كتب محمد الجمل:
ما زال سكان قطاع غزة يعيشون تحت وقع العدوان الإسرائيلي المُتصاعد، وما يرافقه من غارات، وقصف مدفعي على جميع أنحاء القطاع، وتهديدات متصاعدة بتوسيع رقعة العمليات البرية.
الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتداعياته، منها مشهد يُوثق تدمير الاحتلال عشرات الجرافات والمعدات الثقيلة في القطاع، ومشهد آخر يرصد توسع الدمار في رفح، ومشهد ثالث تحت عنوان: "حرب العصابات".
تدمير عشرات الجرافات
بدأت قوات الاحتلال بشن حملة تدمير واسعة وممنهجة، استهدفت عشرات الجرافات، والمُعدات الثقيلة، التابعة لجهات حكومية، وللبلديات، والشركات الخاصة.
فبشكل متزامن، شنت طائرات حربية إسرائيلية سلسلة من الغارات الجوية، استهدفت غالبية الجرافات التي توجد في جميع أنحاء قطاع غزة، باستخدام صواريخ خارقة ومُدمرة، أدت إلى إخراج جميع الآليات المُستهدفة عن الخدمة تماماً.
ومن بين الجرافات التي جرى تدميرها 5 جرافات مصرية من نوع CAT 950B و3 جرافات مصرية أخرى من نوع CAT 950E، وجرافة مصرية من نوع CAT972، وجرافة تابعة لبلدية غزة من نوع CAT 950 E، ودمرت الطائرات كذلك سيارة صهريج نقل مياه محلاة من نوع Iveco، وسيارة كاسحة للمجاري من نوع Volvo، وسيارة صهريج نقل سولار، وتراكتور جمع نفايات، وسيارة ضاغطة للمجاري.
والجرافات التي جرى تدميرها تابعة للجنة المصرية لإعادة إعمار غزة، وجزء منها جرى إدخاله ضمن تفاهمات التهدئة الأخيرة.
وإضافة إلى ما سبق دمرت الطائرات جرافات مدنية تابعة لشركات خاصة، في محافظات جنوب ووسط وشمال قطاع غزة، من بينها 4 جرافات كانت تقف في أحد الشوارع شمال مدينة خان يونس، وأخرى في شارع وسط خان يونس.
ووفق بلدية جباليا، شمال قطاع غزة، فإن طائرات الاحتلال قصفت "كراج" البلدية ودمرت 9 جرافات مصرية، وجرافة محلية، وسيارة صهريج نقل مياه، وأخرى للسولار وكاسحة للمجاري، وتراكتور جمع نفايات وسيارة ضاغطة للمجاري.
وأكدت مصادر محلية وشهود عيان، أن صواريخ الطائرات كانت تستهدف محركات الجرافات بشكل مباشر، ما يتسبب بإعطابها وتدميرها، واشتعال النيران فيها، وبعض الغارات تسببت بوقوع إصابات من المارة، أو ممن يقطنون في منازل قريبة من أماكن توقف الجرافات.
وغالبية الجرافات التي تم استهدافها، سواء التابعة للبلديات أو لجهات حكومية، أو حتى للقطاع الخاص، يتم استخدامها في عمليات الإنقاذ، حيث تتم الاستعانة بها لرفع الركام، والوصول إلى العالقين تحت الأنقاض.
وأشارت مصادر حقوقية ومحلية إلى أن الاحتلال يسعى إلى تدمير كل مقومات الإنقاذ وسبل الحياة في قطاع غزة، في إطار جريمة الإبادة الجماعية، ومحاولة تهجير المواطنين من القطاع.
وذكرت المصادر أن تدمير الجرافات يعني استحالة تنفيذ عمليات إنقاذ ناجحة للعالقين تحت الركام، وبالتالي حكم بإعدامهم.
وأكد مواطنون أن تدمير الجرافات يأتي في سياق حرب الإبادة الشاملة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، والتي يسعى من خلالها إلى تدمير كل أشكال الحياة، وزيادة عدد الضحايا.
الدمار يتوسع في رفح
شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً كبيراً في حجم التدمير والتخريب داخل مدينة رفح، جنوب القطاع، التي تخضع لاحتلال إسرائيلي شامل.
ووفق مصادر محلية، فإن التدمير داخل رفح يتركز في الوقت الحالي في المناطق الشمالية، خاصة على طول ما يسمى "محور موراج"، وكذلك في بلدتي خربة العدس، ومصبح، وحي الزهور، ومناطق أخرى شمال وشرق المدينة.
ومؤخراً، دفع الاحتلال بقوات كبيرة إلى داخل المدينة التي أخلاها من سكانها، منها جرافات، وقوات هندسية مُتخصصة بالنسف والتدمير.
ويومياً يُنفذ الاحتلال بين 5 و8 عمليات نسف وتدمير داخل رفح، عبر زرع متفجرات في منازل، أو من خلال تفجير "روبوتات" مُفخخة يتم إرسالها إلى المناطق التي توجد فيها منازل ما زالت قائمة ولم تُدمر.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية الجديدة دماراً كبيراً وغير مسبوق طال رفح، إذا ما تمت مقارنة نفس الصور مع مثيلاتها التي جرى التقاطها في شهر آذار الماضي.
كما نشر جنود الاحتلال صوراً ومقاطع فيديو من داخل مناطق خاضعة للاحتلال حالياً، أظهرت حجم الدمار الهائل في رفح، والذي يزيد يوماً بعد يوم.
ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصادر أمنية، أن الجيش يعتزم تحويل مدينة رفح والأحياء المحيطة بها في قطاع غزة إلى جزء من المنطقة العازلة، ولن يسمح للسكان بالعودة إليها.
وأوضحت الصحيفة أن الجيش يدرس هدم كافة المباني الواقعة في نطاق منطقة رفح.
وقال محللون وخبراء استراتيجيون إن سيطرة الاحتلال على مدينة رفح، ستعني التدمير الكامل، وستعني أنه "لا وجود لفلسطيني هناك".
من جهته، أكد رئيس بلدية رفح، أحمد الصوفي، أن هجمات الاحتلال تُعد "جرائم ممنهجة" استهدفت السكان وكافة مقومات الحياة في المدينة.
ولفت إلى أن الاحتلال دمّر 90% من رفح خلال الاجتياح الأول مطلع أيار 2024، ما ألحق أضراراً جسيمة بالمباني السكنية، والبنية التحتية، والمرافق العامة والخدماتية والصحية، ويجري الآن استكمال تدمير المدينة.
ولم يستبعد محللون أن تكون لعملية رفح أهداف أخرى غير مُعلنة، منها رغبة الاحتلال في تسوية رفح بالأرض، توطئة لتحويلها إلى "غيتو"، أي معسكراً كبيراً يستقبل مئات الآلاف من النازحين من مناطق مختلفة في القطاع، التي ستشهد توسيعاً متتابعاً للعملية البرية، وذلك كوسيلة للسيطرة على السكان، أو في سياق مخطط التهجير، عبر تجميع أعداد كبيرة عند حدود مصر، والتسبب بحالة من الفوضى وعدم السيطرة تقود إلى تدفق عدد كبير من الغزيين باتجاه الأراضي المصرية.
حرب عصابات
عادت في الأيام الماضية المواجهات المُسلحة بين المقاومة وقوات الاحتلال التي توجد في الكثير من المناطق داخل قطاع غزة، للواجهة من جديد، بعد تراجعها على نحو لافت منذ تجدد العدوان قبل أكثر من شهر.
وشهد بعض المناطق مواجهات مُسلحة، خاصة شرق رفح، وجنوب محافظة خان يونس، وشرق مدينة غزة، ومناطق في شمال القطاع.
ووفق بلاغات وبيانات صدرت عن فصائل المقاومة، فإن مقاتلين شنوا هجمات مباغتة على قوات الاحتلال، ونصبوا كمائن، باستخدام قذائف مضادة للدروع، وتفجير عبوات ناسفة، حيث جرى نشر تفاصيل بعض الكمائن التي نفذتها المقاومة، خاصة شرق مدينة غزة، وشمال القطاع.
وبات واضحاً أن المقاومة عادت لاستخدام أسلوب حرب العصابات، من خلال شن هجمات مُفاجئة ومُباغتة، من خلال خروج المقاومين من فتحات أنفاق، كما أظهرت آخر مقاطع فيديو بثتها "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، مؤخراً.
ووفق محللين وخبراء عسكريين، فإن المقاومة غيّرت من تكتيكاتها منذ تجدد العدوان، وباتت تعتمد على شن هجمات مباغتة ومفاجئة، وأغلب هذه الهجمات تتم من خلال تفجير عبوات ناسفة، يبدو أنه تم تصنيعها من بقايا صواريخ وقنابل إسرائيلية جرى إطلاقها على قطاع غزة ولم تنفجر.
وأشار محللون إلى أن المقاومة في غزة تعتمد حالياً على أسلوب مستحدث في القتال من خلال أعداد قليلة من المقاتلين لتنفيذ عمليات نوعية توقع خسائر في صفوف قوات الاحتلال.
وأوضح أكثر من مُحلل أن إطلاق القذائف الصاروخية من مواقع قريبة من آليات جيش الاحتلال شمال القطاع يعكس تحدياً كبيراً، ويؤكد أن جيش الاحتلال "غير قادر على السيطرة العملياتية"، رغم التدمير الذي يستهدف الأنفاق والبنية التحتية للمقاومة.
وكان جيش الاحتلال أعلن، مساء السبت، عن مقتل جندي وإصابة عدد آخر، بينهم اثنان بجروح حرجة، جراء كمين تعرضت له القوة شمال قطاع غزة.
أخبار متعلقة :