نستكمل مقالتنا :
Disco Elysium
عالم ذهني مصور تتداخل فيه الأفكار والمشاعر مع الواقع

Disco Elysium لا تحتوي على قتال. لا توجد معارك زعماء ولا مشاهد أكشن ملحمية بل مجرد استكشاف وحوارات وعقل يتفكك تدريجيًا. مستوحاة من لوحات الزيت تبدو بيئة اللعبة كأنها قماش ملطخ ومتآكل. مدينة Revachol نفسها تشعر وكأنها مدينة منهارة أيديولوجيًا ومدفونة جزئيًا تحت صدمات نفسية ماضية ويعكس الفن هذا الانهيار في كل زاوية.
الشخصيات تبدو وكأنها تآكلت بفعل العالم الذي تعيش فيه بأسلوب فني غير مثالي ومشوه ومصاغ من الفساد السياسي المحيط بها. الحوارات والخيارات لا تؤثر فقط على النتائج بل تتسرب إلى البيئة نفسها حيث تتشوه عناصر الواجهة وتبدو بعض المواقع وكأنها تلتوي تحت ضغط النفسية المتداعية للشخصية. من أكثر اللحظات التي لا تُنسى هو الحوار المتخيل مع Dolores Dei شخصية طيفية مقدسة ترتبط بشكل عميق بماضي الشخصية حيث تظهر غارقة في ضوء شاحب وهيئة ضبابية تطفو في المشهد الذي يغمره دفء الألوان الهادئة مصحوبًا بموسيقى حزينة. إنها لحظة جميلة ومؤلمة في آن واحد وهو الوصف الذي ينطبق على معظم أجزاء اللعبة.
موسيقى اللعبة تكمل المشاهد البصرية بشكل مثالي أوتار حزينة ونغمات مترددة وموسيقى الديسكو الحاضرة دائمًا. معًا تشكل الموسيقى والمشاهد مساحة تشبه الحلم حيث لا تُشعَر العواطف فقط بل تُرسم بضربات الفرشاة وتصبح جزءًا أساسيًا من تجربة اللعب.
Ghost Of Tsushima
فيلم Kurosawa قابل للعب بلمسة فنية رفيعة
Ghost of Tsushima تقدم للاعبين تجربة أشبه بفيلم ساموراي من إخراج Kurosawa. كل مشهد يبدو وكأنه مأخوذ من شاشة السينما حيث تنبض مناظر Ghost of Tsushima بالحياة عبر الحقول التي تعبث بها الرياح والحركة المستمرة بينما تضيف البحيرات الضبابية والجبال البعيدة والغابات الذهبية لحظات تأمل سينمائية. تستخدم اللعبة لوحة ألوان زاهية حيث تتفتح أزهار الكرز بدرجات وردية زاهية وتتألق الليالي بلون النيلي الغامق بينما تغمر أشعة الشروق والغروب العالم بأكمله بإضاءة دافئة. تقدم اللعبة إحساسًا عميقًا بأن اللاعب جزء صغير من شيء أكبر بكثير وهو ما يعكس الإلهام المأخوذ من Shadow of the Colossus.
التوجه الفني في اللعبة متصل مباشرة بأسلوب اللعب. الرياح تعمل كمرشد للاعب تقوده نحو المهام التالية ونقاط الخريطة. الثعالب ترشد اللاعب إلى الأسرار بينما تقوده الطيور إلى نقاط الاهتمام. وتزداد وتيرة العواصف كلما تقدم Jin في تبني هوية الـGhost وذلك نتيجة قراراته. ثم هناك وضع Kurosawa الذي يغيّر النغمة كليًا حيث يتحول العالم كله إلى صورة بالأبيض والأسود عالية التباين. يظهر التركيب السينمائي والزوايا الفنية بشكل أوضح عندما تُنتزع الألوان الزاهية. يعيش اللاعب من خلال هذا الوضع تحية مباشرة لأفلام الساموراي من خمسينيات وستينيات القرن العشرين.
Red Dead Redemption 2
واقعية غامرة ترفع من مستوى السرد عبر النغمة
قلة من الألعاب تضاهي Red Dead Redemption 2 من حيث التوجه الفني. عالمها مصمم بدقة فائقة، من الضباب المتصاعد من الجبال البعيدة، إلى شروق الشمس الذهبي الذي يغمر السهول الهادئة، إلى الليالي التي تقضيها تحت السماء المفتوحة حيث تشعر بسكون حقيقي. هذا العالم لم يُخلق ليُستعرض بسرعة، بل ليُستكشف بروية. التوجه البصري لا يعتمد على مؤثرات براقة، بل يُبنى على نغمة مدروسة، حيث يُنسّق كل عنصر ضوئي وظل ومشهد ليخدم الوزن العاطفي للسرد. من مشهد ظل الغزال في ضوء الغروب الأخير، إلى اختفاء وهج المصباح وسط ضباب المستنقعات، يُطلب من اللاعبين التمهل والانغماس في التفاصيل.
من أبرز الأمثلة المهمة التي تُظهر ذلك، مهمة Blood Feuds, Ancient and Modern، حيث تتصاعد الموسيقى أثناء اقتحام العصابة لقصر Braithwaite ليلًا، ويخلق وهج النيران البرتقالي ظلالًا ممتدة عبر العتمة، فوق الأعمدة المنهارة والأسوار المدمرة. هذه اللحظة توضح كيف تدمج اللعبة بين اللحظات السردية الثقيلة والجانب البصري. وينسحب هذا على الشخصيات أيضًا، إذ تتغير طريقة تفاعلهم مع Arthur تبعًا لأفعاله. لا شيء في هذا العالم يبقى ساكنًا، كل شيء يتحرك ويستجيب بدقة وتأنٍ. Red Dead Redemption 2 تطلب من اللاعب أن يبطئ، أن يتفاعل مع عالمها، وأن يفتح المجال للسرد ليتغلغل في أعماقه. هذه هي الواقعية المقصودة، النغمة التي تحمل جوهر اللعبة، والسرد المرئي بأرقى أشكاله.

لاعب متمرس، أعشق ألعاب القصة، ولا أجد حرجًا في قول أنني أحب ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول أيضًا.
0 تعليق