في منتصف العام الماضي، فجرت مسألة التعديلات الدستورية أزمة سياسية في الصومال بسبب الطريقة التي طرح بها الرئيس حسن شيخ محمود التعديلات ومضمون بعضها، مما أثار جملة من التساؤلات والتباينات إزاءها، وتوالت بعدها أزمات أخرى تتصل بالمشهد الكلي للبلاد.
وبلغت هذه الأزمة ذروتها مؤخرا مع إعلان الرئيس مبادرة تأسيس حزب سياسي جديد، الأمر الذي أثار تساؤلات حول مغزى تلك التحركات، ودلالات الأزمات المتشابكة، والمسارات المحتملة لتطورها.

تعديلات أثارت عواصف
شكل شعار حسن شيخ محمود في انتخابات عام 2022 "صومال متصالح مع نفسه ومتصالح مع العالم" الطريق الذي مهد وصوله إلى الرئاسة مرة أخرى، في سابقة لم تحدث في التاريخ الصومالي.
ولعل أجندته في توطيد الأمن وإصلاح الجهاز القضائي وتكريس الفدرالية وإنعاش الاقتصاد واتباع سياسة خارجية مستقرة، مع التوازنات العشائرية والثقل القبلي، إضافة إلى المسألة الجوهرية في الصومال وهي استكمال المصالحة الداخلية، ققد لعبت دورا في منح الرئيس حسن شيخ فرصة أخرى في الوصول إلى قصر فيلا صوماليا في مقديشو، وفقاً لعدد من المصادر الصومالية.
ورغم استمرار الجدل فيما إذا كان الأولوية لتعديلات أم لاستكمال الدستور الانتقالي المقر عام 2012، مضى الرئيس وحكومته قدما في تمرير التعديلات عبر غرفتي البرلمان، مركزين على فلسفة "التعديل" بدل "الاستكمال"، لتفادي العودة إلى توافقات قد لا تدعم رؤيتهم للمرحلة المقبلة.
وقد وافق على التعديلات التي طرحها الرئيس 254 من أصل 275 عضوا بمجلس الشعب، و42 من أصل 54 عضوا بمجلس الشيوخ، وهي بلا شك أغلبية مريحة حيث يتطلب نصاب ثلثي الأعضاء لإجازة وتمرير التعديلات.
في المقابل، رفضت المعارضة على لسان زعيمها الرئيس الأسبق شيخ شريف شيخ أحمد التعديلات، وقال في مؤتمر صحفي إن ما يجري ليس استكمالا للدستور بل تغيير للدستور الحالي، فكثير من المواد مجلوبة من الخارج، وإن السلوك الذي تنتهجه الحكومة في تمرير مثل هذا الدستور خطأ.
إعلان
وأضاف شريف إن تغيير الدستور لا يمكن أن يأتي إلا من خلال التشاور وأن يوافق الشعب الصومالي على ذلك بشكل كامل بالاستفتاء.

حقل ألغام الفصل الرابع
يرى معارضون أن التعديلات التي جاءت في الفصل الرابع -الذي يتكون من 14 مادة جديدة- شكلت حقل ألغام سياسيا يصعب العبور عليه دون استخدام وسائل تمكن من نزع الفتيل، إذ إنها تنسف البنود التي بني عليها الدستور الانتقالي 2012.
وهذه التعديلات تركزت حول نقاط جوهرية أبرزها:
اعتماد نظام الاقتراع المباشر بدلا عن معادلة 4.5: كانت فكرة "الصوت الواحد لكل مواطن" قد طرحت في خواتيم فترة الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، ولكنها أثارت زوبعة سياسية وخلافات عميقة ومواجهات عسكرية في العاصمة مقديشو مما اضطره للتراجع عنها، واليوم يعود الرئيس حسن شيخ ليطرحها مجددا دون معالجة الإشكاليات البنيوية التي حالت دون تنفيذها سابقا. تحديد عدد الأحزاب: رغم وجود نحو 80 حزبا مسجلا في الصومال -وإن كانت معظمها قائمة على أسس عشائرية- اقترح الرئيس حصر العمل السياسي في حزبين أو 3. تعديل تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات والحدود: حيث رفع عدد أعضائها من 15 إلى 18، مع نقل صلاحية اختيار الرئيس ونائبه لأعضاء اللجنة بدلا من تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية. تغيير طريقة انتخاب الرئيس وفترة ولايته: نصت التعديلات على تمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 5 سنوات، وتوسيع صلاحيات الرئيس في تعيين وعزل الوزراء. كما طُرح إلغاء منصب رئيس الوزراء ثم تراجعت الرئاسة عن هذا المقترح، مقابل سحب حق البرلمان في عزل الوزراء.
مواقف المعارضة
تباينت آراء الصوماليين إزاء النهج الذي اتبعه الرئيس في التعامل مع مسألة الدستور، بين من يرى في ذلك استكمالا للإصلاحات ومن يصفه بتعديل يفتقر إلى التوافق الضروري.
ويرى العديد من الصوماليين أن الأسلوب الذي لجأ إليه الرئيس في تمرير التعديلات لم يحالفه فيه الصواب ويعتبر قفزا على قاعدة التوافق.
ووفقا لمحللين، فإن الدستور الانتقالي مبني على التوافق، وأي تعديل يجب أن يكون عبر التوافق والتفاهمات التي درج عليها الصوماليون منذ مؤتمر عرتا في جيبوتي عام 2000، كما أن المطلوب هو استكمال الدستور وليس تعديله، وهو ما يتطلب بالأساس توافقا وتفاهما كما جرت العادة.
أما المعارضة فتذهب إلى أبعد من ذلك في انتقاداتها، وتتهم الرئيس حسن شيخ محمود بالسعي لترسيخ نظام رئاسي من دون توافق واسع، وفرض رؤى شخصية على حساب الوحدة الوطنية.
وتتمثل أبرز مخاوف المعارضة في النقاط التالية:
تهديد خارطة المصالحة الصومالية، وقاعدة التوافقات التي أسس عليها الدستور ومخاوف من تقويض سلطة البرلمان. الخشية من التدخلات في مهام اللجنة الوطنية للانتخابات، كما يحدث عادة في الدول الأفريقية خاصة في ظل عدم وجود محكمة دستورية في الصومال يمكنها البت في الخلافات. اعتبار توقيت الإصلاحات غير ملائم، لا سيما في ظل الحاجة إلى مراحل انتقالية تدريجية لضمان تحول ديمقراطي مستدام. تخوف بعض الولايات من أن التعديلات تمثل تراجعا عن النظام الفدرالي الذي تشكل بعد سنوات من الحرب.وقد انعكس هذا الجدل في رفض ولايتي بونتلاند وجوبالاند المشاركة في العملية البرلمانية، وتمسكهما بعدم الاعتراف بأي تعديلات خارج إطار دستور 2012، إلى جانب مطالبة المعارضة بإجراء استفتاء عام حول أي تغيير دستوري.

إعادة هندسة المشهد
في منتصف مايو/أيار الماضي، ألقى الرئيس حسن شيخ محمود حجرا جديدا في المشهد الصومالي المعقد بالإعلان عن تأسيس "حزب العدالة والتضامن"، ليزيد فصلا جديدا في الأزمات التي تمسك بعضها بتلابيب بعض.
إعلان
جاء تأسيس الحزب كامتداد لمشروع الرئيس في تعديل الدستور وفق رؤيته، وقد ضم الحزب قيادات من الحكومة الفدرالية وولايات إقليمية، باستثناء المناطق المعارضة التي ترى في هذه التغييرات مساسا بالنظام الفدرالي المتوافق عليه.
وانتُخب حسن شيخ محمود رئيسا للحزب ومرشحا لانتخابات 2026، بينما يسوق الحزب لنفسه باعتباره خطوة نحو تعزيز العدالة والوحدة الفدرالية والإصلاح السياسي.
وفسر المؤيدون للسياقات الحالية في الصومال، بأن الخطوات التي قام بها الرئيس ليس فقزا في الظلام أو حرقا للمراحل، بل هي محاولات جدية لبناء تجربة سياسية أكثر تنظيما وتأسيسا على قواعد ومبادئ راسخة، بعيدا عن الترضيات واعتماد العشائرية التي تهيمن على المشهد الصومالي، وترسيخ العمل السياسي عبر أحزاب حقيقية بعيدا عن التوافقات الأهلية.
على النقيض، يصف المنتقدون تأسيس الحزب بأنه خطوة لتعزيز هيمنة الرئيس وحلفائه وتهميش المعارضة، كما أنه يعتبر فقزا على الواقع الصومالي المنقسم الذي يفتقر إلى عوامل الثقة في ظل انعدام المصالحات التي يمكن أن تقود إلى التحول نحو العمل الحزبي.
كما يرون أن الحزب الجديد سيعمق حالة الاستقطاب السياسي والاصطفافات والتكتلات، في ظل غياب إطار قانوني لممارسة العمل الحزبي وغياب قانون انتخابي متوافق عليه. إضافة إلى أسئلة تكافؤ الفرص بين المكونات المتخلفة في حال اعتمد هذا المسار وانضمام مسؤولين رسميين تحت إغراءات ووعود ضمان السلطة والنفوذ.

طوارئ المعارضة
عقب إعلان الرئيس حسن شيخ محمود وحلفائه من 3 ولايات تأسيس حزب "العدالة والتضامن"، سارعت المعارضة للرد بإصدار بيان شديد اللهجة وقعه 16 شخصية سياسية بارزة من بينهم رؤساء سابقون ورؤساء حكومات ورئيس برلمان سابق ووزراء.
وقد اتهم البيان الرئيس بتعميق الانقسامات بدلا من معالجتها، واعتبر تأسيس الحزب الجديد محاولة لخلق تحالفات تزيد من تأزيم المشهد، وإجهاض مسار اللقاء التشاوري بين الولايات الفدرالية.
ودعت المعارضة في بيانها إلى عقد مشاورات عاجلة تشارك فيه القوى السياسية وقطاعات المجتمع المختلفة لإنقاذ البلاد مما وصفه البيان بالدكتاتورية التي هدفها القضاء على الدستور، كما حذرت من تداعيات "استثارة الفتن" في ولاية جوبالاند.
وفي إطار التحرك المضاد، بادرت المعارضة بالدعوة إلى مؤتمر معني بتأسيس منصة سياسية جديدة تشمل عددا من الشخصيات والأحزاب المعارضة أطلقت عليها "منتدى إنقاذ الصومال" بقيادة شيخ شريف.
واستمرت مداولات المؤتمر 3 أيام بهدف رئيسي يتمثل في معالجة التحديات الوطنية والدعوة إلى الإصلاحات السياسية، وسط المخاوف المتزايدة بشأن الحكم والأمن والعلاقات بين الحكومة الفدرالية والدولة في الصومال.
واتفق المشاركون على ضرورة تشكيل جبهة موحدة لحماية التقدم الديمقراطي في الصومال ودعوا إلى حوار شامل قبل العمليات السياسية المقبلة.
حركة الشباب الرابح الأكبر
في خضم تلاطم أمواج السياسة الصومالية والخلافات العميقة مع تنامي التنافس الدولي والإقليمي وغياب دور القوات الأفريقية، وجدت حركة الشباب الفرصة مواتية بانشغال القادة السياسيين بأجندة أخرى بعيدا عن مواجهتها وصعدت من هجماتها حول العاصمة وداخلها لدرجة استهداف موكب الرئيس نفسه داخل مقديشو العاصمة.
كما تمكنت الحركة من بسط سيطرتها على مناطق إستراتيجية في شمال البلاد، وسط تقارير تشير إلى حصولها على أسلحة حديثة بالتعاون مع جماعة "أنصار الله الحوثي" التي تسعى بدورها لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة القرن الأفريقي.
هذا إلى جانب عودة نشاط تنظيم الدولة في شمال البلاد وتحديدا في إقليم بونت لاند، ما يزيد من تهديد الاستقرار ويصعب مهام إعادة البناء الذي يعتبر الهدف الإستراتيجي لأي حكومة في الصومال.
