غزة-" الأيام": عُرفت الطبيبة "آلاء" بحبها الشديد للأطفال وشعور الأمومة، لذلك انجبت عشرةً، واختارت قسم الأطفال وظيفةً لها، بل رفضت عروضًا مغرية للعمل بأقسام أخرى، لتعلق قلبها بأحباب الله، ومع ذلك كان مصابها فيما تُحب.
آلاء النجار، تلك الطبيبة التي كانت ولا تزال نموذجًا للتفاني بالمهنة، وآخر في التضحية بوقتها وصحتها ومالها وطاقتها لأطفالها العشر.
"يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين، لقمان، سيدار وآدم"، هذه الأسماء غير المألوفة، تعكس قصة أمٍ فريدة من نوعها، ظلت فارسة لكل هذه الأجودة، طعنها صاروخ إسرائيلي، غدرًا وسفكًا، بخاصرة أمومتها، وخطفهم جميعًا، تاركًا "آدم"، ناجيًا وحيدًا، معلقًا بين الحياة والموت.
واستقبلت الطبيبة الأربعينية "آلاء" أطفالها التسعة، شهداء متفحمة جثامينهم، بينما كانت تعمل بقسم الأطفال في مستشفى ناصر الطبي بمحافظة خان يونس جنوبي القطاع.
وارتقى أطفال النجار في قصف إسرائيلي استهدف عمارة سكنية بمنطقة قيزان النجار بمدينة خان يونس فجر أول من أمس.
وتقول الطبيبة سامية أبو صلاح، زميلة آلاء في قسم الحضانة، إن مصاب هذه الأم أولًا كبير، ليس فقط لأنها أم، بل لأنها نادرٌ من هم مثلها، أن تكون موظفة وتنجب في كل عام طفل، ويكون لديها كل هذه الطاقة برعايتهم وتربيتهم بالموافقة بين مهنتها".
وتضيف، "الدكتورة مميزة عمن حولها في اهتمامها الشديد بأبنائها، وكان ذلك واضحًا في زيارتها للحضانة التي كانت تضعهم فيها أثناء عملها، وهذا المكان جمعني بها منذ عشر سنوات".
وتستذكر موقفًا اقتادت الأمومة فيه النجار نحو غريزتها، قائلة "عملت فترة قصيرة بقسم النساء والولادة، ولم تصمد، لأنه كان يأخذ وقتًا أكثر منها، وجاء على الوقت الذي كانت تقسمه لأطفالها".
وتضيف "عادت لقسم الأطفال بسرعة، رغم العائد المادي الأكثر في قسم النساء، لأنها أحبت رعاية الأطفال وفضلت أن تكون طاقتها الأكثر بينهم وبين أولادها".
وتؤكد أن العمل بالمستشفى منذ حرب الإبادة المتواصلة، زاد في الأعباء والضغط على آلاء، كغيرها من الأطباء، خاصة مع اشتداد الأزمة الإنسانية".
وتقول، "في الفترة الأخيرة شكل توفير الغذاء لأطفال آلاء عبئا فوق الطاقة".
والدكتورة النجار ودعت امس أطفالها، بحالة بدت فيها وكأنها تضع في كفن كل واحد منهما، قطعةً من قلبها، وانطلقت بعد مواراتهم الثرى، بما تبقى من قلبها، تضعه بين أنفاس "آدم"، وحيدها الناجي.
ويرقد أيضًا زوج النجار في قسم العناية المركزة مصابًا بجروح وحروق، تجعل من "فرصة نجاته ضعيفة"، حسب أبو صلاح، التي تقول "ستكون مأساتها أكبر، إذا فقدت رفيق دربها مع أطفالها".
ووصف وكيل وزارة الصحة يوسف أبو الريش، الطبيبة النجار بـ"النموذج الفريد، حيث الطبيبة التي تركت أطفالها في ظروف غزة التي لا تزيد محاولة شرح تفاصيل الألم فيها للحقيقة إلا ألماً جديداً".
ويضيف "تركت أطفالها لتؤدي واجبها ورسالتها تجاه كل الأطفال المرضى الذين لا يجدون مكاناً سوى مستشفى ناصر، بمكان يعج بالصرخات البريئة التي أوهنها المرض والجوع والتعب".
ويصف مشهد وداعها لأطفالها، "وقفت أمام مصابها شامخة هادئة صابرة محتسبة، بعيون ملؤها الرضا، لا تسمع لها سوى تسبيح واستغفار يملأ المكان طمأنينة.
ويتابع "لقد كنا اليوم أمام نموذج في عظمة الثبات وأمام ذلك اليقين والتوكل".
0 تعليق