يعتبر الإيمان رحلة روحية متقلبة في حياة المؤمن، تشهد مراحل من القوة والضعف، والإقبال والإدبار. كما يواجه المسلم اليوم تحديات عصرية معقدة تؤثر على استقرار إيمانه وثباته على طريق الطاعة.
هذه الطبيعة المتغيرة للإيمان ليست عيباً في الإنسان، بل سنة كونية أقرها الشرع الحنيف وبينها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وهذا التقلب الذي استعرضته حلقة (2025/6/9) من برنامج "حكم وحكمة" -للداعية الشيخ عمر عبد الكافي- يمثل واقعاً يعيشه كثير من مسلمي اليوم، حيث ينشطون مع الله أيام العافية، ويفترون أيام المحن، وكأنهم "يعبدون الله على حرف".
وفي أطار تقلب بعض النفوس البشرية في رحلة الإيمان، تبدأ خطوات أصحاب هذه النفوس بالابتعاد عن ربها، ثم تتثاقل عن العبادة حتى تفتقدها المساجد، وتشتاق لتسبيحاتها لسانها الذاكر، دون أن تكفر بربها أو تترك دينها، وإنما باتت تجمع الصلوات في البيت ثم تهجر النوافل تماماً.
واستضاف البرنامج الدكتور عبد الحي يوسف لتأصيل هذا الموضوع شرعاً، حيث أوضح الشيخ عبد الكافي الفرق الجوهري بين الإسلام والإيمان انطلاقاً من الحديث الشريف عن جبريل عليه السلام.
فالإسلام يتمثل في "الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" بينما "الإيمان: بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره".
وأكد البرنامج أن الإسلام يسبق الإيمان، مستشهداً بقوله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخلِ الإيمان في قلوبكم".
إعلان
فالإيمان مرحلة تأتي بعد ترسيخ أسس الإسلام، وهو مرحلة "الثقة واليقين والتوكل والإخبات والإذعان لله".
وتناول الداعيان طبيعة تقلبات الإيمان من منظور شرعي، مؤكدين أن "الإيمان يزيد وينقص" كما جاء في حديث حنظلة بن الربيع مع أبي بكر رضي الله عنهما.
فقد شكا حنظلة قائلاً "نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنشعر أننا في السماء، ثم نعود فتشغلنا البيوت والزوجات والأولاد والضيعات" فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "ساعة وساعة".
وأوضح الشيخ عبد الكافي أن القلب له حالتان أساسيتان: حالة إقبال على العبادة وحالة إدبار.
ففي حالة الإقبال يجد أن قلبه يهفو للمسجد، يصلي الصبح ويرجع يقول يا رب إن شاء الله سأحضر لصلاة الظهر. وفي حالة الإدبار، يسأل الفرد نفسه في وقت صلاة العشاء ويقول "أروح المسجد؟ أم أصليها في البيت؟ أو أصليها قبل الفجر؟".
تحديات العصر
وأوضح الدكتور عبد الكافي أن المؤمن في حالة الإدبار عليه أن يكتفي بالفريضة، لأن القلب قد يسأم وقد يتكاسل، مشدداً على أن الحد الأدنى الذي لا يجوز تجاوزه هو ألا يؤخر الصلاة عن وقتها وألا يهجر المصحف لفترات طويلة.
وقد سلط البرنامج الضوء على التحديات العصرية التي تواجه المؤمنين اليوم، والتي وصفها الشيخ بأنها "ضغوط ومعوقات ما، لا يعلمها إلا الله".
وأهم هذه التحديات -حسب الشيخ- تتمثل في غياب القدوة الحقيقية، حيث لا يريد الأبناء أن يروا أباً ينهى أولاده عن التدخين وهو مدخن، مؤكداً أن أبناءنا ليسوا سمعيين، بل هم بصريون يريدون أن يروا سلوكاً.
كما تناول تأثير وسائل التواصل السلبي، حيث إن الإنسان لو أحصى الوقت الذي يمكث مع محموله (تلفونه) أو الآيباد، فإنه سيحزن على ضياع عمره، مذكراً بأن "الإنسان سوف يُسأل عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه".
وأضاف الدكتور عبد الحي بعداً تاريخياً للموضوع، مستشهداً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم "يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر، للعامل منهم يومئذ أجر خمسين منكم".
إعلان
وأوضح أن كثيرا من الأمور في زماننا الحالي تصرف الناس عن طاعة الله عز وجل، واستدرك قائلا "لكن الذي يصلي في زماننا والذي يصوم والذي يؤدي زكاة ماله، هذا أجره عند الله عظيم".
وقدم البرنامج وصفة عملية لمن يشعر بضعف الإيمان، تبدأ بـ"الإكثار من الاستغفار" وتجديد الإيمان بحضور مجلس العلم، ثم الالتزام بنصف ساعة يومياً للاستماع للقرآن أو القراءة في المصحف، مشددا على أهمية إخراج الصدقة وأداء العمل الخالص لوجه الله تعالى.
الصادق البديري
10/6/2025
0 تعليق