كتب خليل الشيخ:
"سنقضي ليلة أو ليلتين في العراء إلى حين تدبير أمورنا في الأيام القادمة"، بهذه الكلمات حاول المواطن جابر عليان (40 عاماً) تهيئة أفراد عائلته الذين فروا من حي تل الزعتر، شرق مخيم جباليا، باتجاه مدينة غزة للسكن في الشارع.
وتجمّع أطفال من عائلات "عليان"، و"النجار" و"الشمالي" في ركن واسع على رصيف شارع "الوحدة" في مدينة غزة، لقضاء ساعات الليل بعد أن دهمت القذائف المدفعية منطقة سكنهم وخيامهم، خلال اليومين الماضيين.
وأضاف عليان: "لم يكن أمامنا سوى الهرب والتوجه نحو مكان أقل خطورة، وهو ما جعلنا نقضي الليل في العراء وعلى رصيف شارع عام".
وأشار إلى أنه استطاع تجميع بعض الأغطية والأقمشة لعمل خيمة، والاستعداد لموجة جديدة من النزوح، لكن أكثر ما يؤلمه هو عدم علمه بمصير أشقائه، بعد أن تركهم محاصرين في منطقة "قليبو" إلى الشمال من مخيم جباليا.
وقال: "تركتهم في منزلهم وهم يستعدون للرحيل لكن الاتصال انقطع معهم وقد يكونون استشهدوا".
من جهته، قال المواطن إياد النجار (37 عاماً) إنه هرب من القصف بينما ترك أقرباءه تحت الركام بعد أن قصف الاحتلال المنزل فوق رؤوسهم، موضحاً أنه كان يقيم في خيمة بالقرب من منزل والديه وأشقائه الذي دمّر فوق رؤوسهم.
وأكد أن وضعه صعب، وأطفاله يشعرون بالجوع بعد أن تركوا فتات الطعام الذي كان في الخيمة وهربوا تحت وقع القذائف، لافتاً إلى أنه لا يملك المال لشراء طعام مرتفع الثمن.
وأضاف: "هربنا تحت شظايا الصواريخ، وتركنا الشهداء هناك، ومعناش مصاري، معناش أكل، ومعناش أي مقومات العيش، حتى فرشات وأغطية معناش".
ودفع القصف بالصواريخ والقذائف في إطار تصعيد العدوان الإسرائيلي على مناطق شرق جباليا، وشمال غربي بيت لاهيا وبيت حانون، المواطنين إلى مغادرة منازلهم وخيامهم باتجاه مناطق مدينة غزة ومخيم الشاطئ.
"بات من المعتاد تداول كلمة النزوح والاعتقاد أنها كلمة تعبّر عن الانتقال من مكان إلى آخر، لكن النزوح هو هروب اضطراري من مكان لا رحمة فيه إلى مكان لا راحة فيه"، هكذا قال الناشط طلال أبو ركبة (42 عاماً) وهو يرافق أسرته التي هربت من حمم الصواريخ والقذائف التي تساقطت حول منزله في مخيم جباليا.
وأضاف: "لم يعد في الروح طاقة، ولا في القلب تحمّل عند التعايش مع النزوح فهو ضياع وقلق وخوف"، لافتاً إلى حالة الجوع التي يشعر بها الأطفال والكبار.
وأعادت مشاهد الأطفال الذين يفترشون الأرصفة وجنبات الأبنية المدمرة في الشوارع والميادين مشاهد بدايات العدوان الإسرائيلي من جديد.
وتسكن عشرات العائلات في شوارع مدينة غزة، وبات شارعا الوحدة وعمر المختار، ومحيط مستشفى الشفاء، وأحياء النصر والشيخ رضوان، الملاذ المتاح أمام غالبية السكان بعد أن صارت منازلهم أماكن للموت.
وقال أسعد فياض (53 عاماً) من بيت لاهيا: "الظروف تتغير في كل وقت، فبعد شهرين ونصف الشهر من القصف المتقطع ونحن صامدون، صعّد الاحتلال من عدوانه ووسع عمليات التوغل البري ويهدد بتوسع أكبر".
وأضاف: "نزحنا ولم نكن نتوقع أن ننزح مرة جديدة بعدما هيأنا أنفسنا للسكن فوق الركام، وها نحن نبحث عن مكان آمن، لكننا نشعر بالجوع والعطش وقلة المال وانعدام الراحة والسلامة".
وتسود أجواء من الفوضى أوساط هؤلاء الذين يفترشون الطرق العامة بلا أي خيام، وسط مشكلات وشجارات بينهم ودون أي إمدادات إغاثية.
0 تعليق