إعلان
الضغوط الداخلية والخارجية
حذرت الولايات المتحدة الأميركية الرئيس حسن شيخ من المضي في خطة انتخابية أحادية الجانب وطالبته بفتح الحوار مع ولايتي بونت لاند وجوبا لاند، كما حذرت من أي تغيير في النظام الفدرالي أو الإطار الانتخابي دون توافق وطني لأنها ستعتبر غير شرعية وقد تقود إلى عقوبات دولية.
وفي لقاء للمعارضة مع الشركاء الدوليين في العاصمة مقديشو -بينهم ممثلو الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)- شدد ممثلو المجتمع الدولي على دعمهم لأي مسار حواري جامع يضم جميع الأطراف الصومالية دون استثناء، داعين إلى تغليب المصلحة الوطنية وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
كما نقل ممثلو المجتمع الدولي إلى حسن شيخ مدى الإحباط المتزايد للشركاء الدوليين من جهود بناء الدولة الراكدة في الصومال، التي تفاقمت بسبب إرهاق المانحين بعد أكثر من 3 عقود من الصراع، وأكدوا أن المجتمع الدولي بشكل لا لبس فيه لن يدعم مسعى الرئيس محمود لإجراء انتخابات لرجل واحد وصوت واحد.
وتحت سيل من الضغوط الداخلية والخارجية والانتقادات، وافق الرئيس على عقد حوار وطني في 15 يونيو/حزيران الجاري، بعد مشاورات مع المعارضة الرئيسية التي عقدت مؤتمر إنقاذ الصومال، وثانيها مع الولايات خاصة ولايتي بونت لاند وجوبا لاند اللتين أعلنتا معارضتهما لنهج الرئيس حسن شيخ، ورفضهما كل الخطوات التي قام بها منذ منتصف 2024، الخاصة بالتعديلات التي جرت في الدستور وغيرها من الإجراءات الأخيرة.
وسيركز منتدى الحوار على القضايا الرئيسية لبناء الدولة الصومالية، بما في ذلك ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب، وإرساء الديمقراطية، وتنفيذ انتخابات حرة، ووضع اللمسات الأخيرة على الدستور المؤقت، والوحدة الوطنية، والمصالحة الحقيقية بين الشعب الصومالي.ويصفه بعض المحللين بأنه قد يعالج الفجوة التي حدثت بفشل اللقاء التشاوري السنوي الذي غابت عنه ولايتا بونت لاند وجوبا لاند.
المعارضة تضع شروط المشاركة
رحب تحالف المعارضة بالحوار الذي دعا إليه الرئيس حسن شيخ، وأبدى استعداده للمشاركة في حوار صادق يؤدي إلى الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي "إلا أنها وضعت شروطا للمشاركة ستمتنع عن الحضور إذا لم يتم الوفاء بها وأكدت على ضرورة استيفاء الحوار لمعايير محددة لضمان نتائج مجدية وجاءت الشروط على النحو التالي:
أن تكون شاملة ومهيكلة كمفاوضات حقيقية تهدف إلى حل النزاعات الوطنية الرئيسية، وخاصة تلك المحيطة بالمراجعة الدستورية، والأطر الانتخابية على المستويين الفدرالي والولائي. إشراك جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الولايات الأعضاء في الحكومة الفدرالية إلى جانب المعارضة السياسية. أن يحتوي منتدى الحوار على جدول أعمال محدد وواضح ونقاط نقاش متفق عليها مسبقا.وكان الصوماليون قد واجهوا الموقف ذاته في أواخر حكم الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو عندما حاولوا تمديد فترة ولايته، إلا أن حالة من الفوضى العارمة التي تسببت فيها توجهات أشبه بالتي يتبناها الرئيس الحالي، والضغوط الدولية والإقليمية أعادت الأمور إلى "خيمة" التفاهمات والحل التوافقي.
فهل سيتراجع الرئيس حسن شيخ ويقبل بشروط المعارضة، أم يحاول الانحناء للعاصفة ويناور كسبا للوقت وبحثا عن مسار أخف كلفة في الوصول إلى ما يريد، في ظل تسريبات غير مؤكدة تشير إلى نية الرئيس تأجيل الحوار الوطني الذي أعلن عنه في 15 من الشهر الجاري؟
0 تعليق