الكويت الاخباري

رئيس الفيدرالي.. درع الاقتصاد في وجه الركود - الكويت الاخباري

- المستثمرون مهتمون بتوقعات الفيدرالي أكثر من الضجيج السياسي
- هل يتحول إلى أداة في يد السياسة؟ أم قربان على مذبح الأسواق؟
إعداد: هشام مدخنة
أعادت دعوات ترامب الأخيرة لـ«إقالة» رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إثارة المخاوف بشأن مستقبل السياسة النقدية الأمريكية واستقلالية البنك المركزي. لكن خبراء اقتصاديين سابقين في الفيدرالي يرون أن المخاوف بشأن رحيل باول الوشيك، أو حدوث أزمة مؤسسية، مبالغ فيها إلى حد كبير. ويشيرون بدلاً من ذلك إلى ديناميكية سياسية أكثر استراتيجية، تتمثل في رغبة ترامب الإبقاء على باول ليكون «كبش الفداء المناسب» في حال تدهور الاقتصاد.
لقد صعّد ترامب انتقاداته لباول في الأيام الأخيرة، مُندداً بارتفاع أسعار الفائدة، ومطالباً إياه بخفضها، حتى مع استمرار تجاوز التضخم لهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. في وقت من المتوقع أن تُثقل فيه سياسات الرئيس المتعلقة بالرسوم الجمركية كاهل النمو وتفاقم الضغوط التضخمية، ما يُزيد من التدقيق على البنك المركزي.
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب ورثت اقتصاداً قوياً، فإنها في أقل من ثلاثة أشهر، تسببت في موجة بيع حادة في سوق الأسهم ومخاوف عميقة بشأن مستقبل الأمور. وكانت خسائر السوق قبل أسبوعين تقريباً هي الأسوأ منذ عام 1929. ولا شك أن هذه الموجة التاريخية من البيع كانت نتيجة «يوم التحرير» الكبير لترامب، عندما كشف عن مجموعة من التعريفات الجمركية التي رفعت متوسط الضريبة الأمريكية على الواردات إلى مستويات غير معهودة.
- معضلة الركود التضخمي
يُطلق على هذا المزيج من انخفاض النمو وتسارع التضخم اسم الركود التضخمي، وهو تحدٍّ خاص لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. فلمواجهة تباطؤ النمو، يمكن لمسؤولي الفيدرالي خفض سعر الفائدة القياسي الذي يتحكمون به. ولكن لصدّ الضغوط التضخمية، فإنهم عادةً ما يرفعون أسعار الفائدة. فما الذي ينبغي على محافظ البنك المركزي فعله لمواجهة الركود التضخمي؟
أفضل حل لهم هو إبقاء أسعار الفائدة كما هي حتى تتضح المشكلة التي تتطلب معالجة بتغيير السعر. في الواقع، هذا ما أشار إليه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، حين قال: «بما أن المسار المناسب لسياسة الاحتياطي الفيدرالي غير واضح في الوقت الحالي، يبدو أننا لسنا بحاجة إلى التسرع».
- خيار غرينسبان
إذن، ما المشكلة؟ ولماذا نشر ترامب، عندما كان سوق الأسهم يتراجع، «سيكون هذا الوقت الأمثل لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لخفض أسعار الفائدة. إنه متأخر دوماً، لكن بإمكانه الآن تغيير صورته، وبسرعة».
ولفهم ما يجري هنا، نحتاج إلى العودة إلى أحد أسلاف باول، آلان غرينسبان. في عهده، كان الفيدرالي ثابتاً في خفض أسعار الفائدة بمجرد أن يهدأ السوق، لدرجة أن المستثمرين أصبحوا يعتمدون عليه لحمايتهم من الأسواق الهابطة. وعُرف هذا باسم «خيار غرينسبان»، في إشارة إلى أداة مالية تحمي المستثمر من الخسائر السلبية.
لا ندّعي هنا أن ترامب دارسٌ نهم للتاريخ النقدي، بل إنه يريد، ويتوقع من باول، أن ينقذه، وهو يعلم أن هناك سابقةً للاحتياطي الفيدرالي لتوفير «بوليصة تأمين» للاقتصاد الكلي ضد أي صدمة سياسية، حتى لو كانت من صنع ترامب نفسه.
- إقالة باول!
ركزت التكهنات حول قانونية إقالة باول، جزئياً، على المخاوف بشأن قضية منظورة أمام المحكمة العليا تطعن في سابقة قانونية تمنع الرؤساء من إقالة مسؤولين فيدراليين معينين لدوافع سياسية. ومع ذلك، يرى بعض المسؤولين السابقين في الاحتياطي الفيدرالي والحكومة أن هناك حسابات مختلفة.
وقال آلان بليندر، نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق: «يريد ترامب دائماً أن يكون هناك شخص بمنزلة كبش فداء». وكتب غاريد بيرنشتاين، كبير الاقتصاديين في البيت الأبيض في عهد بايدن: «من المحتمل جداً أن ترامب يخطط ليكون باول الشمّاعة التي يعلق عليها تردّي الوضع الاقتصادي، خصوصاً بعد ثبوت صحة احتمالات الركود المتزايدة، وهي نتيجة حتمية لأفعال الرئيس الأمريكي».
ويرى فينسنت راينهارت، الاقتصادي البارز والخبير في شؤون الفيدرالي، أن هذا النمط ليس جديداً، وبأن السياسيين يريدون دوماً التحوط من لوم الناخبين. وعليه، أنشأوا مؤسسة يمكنهم إلقاء اللوم عليها في فترات الركود الاقتصادي. ولا شيء أفضل للوصول إلى هدفهم من تصدّر باول لعناوين الصحف، والقول إنه يخطئ في عمله، ويجب عليه المغادرة، وما إلى ذلك. وأضاف: «إذا ساءت الأمور، فالمسؤولية تقع على عاتق باول، وإذا تحسنت، يمكنكم تجاوز تردده في خفض أسعار الفائدة، ومن ثم استبداله في الوقت المناسب».
أما غاري شلوسبرغ، الخبير الاستراتيجي في معهد «ويلز فارجو» للاستثمار، فقد أبدى مخاوفه من الحاصل. وقال: «حتى لو لم يُعزل باول، فإن هذا الضغط الضمني مضرّ بالسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، وسيُشوّهها في هذه المرحلة الحرجة. ومن غير المفيد أن تفسّر تخفيضات أسعار الفائدة على أنها تنازل سياسي».
- رئيس الظل
يُذكر أن فترة ولاية جيروم باول رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تمتد حتى مايو 2026، وقد أبدى مراراً نيته إكمالها. وصرّح سابقاً أنه لن يغادر منصبه إذا طلب منه الرئيس ذلك، وأنه غير مُلزم قانونياً بالتنفيذ. ولكن، حتى لو لم يستطع ترامب إجباره على المغادرة، فقد تدرس الإدارة طرقاً أخرى لتقويض مصداقية الاحتياطي الفيدرالي. ومنها اقتراح وزير الخزانة الحالي سكوت بيسنت بإمكانية إنشاء «رئيس ظل للاحتياطي الفيدرالي»، والسماح له بالتأثير علناً على توقعات السوق من خلال توجيهاته. وهي استراتيجية قد تُقوّض نفوذ باول من خلال الإشارة إلى تحول مستقبلي في السياسة النقدية.
لقد حافظ باول ومسؤولو الاحتياطي الفيدرالي الآخرون حتى الآن على نهج «الانتظار والترقب» وعلى استقلالية المركزي تجاه تغييرات أسعار الفائدة، على الرغم من الضغوط السياسية. وبالفعل، يولي المستثمرون اهتماماً لبيانات التضخم وتوقعات الفيدرالي الاقتصادية بخصوص أسعار الفائدة أكثر من اهتمامهم بالضجيج السياسي.
والخلاصة أن على المركزي أن يتجاهل ترامب، وأن يُراقب ما يحدث لكل من السياسة والتضخم، وأن يرفع أو يخفّض أسعار الفائدة بحسب ما يراه مناسباً. لكن تجاهل ترامب ليس بالأمر السهل، خاصةً إذا استمرت الأسواق في التدهور. فسيطالب الأخير بـ«خيار باول»، على غرار «غرينسبان»، ولكن بغضب متزايد. فهل يستطيع رئيس المركزي الصمود؟

أخبار متعلقة :