عاجل

معالم غزة الرئيسة تختفي ليتسيد الركام المشهد - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

غزة - "وكالة سند": قبل أن تحل الحرب بكل بشاعتها، كانت الأماكن في قطاع غزة بسابق عهدها تزخر بالضحك والحركة، قاعة المؤتمرات الكبرى في الجامعة الإسلامية كانت دائماً مليئة بالأصوات المليئة بالحيوية، مع طلاب يتراصون على كراسيهم الخشبية التي تحمل عبق الذكريات، كان كل شيء يعكس الفخر والفرح، طابور الخريجين كان يمتد كخيوط من الأمل، كل خطوة فيها كانت تحمل بين طياتها حلماً تحقق، وتطلعات نحو المستقبل، المكتبة كانت المكان الذي تنسج فيه الأفكار، حيث تجتمع الكتب لتروي قصصاً لا تنتهي، وحيث السكون لا يعني الفراغ بل يعني اكتمالاً في الفكر والروح.
لكن اليوم، لا شيء مما كان، ساحة الجامعة، التي كانت تعج بالحياة والحديث، أصبحت الآن مرتعاً لخيام النازحين، تتشابك أسلاكها مع ذكريات الأمس، بينما تئن الجدران من تحت وطأة ما أصابها، والكراسي الخشبية التي كانت تشهد على تلك اللحظات الجميلة تحولت إلى قطع ممزقة، وحطب بدلاً من الوقود.
وقالت الشابة أمل الفراني خريجة الجامعة الإسلامية في غزة "كانت تجربتي في الجامعة الإسلامية رحلة عز وفخار، كنت أتزين بانتمائي لهذا الصرح العريق وأتباهى بكوني جزءاً من تاريخه العميق، حملت في قلبي طموحات جمّة وأحلاماً شاسعة، تحقق بعضها، وما زال الكثير منها معلقاً على أبواب الأمل، لم تكن الطريق معبدة بالورود؛ بل كانت مليئة بشقاء أربعة أعوام من الجهد والكلل، انتهت بلحظة مفصلية هي حلم التخرج".
وأضافت: "لكن غزة، التي كانت روزنامتها مسكونة بالحروب، لم تمنحني احتفالاً خالصاً، في العام 2014، حين أمطر الاحتلال سماءنا بالقذائف، طال القصف مبنى الإدارة وقسم الإعلام، ذاك الذي كنت أنتمي إليه، أُجّل حفل التخرج، وعلّقت أحلامنا في انتظار أن تهدأ طبول الحرب".
وتابعت: "لن أنسى أبداً قاعات الجامعة، ولا أصوات أساتذتنا وهم يزرعون فينا بذور الطموح، ولا ذلك اليوم الأول الذي وطئت فيه قدماي القاعة الكبيرة التي احتضنت خطواتنا الأولى والأخيرة، كانت القاعة تضج بالضحكات يوماً، ثم تحولت جدرانها إلى شهود على دموع وحسرة، حين غزتها خيام النازحين، واحترقت مكتبتها العريقة لتتحول كتبها إلى وقود يطهو عليه الجائعون، أما عن حبال الغسيل الممتدة على جدران الجامعة، علقت أرواحنا المكسورة عليها، وتركنا هناك جزءاً من ذاكرتنا".
وقال الفراني: "أما ساحة الجندي المجهول التي تحولت إلى خيام النازحين، كم كانت ساحة الحياة، رئة غزة المتعبة التي تتنفس منها، لم أكن أرتبط بالمكان ارتباطاً عميقاً، لكنها كانت مكاناً نمرّ به في أيام الأعياد كمن يلمس النبض الأخير في جسد مدينة متعبة، كانت الساحة تضحك حين نضحك، تكتظ حين تبتسم المدينة، واليوم.. تراها صامتة، ميتة، تعج بخيام النازحين وأصوات البكاء والضياع، تحولت من فسحة فرح، إلى نصب حي للفقدان".
وأضافت: "أما شارع الشرطة، أو "شارع الجوازات" كما اعتدنا أن نسميه، فكان ذاكرتنا اليومية، هناك، كنا نهرب من زحمة الشوارع، أنا وصديقاتي، نتبادل الحكايات والضحكات على الأرصفة المزدحمة بالخطى، كان الشارع يجمع بين الهدوء ونبض الحياة في آنٍ، اليوم، غابت ملامحه، لم يبقَ سوى ركام يتناثر على الطرقات، وأطفال يبحثون عن لعب ضائعة بين الأنقاض، وشوارع صارت تروي حكايات ألم وصمود بدلاً من ضجيج الحياة".
وتابعت "أذكر جيداً حين انسحبت قوات الاحتلال من منطقتنا، خرجت في جولة قصيرة، وقد شدني الفضول، وكم كنت أتمنى ألا أرى ما رأيت، رأيت مدينتي تئن تحت وطأة الدمار، شوارع فقدت أسماءها، مبانٍ أصبحت أطلالاً، وحياة انمحت ملامحها، لم يعد عقلي قادراً على استيعاب حجم الخراب، ولا قلبي قادراً على تحمّل وجع المشهد".
من جهتها، قالت الصحافية منى الأميطل: "بدأت دراستي في الجامعة الإسلامية العام 2011، وكان التخصص الصحافة، كنت أفتخر بحصولي على فرصة الانضمام إلى هذا الصرح العريق، كل زاوية وكل ركن في الجامعة يحمل لي ذكرى، رغم أنني شخص كثير النسيان".
وأضافت: "لا يمكنني نسيان قاعة المؤتمرات الكبرى، كانت القاعة تلك تحتضن مؤتمرات الجامعة واحتفالاتها، وكنت أرى صورها اليوم وقد أحرقت، لكن ما علق في ذاكرتي هو شكلها الأصلي، وهي مليئة بالطلبة وأصوات الأناشيد التي كانت تعم المكان، أتذكر يوم تخرجي هناك، حيث غنينا وضحكنا، والتقطنا صورنا، ولا أستطيع تذكر غير تلك اللحظات الجميلة، وكلما تذكرتها، لا أريد أن أذكر إلا تلك الذكريات، أما مشهد حرق القاعة، فقد مرّ أمامي مروراً عابراً، ولم أتمعن فيه حتى رسخ في ذهني".
وتابعت: "وعلى مقربة من تلك القاعة، هناك ساحة الجندي المجهول، التي كانت بالنسبة لي بمثابة الملاذ عند الشعور بالملل أو الحاجة للراحة، كانت الساحة مكاناً مليئاً بالحياة، حيث يمكننا الاسترخاء في الرمال، مراقبة الناس وهم يتجمعون، يتبادلون الأحاديث، ويشربون الشاي، كان المشهد هناك يعكس روح غزة وحيويتها، لكن بعد الحرب، أصبح هذا المكان مليئاً بالنازحين، وكانت الصورة مختلفة تماماً، شعرت بشعور مرير، كيف أصبح هذا المكان الذي لطالما كان ينبض بالفرح والحياة، مكاناً للوجع والمأساة؟ مع ذلك، لا أستطيع أن أزيل من ذهني تلك الصورة الجميلة التي كانت فيها الساحة، وأرفض أن أتقبل تلك الصورة الجديدة التي لم تعد هي ذاتها".
بدورها، قالت أنغام ماجد عودة، خريجة الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية: "عشت تجربة رائدة ومميزة خلال سنوات دراستي الجامعية، الجامعة كانت بالنسبة لي حلماً، بمبانيها وساحاتها الخضراء وتعليمها الراقي وأساتذتها الذين نفتخر بهم على المستويين المحلي والعالمي، درست وتعلمت وتدربت على يد قامات علمية مميزة، ما أهلني لأن أعمل وأتطوع خلال سنوات دراستي".
وأضافت: "عندما رأيت قاعة المؤتمرات الكبرى وقد تحولت إلى مكان للنازحين، لم أستطع أن أنظر إلى الصور، امتلأت عيوني بالدموع وأنا أرى الحبال والخيام تملأ القاعة بدلاً من الخريجين، شعرت بأن أجمل ذكرياتي قد انطفأت، تماماً كما انطفأت أحلام كثير من الطلبة الذين كانوا ينتظرون التخرج فيها".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق