كتب عيسى سعد الله:
عمد جيش الاحتلال، منذ اليوم الأول لعدوانه على قطاع غزة، إلى إلحاق الأذى والضرر والدمار الكبير بميناء غزة للصيادين، الذي تحوّل خلال العقد الأخير، إلى منتجع وواجهة سياحية مهمة في القطاع.
وقد نجح الاحتلال على مدار العدوان في تدمير الميناء وإخراجه عن الخدمة، بعد كسر الرصيف الجنوبي، وإحداث فتحة كبيرة جداً أدت إلى اندفاع الأمواج داخل الحوض، وإغراق ما تبقى من مراكب صيد نجت من نيران الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، التي لم تتوقف خلال الأشهر الأربعة الأولى من العدوان.
ولكن وبعد أكثر من عام على العدوان، قرر العشرات من الباعة إحياء الحياة في الميناء، مستثمرين الكثافة السكانية العالية حوله بعد نزوح مئات آلاف المواطنين من شرق وشمال قطاع غزة.
ورغم المخاطر الجسيمة المترتبة على التواجد داخل حرم الميناء، بسبب الرقابة الشديدة التي تفرضها البوارج الحربية الإسرائيلية عليه، إلا أن البعض تمكن من إقامة أكشاك من "الشوادر" والبلاستيك المقوى، وتقديم خدمة المشروبات الساخنة لأعداد متزايدة من المواطنين، دفعهم ضيق الحال والسكن إلى الجلوس على ما تبقى من مقاعد إسمنتية، وبقايا ركام وجدران مدمرة.
واستقطب مشهد المياه الراكدة والصافية في الحوض، الذي يمتلئ بالمراكب الغارقة والمدمرة، وشمس الربيع الدافئة، المواطنين وبعض الصيادين الذين قرروا استئناف عملهم رغم المخاطر الهائلة.
وعلى وقع الأصوات المرتفعة والمزعجة جداً لطائرات التجسس المسيّرة التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة، ينخرط الشاب محمود البلدي في صناعة المشروبات الساخنة لعدد من الأسر والشباب الذين جلسوا على حافة الرصيف المدمر.
وقال البلدي، إن انعدام الخيارات الأخرى والعمل دفعه إلى استحداث كشك صغير كمصدر رزق يقدم من خلاله بعض الخدمات لزوار الميناء.
وأقر البلدي بالمخاطر الجسيمة المترتبة على تواجده داخل الميناء، الذي يتعرض بشكل شبه منتظم لقصف جوي وبحري يستهدف مواطنين وصيادين.
فيما أوضح المواطن رامي الداعور، الذي جلس برفقة عدد من أصدقائه على مقعد إسمنتي نجا من عمليات التدمير والقصف، أن ضيق الحال ونزوحه في خيمة بالقرب من بوابة الميناء، يدفعانهم إلى الجلوس داخل الميناء للترفيه عن أنفسهم، وخلق مساحة من الحركة في ظل تدمير الشوارع والطرقات والمتنزهات في حي الرمال المجاور.
وأشار الداعور إلى أن الوضع الأمني الخطير يحد من قدرتهم على زيارة الميناء، لا سيما في ظل مشاهد الدمار الهائل الذي حل بالرصيف الجنوبي وغرف الصيادين والمراكب والمباني والمسجد الكبير.
ويتوقع صاحب الكشك المتواضع حسني الحادي أن تتزايد أعداد الزوار خلال الأيام القادمة، التي ستشهد ارتفاعات ملحوظة في درجات الحرارة، وذلك بسبب عدم قدرة النازحين على تحمل البقاء والمكوث داخل الخيام ومراكز النزوح، ورغبة منهم في الاستجمام.
ولفت إلى أن تدمير الميناء لا يؤثر على خططه وخطط نظرائه أصحاب الأكشاك ومن يرغب في فتح مصلحة تجارية محدودة داخل الميناء، في تطويرها، وتقديم الحد الأدنى من الخدمات السياحية الأولية.
وأكد أنه لا يمكن الاستسلام للواقع الحالي، الذي لم يتوقف منذ عام ونصف العام، إلا فترة التهدئة التي لم تتجاوز خمسين يوماً.
وقال الحادي، تمكنا خلال الصيف الماضي من جذب المزيد من المواطنين رغم تدهور الوضع في المنطقة واقتراب الدبابات والآليات العسكرية من الميناء في كثير من الأحيان، وقربها الشديد منها.
0 تعليق