عاجل

مظاهرات وإضرابات في إسرائيل.. هل توقف خطط احتلال غزة؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

هذا الانقسام الداخلي يثير تساؤلات محورية: هل يمكن أن تُعرقل هذه التحركات الشعبية المخططات العسكرية، أم أن المؤسسة الأمنية ستواصل مسارها حتى النهاية؟

يوم استثنائي في الشارع الإسرائيلي

وصف الباحث في معهد ترومان للسلام بالجامعة العبرية روني شاكيد خلال حديثه الى برنامج الظهيرة على سكاي نيوز عربية يوم الإضراب الأخير بأنه "غير مسبوق" في التاريخ الإسرائيلي الحديث.

فبينما اعتاد الإسرائيليون على مظاهرات أسبوعية ضد الحكومة خلال العامين الماضيين، فإن ما حدث هذه المرة – إضراب شامل وإغلاق مدن رئيسية مثل تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع – مثّل قفزة نوعية في حجم الحراك وأثره.

المشهد، كما رصده شاكيد، حمل رمزية قوية: شوارع مغلقة، أعمدة دخان فوق تل أبيب، واصطدامات بين الشرطة والمتظاهرين. لم يعد الأمر احتجاجًا محصورًا بنشطاء سياسيين أو عائلات الرهائن، بل تحول إلى حركة اجتماعية شاملة تربك حسابات الحكومة.

المطلب المركزي كان واضحًا: وقف الحرب وإبرام صفقة تبادل تضمن عودة المختطفين. المتظاهرون رفعوا لافتات تحذّر من أن أي عملية عسكرية شاملة في غزة ستكون بمثابة "حكم بالإعدام" على الرهائن، محملين الحكومة مسؤولية مصيرهم.

الفجوة بين الحكومة والشعب

تؤكد تصريحات شاكيد أن الفجوة بين الشعب والحكومة باتت عميقة. فالمجتمع الإسرائيلي – بحسب رأيه – يريد وقف الحرب والبحث عن حل سياسي يضمن عودة المختطفين، بينما الحكومة أسيرة لتحالف اليمين المتطرف، ممثلًا بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين يدفعان باتجاه الاحتلال الكامل للقطاع بل وحتى إقامة مستوطنات جديدة فيه.

الاستطلاعات الأخيرة تعكس هذا الانقسام: 59% من الإسرائيليين غير راضين عن أداء نتنياهو، و57% غير راضين عن وزير الدفاع يوآف غالانت (خَلَفه في النص إسرائيل كاتس)، فيما حاز الجيش على نسبة رضا أعلى نسبيًا.

هذا يوضح أن الشارع يحمّل القيادة السياسية المسؤولية، بينما يمنح المؤسسة العسكرية قدرًا من الثقة، رغم تحفظاتها على خطط الاحتلال.

شاكيد شدّد على أن "المجتمع الإسرائيلي يفهم اليوم أن حياة المختطفين أهم من أي شيء آخر"، محذرًا من أن غياب مبادرة إسرائيلية حقيقية سيجعل مصير هؤلاء الرهائن في مهب الريح، وسيُفقد الحكومة شرعيتها أمام شعبها.

موقف نتنياهو بين اليمين والدبلوماسية

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أعلن بوضوح أن أي اتفاق مع حماس يجب أن يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة، إلى جانب نزع سلاح غزة وسيطرة إسرائيلية كاملة على محيط القطاع، وإقامة سلطة محلية لا ترتبط لا بحماس ولا بالسلطة الفلسطينية.

هذه الشروط – التي يعتبرها محللون تعجيزية – تعكس محاولته التوفيق بين الضغوط الشعبية من جهة، ومتطلبات تحالفه مع اليمين المتشدد من جهة أخرى. لكن الثمن هو انسداد أفق التفاوض وغياب أي فرصة حقيقية لإبرام صفقة قريبة.

شاكيد يرى أن نتنياهو يدرك خطورة الوضع، لكنه "أسير في يد اليمين المتطرف"، وأن دخوله غزة عسكريًا سيجلب لإسرائيل أزمات سياسية واقتصادية، أبرزها فقدان الدعم الدولي، خصوصًا من أوروبا والولايات المتحدة.

رؤية روني شاكيد – وقف الحرب أولًا

شدّد شاكيد في حديثه إلى سكاي نيوز عربية على أن "الحرب بلا هدف"، وأن إنقاذ حياة الرهائن يجب أن يكون الأولوية القصوى. واعتبر أن استمرار العمليات العسكرية لن يقضي على حماس، لأنها "ليست مجرد سلاح بل فكرة وإيديولوجية".

واقترح بدائل لإدارة غزة بعد الحرب، منها إشراف السلطة الفلسطينية أو ترتيبات عربية – دولية، لكنه أشار إلى أن حكومة نتنياهو ترفض هذه الخيارات، ولا تريد لا السلطة ولا حماس ولا حتى مشاركة الدول العربية. برأيه، هذا يعكس غياب أي رؤية سياسية حقيقية، مقابل نزعة يمينية تدفع نحو الاحتلال والتهجير.

