جيمي ماكغيفر *
يظهر انقسام بين الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الرئيسية الأخرى، في محاولتهم تقييم الأثر الاقتصادي للحرب التجارية العالمية سريعة التغير.
وبينما أبقى المركزي الأمريكي أسعار الفائدة ثابتة في مواجهة تزايد مخاطر التضخم، عمل نظراؤه حول العالم على تخفيضها للتخفيف من وطأة تباطؤ النمو الوشيك. وهو موقف حذِر يُخاطر بترك رئيس أكبر مؤسسة نقدية، وفريقه، خلف المنحنى مرة أخرى، ويوسع الفجوة بين أسعار الفائدة الرئيسية للفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي لأعلى مستوى منذ أكثر من عامين.
وقال جيروم باول الأسبوع الماضي إنه وزملاءه قادرون على الحفاظ على موقف سياسي متأنٍ لأن الاقتصاد الأمريكي، ظاهرياً، لا يزال في حالة جيدة، حيث النمو وسوق العمل قويان، والتضخم قريب بشكل معقول من هدفهم البالغ 2%.
وأضاف رئيس الفيدرالي، بأن «تكاليف الانتظار منخفضة نسبياً. ويمكننا التحرك بسرعة عند الحاجة. لكن هناك الكثير من عدم اليقين.. لا أستطيع تحديد إطار زمني لذلك».
الاستنتاج هنا، هو أن أي ضرر اقتصادي ناتج عن تأخير استئناف دورة التيسير النقدي، سيتم تحييده من خلال خطوات أكثر جرأة لاحقاً. تذكروا أن الاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة 100 نقطة أساس بين أغسطس/ آب وديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
ورغم أن باول محق في أن البيانات الاقتصادية «الثابتة»، مثل البطالة ومبيعات التجزئة، لا تزال جيدة نسبياً، فإن تلك «الناعمة»، كاستطلاعات الرأي وثقة المستهلكين، قاتمة للغاية حالياً، وفقاً لكبير الاقتصاديين في «موديز»، مارك زاندي.
معلومٌ أن للثقة تأثيراً مباشراً في إنفاق المستهلكين والشركات والمستثمرين، ومع ذلك من الصعب التنبؤ بدقة بمدى قوتها في الوقت الحالي، كونها ضعُفت منذ الجائحة. ولكن بحلول الوقت الذي يكتشف فيه الاحتياطي الفيدرالي تدهوراً خطيراً في البيانات «الثابتة»، يكون النمو الأساسي قد تباطأ بالفعل بشكل ملحوظ، ما يعني فوات الأوان لمنع الركود.
وإنصافاً لباول وفريقه، فإن الموقف الأمريكي الحذر يبدو أكثر منطقية عند النظر إليه من منظور التضخم، فالتوقعات ذات الصلة في الولايات المتحدة أعلى بكثير من تلك الموجودة في أماكن أخرى، حيث يستعد المستهلكون لارتفاع حاد في الأسعار في وقت لاحق من هذا العام، بسبب رسوم ترامب الجمركية على الواردات. تكهناتٌ سوداوية ربما تتغير بعد اتفاق سويسرا، وتهدئة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ولكن، حتى بعد التوصل إلى اتفاقيات تجارية، سيظل متوسط الرسوم الجمركية الفعلية الأمريكية هو الأعلى منذ عقود. وصرحت أكثر من 75% من الشركات، التي شملها استطلاع الفيدرالي بأنها ستُحمّل زيادات التكاليف على المستهلكين.
هذا إن صمدت هدنة ال 90 يوماً بين واشنطن وبكين، أما إذا لم تصمد، فمن شبه المؤكد أن الأخيرة ستعيد توجيه شحناتها من السلع الرخيصة، التي كانت تُبحر نحو الولايات المتحدة، إلى بقية العالم. وفي حال ثبات جميع العوامل الأخرى، سيُشكّل ذلك ضغطاً تصاعدياً على التضخم الأمريكي، وآخر هبوطياً على الاقتصادات المتقدمة الأخرى. وقد يُفسر هذا إلى حد كبير موقف الفيدرالي الأكثر حذراً وتفاعلية.
يقول ويليم بويتر، المسؤول السابق عن تحديد أسعار الفائدة في بنك إنجلترا: «يعاني الاحتياطي الفيدرالي من داء الإجماع المفرط». ويُجادل بأن هناك ميلاً لدى البنوك المركزية إلى «التدرج المفرط» عند تغيير أسعار الفائدة. وبأنه إذا كان صانعو السياسات يعرفون هدفهم النهائي، فعليهم السعي لتحقيقه بأسرع وقت ممكن دون إثارة تقلبات غير مرغوب فيها في الأسواق المالية.
تكمن المشكلة في أن المركزي لا يملك فكرة واضحة عن هدفه النهائي، بسبب ضبابية المشهد، وحالة عدم اليقين التي خلقتها حرب ترامب التجارية. وذلك في ظل رفض باول تحديد أي جانب من تفويض الفيدرالي، سواء التوظيف أو التضخم، هو الخطر الأكبر على الاقتصاد.
* كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»
0 تعليق