إعداد: أحمد البشير
تشهد سوق العملات المشفرة حالة من الزخم اللافت، حيث اقتربت عملة الإيثريوم، ثاني أكبر عملة رقمية في العالم من حيث القيمة السوقية، من كسر أعلى مستوى سعري لها على الإطلاق. وجرى تداول العملة المشفرة، الخميس، عند مستوى 4,750 دولاراً، أي بفارق 3% فقط عن قمتها التاريخية البالغة 4,865 دولاراً المسجلة في نوفمبر 2021. وهذه القفزة تأتي بعد شهر استثنائي ارتفعت فيه العملة بنسبة 60%، مسجلة أعلى مستوى لها في أربع سنوات عند 4,770 دولاراً، وبأداء فاق البيتكوين التي صعدت بنسبة 2.3% فقط خلال ال 24 ساعة الأخيرة.
يعكس التفوق الملحوظ للإيثريوم على البيتكوين في الأداء السعري موجة شراء قوية يقودها مزيج من المستثمرين الأفراد والمؤسسات، فكسر حاجز 4,000 دولار الأسبوع الماضي فتح الباب أمام ما يسميه المحللون «مرحلة اكتشاف الأسعار»، وهي المرحلة التي تتحرك فيها الأسعار إلى مستويات جديدة غير مسبوقة، من دون وجود مقاومات تاريخية تذكر. ووفق أدوات التحليل الفني، خصوصاً امتدادات «فيبوناتشي»، فإن الأهداف القادمة قد تبدأ بالمستوى النفسي 5,000 دولار، وصولاً إلى 7,500 دولار على المدى المتوسط.
عملة الإيثريوم (Ethereum) هي شبكة بلوك تشين مفتوحة المصدر، وعملتها الرقمية تُسمّى إيثر (ETH). تم إطلاقها عام 2015 على يد المبرمج فيتاليك بوتيرين وآخرين، بهدف أن تكون أكثر من مجرد نظام دفع مثل بيتكوين، بل منصة لبناء وتشغيل تطبيقات لامركزية (dApps) عبر العقود الذكية (Smart Contracts).
أهم ميزاتها
العقود الذكية: برامج تُنفّذ تلقائياً عندما تتحقق شروطها، بدون حاجة لوسيط.
التطبيقات اللامركزية: مثل منصات التمويل اللامركزي (DeFi)، وأسواق الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs).
التطوير المستمر: الشبكة انتقلت في 2022 من آلية التعدين (Proof of Work) إلى آلية إثبات الحصة (Proof of Stake) لتقليل استهلاك الطاقة.
الاستخدامات الشائعة للإيثر: دفع رسوم المعاملات على شبكة الإيثريوم (Gas Fees). والاستثمار والتداول. والمشاركة في بروتوكولات التمويل اللامركزي.
الإيثريوم هو أشبه ب«حاسوب عالمي» يعمل بلا توقف ويتيح لأي شخص بناء خدمات مالية وتطبيقات مبتكرة بدون سلطة مركزية.
رحلة سعر العملة
الإيثريوم بدأ عام 2015 بسعر لا يتجاوز بضعة دولارات (حوالي 0.5–3)، وارتفع تدريجياً حتى انفجر في 2017 مع طفرة العملات المشفرة ليصل قرابة 882 دولاراً، قبل أن يتراجع في 2018 إلى نحو 133 دولاراً. بين 2019 و2020 تراوح السعر بين 100 و600 دولار، ثم جاء عام 2021 ليسجّل الإيثريوم ذروته التاريخية عند نحو 4,800 دولار في نوفمبر، مدفوعاً بانتشار التمويل اللامركزي وازدهار أسواق الNFT.
بعد التصحيح الكبير في 2022، عاد السعر للارتفاع تدريجياً، ومع دخول 2025 يتداول حالياً بين 4,600 و4,700 دولار، مدعوماً بتبني مؤسسي متزايد، وتطورات تقنية مثل الانتقال لإثبات الحصة (The Merge) وتقليل استهلاك الطاقة، إضافة لتحديثات مرتقبة قد تدفعه لقمم جديدة.
أكبر رهان اقتصادي للعقد المقبل
وصف المحلل المالي توماس لي، الشريك المؤسس لشركة «فاندسترات كابيتال»، الإيثريوم بأنها «أكبر رهان اقتصادي للعشرة إلى الخمسة عشر عاماً القادمة»، مشيراً إلى أن مزيج الذكاء الاصطناعي مع تقنية البلوكشين سيخلق اقتصاداً رقمياً ضخماً، وأن المؤسسات المالية الكبرى في «وول ستريت» بدأت بالفعل في تسريع تبنيها لهذه التقنية.
أما شون فاريل، رئيس قسم أبحاث الأصول الرقمية في الشركة ذاتها، فقد وضع أهدافاً طموحة بسعر يتراوح بين 12 ألفاً و15 ألف دولار بنهاية عام 2025، وهو ما يعادل نمواً بنسبة تصل إلى 200% من المستويات الحالية. كما أكد أن بلوغ 10 آلاف دولار في الدورة الحالية للسوق أمر مرجح للغاية نظراً لعوامل العرض والطلب.
هيمنة سوقية ودعم مؤسسي ضخم
ما يعزز هذه التوقعات هو الهيمنة السوقية للإيثريوم، إذ تسيطر الشبكة على 55% من سوق ترميز الأصول الحقيقية (RWA) البالغ حجمه 25 مليار دولار، إضافة إلى نفس النسبة من سوق العملات المستقرة، بحسب بيانات منصة «RWA.xyz».
وعلى صعيد المؤسسات، لعبت شركة «بتماين تكنولوجيز» دوراً بارزاً في سحب المعروض من السوق، حيث قامت منذ يوليو الماضي بجمع 1.2 مليون عملة إيثريوم، تقدر قيمتها اليوم بنحو 5.5 مليار دولار. وهذه الخطوة، مدعومة بتدفقات قياسية إلى صناديق الاستثمار المتداولة، ساهمت في زيادة الطلب الهيكلي طويل الأجل على العملة.
تحذيرات فنية وتصحيح صحي محتمل
ورغم العوامل الإيجابية العامة، يحذر بعض المحللين الفنيين من أن الإيثريوم قد دخلت منطقة تشبع شرائي، ما يعني احتمالية حدوث تصحيح سعري نحو مستوى 4 آلاف دولار على المدى القصير، وهو ما قد يكون مفيداً لتعزيز قوة الاتجاه الصاعد على المدى البعيد.
ظروف اقتصادية وتنظيمية مواتية
من الناحية الاقتصادية، ساعدت بيئة الأسواق العالمية الإيجابية على دعم الأصول الرقمية، فمؤشرا «إس أند بي 500» و«ناسداك» يقتربان من مستويات قياسية، مدعومين ببيانات تضخم منخفضة وتوقعات قوية بخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر المقبل، مع ترجيح احتمالية هذا الخفض بنسبة تتجاوز 90%.
كما أن التطورات التنظيمية تسير في اتجاه داعم، إذ يترقب السوق دخول قانون «GENIUS» لتنظيم العملات المستقرة حيّز التنفيذ، إلى جانب مبادرات من لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية مثل مشروع «Crypto Project» لتحديث أطر الرقابة المالية على الأصول الرقمية. وهذه الخطوات قد تمهد لموجة أوسع من تبني المؤسسات المالية الكبرى لتقنية البلوكشين.
أخبار متعلقة :