شاكيد حذّر أيضًا من التداعيات الدولية: أوروبا بدأت تعيد النظر في دعمها لإسرائيل، وهناك أصوات متزايدة في الولايات المتحدة تنتقد استمرار الحرب.

كما أشار إلى أن اعترافًا مرتقبًا بدولة فلسطين في الأمم المتحدة قد يفاقم عزلة إسرائيل ويدفعها إلى مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة.

رؤية نائل الزعبي – لا بديل عن القوة

على النقيض، قدّم الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية نائل الزعبي خلال مداخلته قراءة مختلفة. فهو يرى أن إسرائيل – حكومة وشعبًا – موحدة في هدفها: إعادة الرهائن والقضاء على حماس.

ذكّر الزعبي بأن حماس رفضت عدة فرص لإبرام صفقات، بما في ذلك المبادرة الأمريكية عام 2024 التي تضمنت الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق المختطفين تدريجيًا.

وبالنسبة له، هذا يؤكد أن الحركة "لا تريد التوصل إلى أي اتفاق" وأنها "تقامر بحياة الغزيين" لمكاسب سياسية.

واعتبر الزعبي أن الاحتجاجات في إسرائيل مشهد ديمقراطي مشرّف، لكنها لا تلغي حقيقة أن "الجيش ملزم بتنفيذ قرار الحكومة بالدخول إلى غزة"، لأن حماس "لا تفهم إلا لغة القوة".

إسرائيل بين رؤيتين متناقضتين

الجدل بين شاكيد والزعبي يعكس بوضوح الانقسام داخل المجتمع والنخبة الإسرائيلية. فمن جهة، هناك تيار يحذر من مغامرة عسكرية ستعمّق عزلة إسرائيل وتعرض حياة الرهائن للخطر. ومن جهة أخرى، هناك تيار يعتقد أن القوة العسكرية هي السبيل الوحيد لفرض صفقة أو إنهاء حماس.

هذا التناقض يتجلى أيضًا في مؤسسات الدولة: الشارع يضغط من أجل وقف الحرب، الحكومة ماضية في خططها، والجيش يتأرجح بين التحفظ والتنفيذ.

التداعيات الإقليمية والدولية

التحركات الداخلية في إسرائيل لا يمكن فصلها عن السياق الدولي. الولايات المتحدة، الحليف الأكبر، بدأت تبدي تململًا من استمرار الحرب، خصوصًا مع تزايد الانتقادات في الكونغرس والإعلام الأمريكي. أما أوروبا، فقد شهدت تحولات ملحوظة في مواقفها، مع تزايد الدعوات لفرض قيود على التعاون العسكري مع إسرائيل.

إقليميًا، يطرح شاكيد إمكانية دور عربي في إدارة غزة كبديل عن حماس، لكن غياب الرؤية الإسرائيلية يجعل هذا الخيار غير واقعي في المدى القريب. بالمقابل، يحذر الزعبي من أن استمرار المماطلة من جانب حماس قد يفتح جبهات أخرى في الشمال (حزب الله) أو في المنطقة الأوسع (اليمن).

مستقبل نتنياهو والانتخابات المقبلة

يشير الزعبي إلى أن إسرائيل قد تتجه إلى انتخابات جديدة خلال عشرة أشهر، وأن تراجع شعبية نتنياهو وحلفائه اليمينيين قد يفتح الباب لتغيير سياسي كبير. شاكيد من جهته يرى أن سموتريتش وبن غفير، رغم نفوذهم الحالي، لن يجدوا مكانًا في الكنيست إذا استمرت سياساتهم المتطرفة.
الاحتجاجات الحالية قد تكون بداية تحوّل سياسي، خصوصًا إذا تزايد الضغط الشعبي والدولي على الحكومة. لكن السؤال هو: هل ستصمد حكومة نتنياهو حتى ذلك الحين، أم أن أزمة الرهائن والحرب ستعجل بنهايتها؟


إسرائيل اليوم تقف عند مفترق طرق تاريخي. فمن جهة، حكومة مصممة على المضي في خططها العسكرية مهما كان الثمن، ومن جهة أخرى شارع غاضب يطالب بوقف الحرب وإنقاذ الرهائن. وبين الطرفين، جيش يوازن بين الولاء للحكومة والحسابات الاستراتيجية، ودعم دولي آخذ في التآكل.

الخياران أمام إسرائيل صعبان: الاستجابة للشارع والبحث عن صفقة قد يُنظر إليها كانتصار لحماس، أو المضي في خطة الاحتلال بما تحمله من مخاطر عسكرية ودبلوماسية واقتصادية.

لكن المؤكد أن الاحتجاجات الأخيرة أضعفت موقف نتنياهو وأظهرت أن المجتمع الإسرائيلي لم يعد على قلب رجل واحد خلف قيادته، وأن أي قرار في الأيام المقبلة قد يرسم مستقبل الصراع لعقود قادمة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق