لمنشآت صغيرة إلى إطار عالمي معتمد تقوده منظمات دولية وتتبناه سلاسل فندقية كبرى، مما عزّز انتشاره واعتماده كمعيار في التميز الفندقي.
والآن تقوم مؤسسات مرجعية بوضع معايير معتمدة لتقييم هذه الممارسات، مثل المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء من خلال شهادة "ليد" LEED، ومنظمة السياحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إضافة إلى شهادات مثل "جرين جلوبال" و"أيرث تشيك" و"أيزو 14001"، التي تمنح فقط بعد التزام المنشأة الفندقية بمعايير دقيقة ومتكاملة.
الفنادق الخضراء والضيافة المستدامة
تختلف الضيافة الخضراء عن مفاهيم قريبة منها، مثل الضيافة المستدامة والفنادق البيئية؛ فبينما تركز الضيافة الخضراء على الجوانب البيئية التشغيلية، تشمل الضيافة المستدامة أيضًا الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وتُعنى الفنادق البيئية بالتصميم من الأساس بما ينسجم مع الطبيعة، وغالبًا ما تقع خارج التجمعات الحضرية.
وتعتمد الفنادق الخضراء ممارسات بيئية مستحدثة مثل استخدام أنظمة ذكية لإدارة الطاقة والمياه، وتركيب أجهزة موفرة، وتقنيات الإضاءة ليد، وإعادة تدوير النفايات، وتقليل استهلاك البلاستيك، وتوفير وسائل حديثة لتقليل الهدر مثل نظم التحكم في التكييف والإضاءة، ومحطات شحن المركبات الكهربائية، وتشجيع الضيوف على إعادة استخدام المناشف والمفروشات.
هذه الممارسات لا تحسّن فقط الأداء البيئي، بل تعزز من تجربة الضيف من خلال توفير بيئة صحية ومريحة، وترسّخ صورة ذهنية إيجابية عن الفندق بوصفه مؤسسة مسؤولة تجاه البيئة والمجتمع.
تحديات
لا تخلو الضيافة الخضراء من تحديات، أبرزها ارتفاع تكاليف التأسيس لبعض الحلول المستدامة، وضرورة تحديث البنية التحتية في المنشآت القديمة، إضافة إلى الحاجة المستمرة لتدريب العاملين، وتوفّر موردين محليين قادرين على توفير المعدات والخدمات الخضراء. ولكن هذه التحديات يمكن تجاوزها من خلال التخطيط السليم، والتعاون مع الجهات الحكومية، والاستثمار في حلول رقمية مستدامة.
فنادق "طيبة": نموذج رائد للضيافة الخضراء في المملكة
مع انطلاق رؤية 2030، صارت الاستدامة أحد المرتكزات الأساسية، سواء في قطاع السياحة أو البيئة أو التنمية الحضرية، وأصبح التحول إلى منشآت فندقية خضراء جزءًا من التوجه الوطني نحو الاقتصاد الأخضر، من خلال دعم المشاريع المستدامة، ووضع اشتراطات بيئية ضمن تراخيص البناء والتشغيل، إضافة إلى مبادرات حكومية فعالة مثل "السعودية الخضراء"، والمشاريع الكبرى مثل نيوم، والبحر الأحمر، التي تضع الاستدامة في صلب فلسفتها التصميمية والتشغيلية.
وتُشارك عدة جهات في دعم هذا التحول، منها وزارة السياحة، وزارة الاستثمار، المركز الوطني لكفاءة الطاقة، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، إلى جانب برامج حوافز تقدمها جهات تنظيمية لتشجيع المستثمرين على تبني الحلول الخضراء.
في هذا السياق، نجحت شركة طيبة، الشركة السعودية الرائدة في قطاع الضيافة، في تقديم نموذج متكامل لتطبيق مفاهيم الضيافة الخضراء في منشآتها الفندقية، في إطار رؤية استراتيجية تجمع بين التميز الفندقي والمسؤولية البيئية. وبرزت "طيبة" كنموذج وطني في تبني مفاهيم الضيافة الخضراء ضمن مشروعاتها الفندقية.
