20 مايو 2025, 6:49 مساءً
قبل أن تطأ أقدام الحجيج أرض المشاعر تبدأ القصة ليست قصة تُروى بل لوحة حيّة تُرسم بدقة تفاصيلها على مدى عقود تتلهف الأماكن استعدادًا لموسم هو الأقدس والأعظم تُفتح الأبواب لتستقبل قلوبًا جاءت من كل فجّ عميق تحمل شوقها وتطلعاتها نحو رحاب الرحمة والمغفرة
في صباح يوم العشرون من ذي القعدة وقفت في منى كانت صامتة لكن الصمت لم يكن فراغًا كان نبضًا خفيًا وحياة لا يراها إلا من تأملها كانت الأرض تستعد كأنها تستجمع أنفاسها للحظة الانطلاق كل زاوية كانت تتنفس الحياة الاستعدادات تتلاحم كأنها أنفاس متتابعة تُهيئ المكان لاستقبال ضيوف الرحمن
في كل شبر من زوايا المشاعر المقدسة منى مزدلفة عرفات خلية نحل بشرية لا تهدأ رجال ونساء من مختلف الجهات يرتدون سترات تحمل شعارات متعددة لكنها تتوحد في هدف واحد هو خدمة ضيوف الرحمن الكل يعرف دوره ومسؤوليته يتحرك بإيقاع متناغم مستشعرين شرف الاصطفاء وعظم المسؤولية
لم تكن هذه المنظومة وليدة اللحظة بل هي امتداد لتاريخ طويل خطّه ملوك هذا الوطن المبارك منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وتبعه أبناؤه الملوك في تعزيز هذه الرسالة العظيمة وصولًا إلى عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي شهدت فيه المشاعر المقدسة نقلة نوعية في التنظيم والإعداد والتخطيط بدعم ورؤية سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي قاد مشاريع تطويرية كبرى لتسهيل أداء المناسك بأعلى معايير السلامة والراحة
تمشي بين الخيام ترى من يراجع كفاءة التكييف وآخر يعيد ضبط الكهرباء وثالث يقيس جودة الأرضيات فرق الطوارئ تراجع ممرات الحركة وتختبر أجهزة الاتصال كأنهم يؤسسون مدينة متنقلة تتحرك على إيقاع الأمان والسكينة الجميع يعمل كأن الحجاج سيصلون الليلة وجوه تبتسم رغم التعب عيون تسهر رغم الإرهاق
في عرفات تبدو الأرض كأنها لوحة بيضاء تنتظر دعوات الملبين وفي مزدلفة تُنظف المسارات وتُعاد تسوية الطرقات أما في منى فالبنية التحتية تُراجع بعناية الكل يسأل نفسه هل نحن جاهزون؟ ليس مجرد سؤال بل هو قسم يُردد في أعماقهم
هنا المشاعر ليست مجرد أرض إنها نبض حيّ روح تعيش بين ثنايا المكان كل خطوة تُحسب كل زاوية تُراجع كل خيمة تُنصب كأنهم ينسجون خيوط الطمأنينة بقلوبهم قبل أيديهم كأن الأرض تخفق بالشوق لأول “لبيك اللهم لبيك”
في تلك اللحظة أدركت أن “المشاعر في المشاعر” ليست تعبيرًا بل حقيقة تُنقش في القلوب وتُصاغ بالإخلاص والإتقان الحجيج لم يصلوا بعد لكن أرواحهم حاضرة الأرض تتزين القلوب تنبض شوقًا الشوارع تُغسل الأرصفة تُنظف الممرات تُسوى كأنها تتزين لموكب العظماء
هنا كل شيء يتحرك ليس بأمر بل بشغف هنا تُصنع الكواليس التي لا يراها الملايين لكنها وحدها التي تجعل من موسم الحج أعظم قصة تنظيم في تاريخ البشرية هنا يُكتب التاريخ بحب ويُصنع العطاء بإخلاص لتبقى المشاعر رمزًا للعطاء المتواصل ونتاج رؤية ملوكٍ حملوا رسالة خدمة ضيوف الرحمن عبر الأجيال ليظل هذا الوطن موطن الأمان والسلام..
0 تعليق