"السِّيح" لمجدي دعيبس .. "سيرة" الثورة الفلسطينية الكبرى - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

كتبت بديعة زيدان:

 

"السِّيح"، هو عنوان الرواية التي يتكئ فيها الروائي الأردني مجدي دعيبس، على أحداث واقعية، ويمزج ما بين شخصيات حقيقية وأخرى صنعها بوحي من أجساد كانت تعيش غرب نهر الأردن أو شرقه، أو من خياله، لتقديم سردية حول الثورة الفلسطينية الكبرى في الفترة ما بين العامين 1936 و1939، صدرت حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في العاصمة اللبنانية، بيروت.
و"السِّيح" لغةً، هو الماء الجاري على وجه الأرض، وهناك بعض المعاجم التي ترى أنه تعبير لغوي يصف منطقة صحراوية ترابية واسعة، أو هو تجويف صخري طبيعي يشبه الكهف، وله فتحة في السقف بحيث تسيح منه مياه الأمطار على الصخور المجاورة، وتبقى حاضرة إلى فصل الصيف تفيد البشر في أكثر من جانب، وهو التعريف الذي اعتمده الروائي، حيث كانت تعيش أسرة لطفي السايس، التي منها خرجت شخصيات الرواية المحورية، علّواً وهبوطاً في النسب والأزمنة.
وعلاوة على عتبة العنوان، ثمة عتبة مهمة أخرى تمثلت في الإهداء، الذي كان إلى "أمهات الشهداء.. خضرة، وأمينة، وفاطمة، وعائشة، وبهية، وحميدة، وفريدة، وراشدة، ونعمة، ولولو، وذيبة، وخديجة، وبدوية، ونجمة، وسعاد، وآمنة، ولطيفة، وفطّوم، وسعدى، وصبحية، وبينار، ورابعة، وظريفة، وبرلا، وكاترينا.. والقائمة تطول، تطول".
وفي هذا إشارة إلى 150 فلسطينية أعدمتهن سلطات الاحتلال البريطاني، في سنوات الثورة الكبرى، لانخراطهن في أعمال مقاومة تمثلت في نقل الأسلحة والمؤن، كما المعلومات للثوار، أو حتى اشتراكهن بشكل مباشر في المقاومة المسلحة.
وتسير رواية "السِّيح"، في خطين متوازيين، الأول في زمن الثورة والثاني في مطلع القرن العشرين، وهناك يحدثنا عن شخصية "تركية" زوجة لطفي السايس، ابنة قرية "دير غزالة" قرب جنين، التي تزوجها "خطيفة"، وعاد بها إلى عجلون، مسقط رأسه و"ديرته"، وأسكنها "السِّيح" بطلب من والده.
وفي عتبة أخرى، ثمة سرد من الشعر الشعبي موازٍ للرواية، يظهر كمقطع من مغنّاة لشاعر الثورة وشهيدها، نوح إبراهيم، على الغلاف الخلفي للرواية، يحكي فيه شيئاً من حكايات الثورة، والدور النضالي للنساء فيها بالدارجة: "اسمعوا لي يا ساداتْ خصوصا يا سيّداتْ، قصة شاهدتها بالذاتْ من امرأة قرويّةْ.. قصة عجيبة يا ناسْ حوادثها بترفع الراسْ، واللي في عندو إحساسْ بتمعّن فيها شويّةْ.. في الثورةْ الأخيرة وبقريةْ اسمها عصيرةْ.. نابلس الشهيرةْ جرت هالقصّة التاريخيّةْ، حرمة كبيرة في البلد.. ما لها معين أحدْ زوجها خلّف لها ولدْ.. تعزّه معزّة قويّةْ، مسكينة وفقيرة حالْ.. ما بتملك شي من المالْ ولدها وفراشها رسمالْ وبعض أساور ذهبيّةْ.. من كثر حماستها وغيرتها وشهامتها، باعت فراشها وسيغتها واشترتْ له بندقيةّْ".
وتوزعت أبيات أخرى من القصيدة المغناة لنوح إبراهيم، ابن حيفا، على فصول الرواية مقدمة قصة موازية لقصص الرواية وحكاياتها، بحيث تتقاطع مع النص السردي في "السِّيح"، في مراميهما، بلغة غنائية، كي تصل إلى أكبر قدر من العامة ممن حملوا لواء الثورة وانضموا إليها، كل بطريقته، حتى باتت كلمات أغنياته وأشعاره أيقونات تعيش إلى يومنا هذا، وأهازيج يرددها المتظاهرون في مسيراتهم وفعالياتهم الصاخبة، وقتذاك.
