06 مايو 2025, 8:05 صباحاً
في تصعيدٍ لافتٍ للأحداث، اخترقت طائرات مسيّرة أوكرانية سماء العاصمة الروسية موسكو لليلة الثانية على التوالي، في هجومٍ وقع قُبيل أيامٍ من الاستعراض العسكري السنوي الضخم الذي تستعد المدينة لاستضافته، وهذه الضربات، التي اعترضتها الدفاعات الروسية، تأتي في توقيتٍ بالغ الأهمية، حيث تستعد موسكو لاستقبال قادة عالميين بارزين للمشاركة في احتفالات يوم النصر، أبرزهم الرئيس الصيني شي جين بينغ؛ ويبدو أن كييف تهدف من وراء هذه العمليات إلى إرسال رسالة سياسية وعسكرية واضحة قُبيل هذا التاريخ الرمزي المهم بالنسبة لروسيا.
أعلن مسؤولون روس، وعلى رأسهم عمدة موسكو سيرجي سوبيانين؛ إحباط هذا الهجوم، وقال سوبيانين؛ إنه تمّ تدمير ما لا يقل عن 19 طائرة مسيّرة بينما كانت تقترب من العاصمة خلال الليل. وأضافت وزارة الدفاع الروسية أن إجمالي الطائرات المسيّرة الأوكرانية التي تمّ اعتراضُها في جميع أنحاء البلاد وصل إلى 105 في الليلة نفسها، ورغم عدم ورود تقارير فورية عن وقوع إصاباتٍ خطيرة أو أضرارٍ جسيمة، فقد أدّى تساقط حطام الطائرات المسيّرة التي تمّ إسقاطُها إلى إغلاقٍ مؤقتٍ لبعض الطرق وتعليق الرحلات الجوية في أربعة من مطارات العاصمة؛ كإجراءٍ احترازي للسلامة، وفقاً لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
دلالات التوقيت
يكتسب توقيت هذه الهجمات أهمية خاصة، حيث تتزامن مع الاستعدادات النهائية ليوم النصر في 9 مايو، وهو الحدث الأبرز على أجندة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ ويستخدم الكرملين هذا اليوم تقليدياً لعرض القوة العسكرية وتعزيز الوحدة الوطنية، إحياءً لذكرى الانتصار على ألمانيا النازية، والتضحيات الهائلة للاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية، حيث يُتوقع أن يصطف الآلاف في الساحة الحمراء لمشاهدة العرض.
وتتزامن الضربات أيضاً مع زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ؛ الذي يُتوقع وصوله إلى موسكو يوم الأربعاء في زيارة دولة تستمر ثلاثة أيام. ويُعد حضور شي احتفالات يوم النصر أحد أبرز مظاهر التقارب بين بكين وموسكو، في ظل التوترات الدولية المتزايدة، كما يُتوقع حضور قادة آخرين، مثل: رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس فيتنام تو لام، وزعيم بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، مما يجعل الحدث محط أنظار العالم.
موقف كييف
ولم تعلن أوكرانيا مسؤوليتها المباشرة عن هذه الهجمات بشكلٍ فوري، لكن مسؤولين أوكرانيين سابقاً حذّروا من أن كييف "لا يمكن أن تكون مسؤولة عمّا يحدث على أراضي الاتحاد الروسي" في سياق الصراع الدائر، كما رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي؛ فكرة هدنة قصيرة بمناسبة يوم النصر، التي اقترحها بوتين لاعتبارات إنسانية، مؤكداً أنه مستعدٌ فقط لهدنة لا تقل عن 30 يوماً.
وأضاف زيلينسكي؛ في تصريحات سابقة، أن بلاده لن "تلعب الألعاب لإيجاد جو لطيف للسماح لبوتين بالخروج من العزلة في 9 مايو"، في إشارة واضحة إلى رغبته في عدم تخفيف الضغط العسكري قُبيل هذا التاريخ الرمزي المهم لموسكو. اعتبرت الخارجية الروسية هذه التصريحات الصادرة عن كييف بمنزلة تهديدٍ مباشر.
موازنة التفوق
وتلجأ أوكرانيا بشكلٍ متزايدٍ إلى استخدام الطائرات المسيّرة في محاولة لموازنة تفوق روسيا في القوة البشرية والموارد. وشهدت الأسابيع الأخيرة تطورات في هذا المجال، حيث زعمت كييف أخيراً إسقاط مقاتلة روسية من طراز سو-30 في البحر الأسود باستخدام طائرة مسيّرة بحرية للمرة الأولى، وهو ما يمثل تطوراً تكتيكياً جديداً.
كما أشار مسؤولٌ أوكراني إلى استمرار وجود عسكري أوكراني داخل منطقة كورسك الروسية، بعد أيامٍ من إعلان موسكو السيطرة الكاملة على المنطقة عقب توغل استمر شهوراً من قِبل القوات الأوكرانية. هذا الاستخدام المكثّف للمسيّرات والعمليات عبر الحدود يعكس إستراتيجية أوكرانية جديدة لنقل بعض تداعيات الصراع إلى داخل الأراضي الروسية، ومحاولة لتقويض الشعور بالأمن في العمق الروسي.
وتضع هذه الضربات المتكرّرة بطائرات مسيّرة على العاصمة الروسية ضغطاً إضافياً على الكرملين قُبيل أحد أهم أحداثه الوطنية والدبلوماسية، وبينما تستعد موسكو لاستعراض قوتها العسكرية والاحتفاء بانتصارٍ تاريخي، تذكّر هذه الهجمات بأن الصراع لا يزال مستمراً ويمكن أن يمتد إلى العمق الروسي.
ويبقى السؤال: إلى أي مدى ستؤثر هذه الهجمات في أجواء يوم النصر، وما رد موسكو المتوقع على هذا التصعيد المستمر من جانب كييف، خاصة مع حضور قادة عالميين بارزين؟
0 تعليق