الاعتماد على منصات ذكاء اصطناعي أجنبية مفتوحة يضعنا أمام معادلة خطيرة: بياناتنا ومحتوياتنا الوطنية تُدار من خارج حدودنا، وتخضع لقوانين ومعايير لا نشارك في صياغتها، ولا نعرف على وجه اليقين كيف تُخزّن أو تُستخدم لاحقاً. الأسوأ من ذلك أن هذه النماذج، مهما بلغت قوتها التقنية، لا تفهم السياق السعودي بكل تفاصيله: لا في اللغة، ولا في الثقافة، ولا في الأنظمة، ما قد ينتج عنه مخرجات غير دقيقة أو غير ملائمة.
على المدى البعيد، استمرار هذا الوضع يعني أننا نُعمّق تبعيتنا التقنية، ونسمح بتسرّب المعرفة الوطنية إلى خارج بيئتها، ونخاطر بأن تُبنى صورة عن المملكة بمدخلات لا نتحكم فيها. كل هذا يضعف سيادتنا الرقمية، ويؤثر على موقعنا في الاقتصاد العالمي الذي ستحكمه، خلال سنوات قليلة، خوارزميات يفهمها ويملكها من صنعها.
في المقابل، فإن امتلاك نموذج ذكاء اصطناعي بلسان سعودي، يخضع لحوكمة وتنظيم وطني، يفتح أمام المملكة آفاقاً إستراتيجية لا تقدر بثمن:
• في الأمن الوطني، تظل المعلومات داخل حدودنا، محمية بمعاييرنا.
• في التعليم، تقدّم منصات تفاعلية تعرف لغة الطالب السعودي، وفهمه، وسياقه الثقافي.
• في التجارة والأعمال، تمنح المستثمرين أدوات تحليل سوقية دقيقة تستند إلى بيانات محلية حقيقية.
• في الإعلام والثقافة، تضمن أن المحتوى يعكس صورتنا وقيمنا، لا صورة من يرانا من بعيد.
• في البحث العلمي، توفر بيئة ذكية تدعم الباحث المحلي بمصادر موثوقة دون اختلاطها ببيانات لا نعرف أصولها.
المملكة تملك اليوم كل مقوّمات هذه الخطوة: بنية تحتية رقمية متقدمة، مراكز بيانات حديثة، كوادر تقنية مبدعة، ورؤية وطنية تجعل من الأمن السيبراني والتحّول الرقمي مرتكزين أساسيين. لكن الفارق بين أن نمتلك زمام المبادرة أو نبقى مستخدمين لتقنية غيرنا، هو قرار سياسي وتقني يبدأ اليوم... لا غداً.
المقترحات العملية:
1- إطلاق برنامج وطني لتطوير GPT سعودي:
• يعتمد على بيانات محلية وخليجية وعربية مختارة بعناية، مع دمج مصادر عالمية موثوقة، ويخضع لإشراف جهة وطنية لضمان الجودة والأمان.
2- إنشاء مكتبة بيانات سعودية معيارية:
• تضم الأنظمة، اللوائح، الإحصاءات، الدراسات، والمحتوى الثقافي المحلي، لتدريب النموذج على فهم السياق الوطني.
3- وضع بروتوكولات استخدام للجهات الحكومية والخاصة:
• تحدد الضوابط متى وكيف يستخدم الذكاء الاصطناعي، وتمنع إدخال أي بيانات مصنّفة أو حسّاسة في منصات أجنبية.
4- إقامة شراكات محلية ودولية بشروط السيادة:
• التعاون مع شركات عالمية في جوانب تقنية محددة، مع ضمان ملكية المملكة للبنية والبيانات.
5- توطين القدرات التقنية:
• تنفيذ برامج تدريبية متقدّمة لإعداد مهندسي بيانات وخبراء ذكاء اصطناعي محليين قادرين على تطوير وصيانة النموذج.
إن بناء ذكاء اصطناعي بلسان سعودي ليس خياراً من ضمن قائمة الكماليات، بل هو ركيزة أساسية لسيادتنا الرقمية وحضورنا العالمي. وفي سباق الأمم، من يتأخر اليوم، قد يخسر فرصة القيادة في الغد القريب.
أخبار ذات صلة
أخبار متعلقة :