وكان ابن عجلون لطفي السايس، يحكي لولديه "مقبول" و"سند" ذكرياته في المدن والقرى الفلسطينية وحكايات الفلاحين والتجارة، وبيع المحاصيل في أسواق حيفا، وخاصة القمح وكيف كانت أسواق حيفا ملتقى لكثير من سكان المدن والقرى العربية.
وتتطور الحبكة مع ترك "سند"، حين كان في السابعة عشرة من عمره، "السِّيح"، إثر خلاف مع والده، ليقع في يد الإنكليز الذين يقتادونه إلى السجن في عكا، وتحديداً في القلعة التي هزمت نابليون، وتحولت، بعد اكثر من ثلاثة عشر عقداً، إلى سجن استعماري.
وهنا ينطلق شقيقه "مقبول" للبحث عن "سند" الذي غاب وغابت أخباره، وفي الطريق، وأثناء وقوفه على صخرة عالية، يشاهد فتاة تتعرض لهجوم من جندي إنكليزي، يعمد إلى الاعتداء عليها، فيقفز من علّو على الجندي، ويرديه قتيلاً، منقذاً الفتاة التي أنقذته بإطلاق النار على جندي همّ بقتله، فقتلته (...) وصلت "بهيجة" برفقة "مقبول" إلى جماعة أبو درة، وهي "فرقة من الثوار"، ومكثوا عندهم لضمان حمايتهم.
ويعيد دعيبس هنا الاعتبار لأركان الثورة، الذين يمكن وصفهم بـ"المنسيّين"، فيوسف سعيد صالح أبو درة (1900 – 1940)، من عشيرة الجرادات، ولد في قرية سيلة الحارثية قضاء جنين، وتعرف في حيفا إلى الشيخ عز الدين القسام، واشترك معه في معركة "أحراش يعبد"، التي استشهد فيها القسام وعدد من أصحابه، في حين استطاع أبو درة أن يفلت من الطوق الذي ضربته القوات البريطانية حول المنطقة، واختفى من الأعين بعض الوقت.
وحين بدأت الثورة، التحق أبو درة بها، وأصبح واحداً من خمسة يقودونها، فهاجم مع رجاله سجن "عتليت" المحصن، وحرر سجناءه، كما أفلت من تطويق الجنود البريطانيين له أكثر مرّة، ولما توقفت العام 1939، اعتقل في سجن الكرك وأعدمه البريطانيون في العام 1940.
ومما غناه الشاعر نوح إبراهيم حوله: "فلسطين لا تفزعي نجمك في السما درة، حولك فوارس يوم المواقع درة، ما يهابوا الموت ولو ما بقي ذرة، ثوار حايزين النصر صيتهم بالدنيا لمع، يهاجموا الأعداء وسيوفهم تضوي لمع، إسلام ونصارى نجمهم بالسماء لمع، يا رب نصرك ما دام رئيسهم أبو درة".
وعكست الرواية ذلك التلاحم ما بين الشعبين التوأمين، غرب نهر الأردن وشرقه، وتوحدهم حول النضال ضد الاحتلال، وهو ما له دلالاته ورمزياته في زمن صدور "السِّيح"، مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وتمددها إلى الضفة الغربية.
وفي سياق الأحداث، الكثير من التفاصيل، ومنها قيام الثوار بعدة عمليات ناجحة، وإلقاء الاحتلال البريطاني القبض على كل من يعتمر الكوفية، ومن هنا بدأت الدعوات بترك الطربوش ولبس الكوفية، التي لا تزال رمزاً لنضالات الشعب الفلسطيني وكل أحرار العالم، في حين كانت "بهيجة" تروي لـ"مقبول" حكاية عمتها "تركية" التي اختفت قبل ما يقارب العشرين عاماً، ولا أحد يعرف عنها شيء، ليدرك أنها ابنة خاله، التي يرتبط بها أخيراً، في تأسيس لسيرورة وصيرورة نضالية تتواصل، خاصة بعد خروج "سند" بعفو عام من سجنه، احتفالاً من المحتل البريطاني بانتصار "الحلفاء" على أعدائهم.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق