كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المُتواصل على قطاع غزة، ونقلت أبرز القصص التي تُوثق مآسي النازحين في ظل استمرار المجاعة، وتصاعد العدوان، واستهداف الخيام بشكل مباشر.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام" مشهد يوثق ابتكارات المواطنين في قطاع غزة لمواجهة الأزمة والمجاعة، ومشهد آخر يوثق تصاعد استهداف خيام النازحين باستخدام المدفعية، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على تدمير البيئة في قطاع غزة، بشقيها البرية والبحرية، بسبب العدوان.
ابتكارات لمواجهة الأزمة والمجاعة
دائماً ما يُقال: إن "الحاجة أُم الاختراع"، هذه المقولة تحققت واقعاً في قطاع غزة المحاصر، الذي يعيش سكانه أسوأ فصول مجاعة في تاريخهم الحديث، ترافقها أزمات طالت كافة مناحي الحياة، لا سيما الأساسيات.
لكن تلك الأزمات دفعت المواطنين لاختراع أشياء جديدة، بعضها لم يسبق أن فكّر به أحد، من أجل تسهيل أمورهم الحياتية.
ومن أبرز تلك الاختراعات كان "موقد النار الهوائي"، وهو فكرة بسيطة مُبتكرة تقوم على إشعال النار في علبة معدنية، مع تمرير تيار هواء متدفق من خلال أنبوب متصل بالعلبة، بحيث يصطدم الهواء في النار، ما ينتح عنه لهبٌ قوي، يتجه للأعلى، حيث يتم وضع إناء الطعام المعدني، أو قطعة معدن أعلى العلبة، يوضع عليها الخبز لإنضاجه.
وقال الشاب أشرف مصباح: إنه شاهد موقد النار المذكور، وشعر بأنه اختراع جدير بالاهتمام، وفوراً بحث عن مكوناته، وهي علبة معدنية، وأنبوب معدني يمكن صناعته من خلال معلبات فول فارغة متصلة ببعضها، حيث يتم إيصال الأنبوب بالعلبة من الأسفل، ووضع مروحة صغيرة من تلك التي تتواجد في صندوق جهاز الحاسوب، وتعمل على طاقة بطارية صغيرة.
وأشار إلى أنه جهّز الشكل الخارجي للموقد في وقت قصير، وجلب المروحة، وبدأ باستخدامه، مبيناً أن أهم ميزاته استهلاك كميات قليلة من الخشب والحطب، أو حتى قطع البلاستيك، ويُحدث لهباً مُركزاً، يشبه الموقد، ما يُساعد في إنضاج الطعام في فترة قياسية قصيرة، وبأقل الخسائر.
ولفت إلى أنه يقوم بشراء الخشب ويقطعه إلى قطع صغيرة، كما يجلب النايلون والبلاستيك ويبدأ بإشعال النار، ويضع الوقود المذكور قطعة وراء الأخرى، حتى ينضج الطعام، أو الخبز.
ومن الابتكارات الجديدة "خبز المعكرونة"، فبعد نفاد الطحين من قطاع غزة، لجأ نازحون إلى عجن المعكرونة بعد نقعها بالماء، ومن ثم إعداد الخبز منها.
وبينت المواطنة "أم إبراهيم" المصري، أنها سمعت بالموضوع، ولم تتقبله في بداية الأمر، لكن الحاجة بعد نفاد الطحين من خيمتها دفعتها للتجريب، وبالفعل صنعت الخبز من المعكرونة، التي تتوفر كمية منها في خيمتها، وكان الأمر جيداً، فالمعكرونة في الأصل مصنوعة من طحين القمح، وبعض المكونات الأخرى.
ورغم أن هذا الابتكار ساهم في حل مشكلة الكثير من العائلات، إلا أن كميات المعكرونة المتوفرة في السوق ولدى المواطنين محدودة، وستنفد عاجلاً أم آجلاً، في حال لم تفتح المعابر، وقد ارتفعت أسعارها على نحو كبير، إذ وصل ثمن الكيلوغرام الواحد منها إلى 40 شيكلاً، بعد أن كان 5 شواكل فقط.
المدفعية تستهدف الخيام
بات النازحون في مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، يواجهون صنوفاً من الموت والعذاب بشكل يومي، ويتعرضون لنيران الاحتلال وحصاره دون توقف.
وفوجئ عشرات الآلاف من النازحين، المقيمين في منطقة "المسلخ التركي"، ومخيمات "رحمة"، و"صمود"، و"الخير"، باستهداف خيامهم بشكل مباشر بقذائف المدفعية، وهذا يحدث لأول مرة منذ فترات طويلة، حيث الاستهداف المدفعي للخيام شمل المناطق التي كان الاحتلال أعلن أنها "إنسانية".
وقال المواطن أحمد الطويل، الذي يقطن في مخيم نازحين بمواصي خان يونس: إن ما حدث مؤخراً تصعيد خطير وغير مسبوق، ويضع حياة آلاف النازحين على المحك، رغم أن المخيمات كانت تتعرض باستمرار لقصف من مُسيّرات، إلا أنها كانت بعيدة عن الاستهداف المدفعي المباشر.
وذكر الطويل أنه ومنذ بدء العمليات البرية في رفح، وتقدم الدبابات باتجاه جنوب خان يونس، باتت خيام النازحين في الكثير من المناطق عُرضة لإطلاق النار، ومؤخراً باتت هذه الخيام هدفاً للقذائف، حيث سقط شهداء وجرحى جراء القصف اليومي.
وأوضح الطويل أن الكارثة تكمن في عدم وجود مكان يمكن للنازحين التوجه إليه، فمواصي خان يونس هي آخر مكان يمكن للنازحين التوجه إليه، وحتى لو قرر النازحون تغيير مكانهم داخل منطقة المواصي نفسها، فلا يوجد مُتسع يمكن التوجه إليه.
بينما قال المواطن رامي عودة: إن تعميق استهداف خيام النازحين، سواء بالطائرات أو المدفعية، يعكس أمرين خطيرين، الأول رغبة الاحتلال في استمرار الإبادة وتعميقها، وقتل أكبر عدد ممكن من المواطنين والنازحين، فقذائف المدفعية، خاصة المضادة للأفراد، تنشر شظايا على مساحة واسعة، وتقتل وتُصيب المواطنين بشكل جماعي، وهذا هدف إسرائيلي بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى من العدوان.
والأمر الثاني يتمثل في إرسال رسالة لجميع سكان قطاع غزة، بأنه لا يوجد مكان آمن يمكن أن يلجأ المدنيون إليه، لا خيام، ولا مراكز إيواء، ولا حتى مستشفيات، وكل قطاع غزة مباح أمام الطائرات والمدفعية والرصاص.
وأكد أن نتيجة ذلك كارثية على مستوى زيادة عدد الشهداء من جانب، وتفاقم الخوف والهلع، والشعور بعدم الأمان من جانب آخر.
ويحظر القانون الدولي الهجمات العشوائية التي تستهدف النازحين، ويعتبرها جرائم ترتقي للإبادة الجماعية، وهو ما يقوم به الاحتلال في الوقت الحالي.
العدوان يُدمّر الحياة البرّية
تعرضت مكونات الحياة البرية، من تنوع نباتي وحيواني على اليابسة وفي عرض بحر قطاع غزة للتدمير الواسع خلال فترة العدوان، جراء استخدام أنواع من المتفجرات والأسلحة، ما أدى إلى تدمير موائل الحيوانات البرية، وقتلها، وحرق كل أشكال الحياة النباتية، بما في ذلك الأشجار والشجيرات والأعشاب، التي منها ما هو متوطن في ظروف البيئة الساحلية وشبه الساحلية، ما يحول مستقبلاً دون قدرتها على التكاثر، أو إصابتها بطفرات جينية وتشوهات.
ووفق خبراء بيئيين، فإن العدوان الإسرائيلي المُستمر دمّر مكونات التنوع البيولوجي في قطاع غزة، من خلال التدمير الشامل للبيئة الطبيعية ومكونات التنوع البيولوجي، من تنوع نباتي وحيواني على اليابسة، وفي عرض البحر المحاذي للقطاع، وتدمير موائل الحيوانات البرية وتجريف الأراضي، وتلويث المياه والتربة والهواء، وتحويل الأراضي إلى جبال من النفايات.
وإلى جانب ذلك، أدى العدوان والقصف إلى حرق الأرض بكل تضاريسها، محولاً المكان إلى جبال تتكون من ملايين الأطنان من النفايات الإنشائية المختلطة بالنفايات الطبية والمنزلية، ومياه الصرف الصحي، ومياه الأمطار، ليصل جزء كبير منها إلى البحر مروراً بمحمية وادي غزة، التي اعتمدتها السلطة الوطنية الفلسطينية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، نظراً إلى أهميتها من منظور بيئي.
ووفق سلطة جودة البيئة، فقد أصبح ما بين 150 و200 نوع من الطيور المستوطنة والمهاجرة خاصة في منطقة وادي غزة، التي تستقبل الطيور المهاجرة، بجانب 20 نوعاً من الثدييات و25 نوعاً من الزواحف، مهددة بالانقراض بشكل كامل في غزة، مع استمرار العدوان الإسرائيلي.
كما أثر العدوان بشكل مباشر على البيئة البحرية، من خلال نفوق وفرار الأسماك، بحيث باتت مناطق الساحل شبه خالية من الكائنات البحرية، وهذا بدا واضحاً من خلال خروج شباك الصيادين التي يضعونها على الشاطئ، شبه خالية من الأسماك.
واشتكى مواطنون من غياب واضح للطيور من بيئات قطاع غزة، خاصة طائر الدوري المستوطن، واليمام، والبلابل، وطيور الهازجة بمختلف أنواعها، على حساب تزايد واضح في أعداد طائر المينا الدخيل، الذي بات يُشاهد بشكل واضح على مكبات النفايات العشوائية، التي أقيمت وسط مخيمات النازحين وعلى أطرافها، وفي قلب المناطق التي أخلاها سكانها، وسط شكوك بأنه يقتات على رفات الشهداء، أو الحشرات التي تتجمع حول الجثامين المُتحللة.
وأكد نازحون أن التلوث الكبير في البيئة التي يعيشونها، والعدوان المستمر على غزة، أدى إلى تغيّرات كارثية في النظام البيئي برمّته.
أخبار متعلقة :