وكنموذج عملي يبرز الالتزام بتطبيق أعلى معايير الاستدامة وحلول الضيافة الخضراء، تعتمد فنادق "مكارم"، أحد أبرز العلامات الفندقية التابعة لشركة "طيبة"، أنظمة التحكم الذكي في الطاقة والمياه، وتركيب وحدات الإضاءة "ليد"، وتطبيق نظام "وينو" لتقليل هدر الطعام، إلى جانب تقليل الاعتماد على المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد واستبدالها بموزعات صديقة للبيئة.
كما تشمل المبادرات البيئية لفنادق "مكارم" الاهتمام بالمساحات الخضراء، ومعالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في الري، في خطوة عملية للحد من الهدر المائي.
شراكات استراتيجية خضراء
ولم تقتصر جهود "طيبة" على الجوانب التشغيلية، بل توسعت لتشمل شراكات استراتيجية مثل توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "ترشيد"، المتخصصة في تحسين كفاءة الطاقة، من أجل دعم تطبيق الحلول المستدامة بشكل علمي ومنهجي.
كما أولت "طيبة" اهتمامًا كبيرًا بتدريب موظفيها على مبادئ الاستدامة، مما انعكس على أداء فرق العمل وتحفيزهم على المساهمة في تحقيق الأهداف البيئية للمؤسسة.
هذه الممارسات طُبّقت في العديد من منشآت الشركة القائمة، إضافة إلى مشاريع مستقبلية يُخطط لها ضمن توجه استراتيجي لتوسيع قاعدة الضيافة الخضراء في جميع عمليات الشركة.
رؤية قيادية
حول هذه الجهود، يؤكد حسان أحدب، الرئيس التنفيذي لتشغيل قطاع الضيافة في طيبة أن التحول إلى الضيافة الخضراء لم يكن خيارًا تكميليًا بل قرارًا استراتيجيًا نابعًا من التزام الشركة بالتنمية المستدامة، مشيرًا إلى أن ما تقوم به "طيبة" يتجاوز الممارسات التجميلية إلى تغييرات جذرية في بنية التشغيل، بهدف أن تكون فنادق "طيبة" مثالًا يُحتذى في الاستدامة، ضمن بيئة تشغيلية متقدمة وصديقة للبيئة، دون التأثير على جودة الخدمة أو راحة الضيوف.
وقال أحدب: "نحن في طيبة نؤمن بأن مستقبل الضيافة مرتبط بالاستدامة، ولهذا أخذنا على عاتقنا مسؤولية التحول إلى منشآت صديقة للبيئة دون التأثير على جودة الخدمة. إن اعتماد أنظمة ذكية لإدارة الطاقة والمياه، واستخدام المواد المستدامة، وتطوير آليات تدوير النفايات ليست مجرد قرارات تشغيلية، بل هي جزء من ثقافتنا المؤسسية التي نحرص على نقلها إلى فرق العمل وضيوفنا على حد سواء".
تحسن الأداء وتقلل التكاليف
ويؤكد أحدب إلى أن تجربة "طيبة"، بما تتضمنه من ابتكار بيئي وتكامل تشغيلي، تقدم نموذجًا يمكن البناء عليه في القطاع الفندقي السعودي، وتُثبت أن الالتزام البيئي ليس عائقًا أمام الربحية، بل أداة لتعزيزها واستدامتها.
ومن الناحية الاقتصادية، توفّر هذه الممارسات فرصًا كبيرة للفنادق لتقليل التكاليف التشغيلية من خلال تحسين كفاءة استهلاك الموارد، وفي الوقت نفسه تعزيز سمعة المنشأة في السوق، واستقطاب شريحة من العملاء الذين يفضلون الخدمات الصديقة للبيئة، وهو توجه يزداد عالميًا.
كما تُعد هذه الممارسات عاملاً مؤثرًا في التأهل للحصول على شهادات الجودة والحوافز الحكومية، ما يزيد من قيمة المنشأة السوقية على المدى الطويل. أما بالنسبة للضيوف، فإن الإقامة في فندق أخضر توفّر لهم بيئة صحية، وتجربة ذات بعد أخلاقي وبيئي، وتُشعرهم بالرضا لكونهم جزءًا من منظومة تحترم الكوكب وتخدم المجتمع.
0 تعليق