ألقى الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة، كلمةً في الاحتفال الذي نظَّمه الجامع الأزهر، اليوم عقب صلاة المغرب؛ بمناسبة ذِكرى الهجرة النبويَّة، وذلك برعاية كريمة مِن فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبحضور الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور عبد المنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة والمشرف على الأنشطة العِلميَّة للرواق الأزهري، وجَمْع مِنَ العلماء وطلَّاب العِلم والمصلِّين.
وأوضح الدكتور الجندى، أنَّ الهجرة النبويَّة تمثِّل حدثًا مفصليًّا في تاريخ الأمَّة، ليس فقط من جهة انتقال النبي مِن مكَّةَ إلى المدينة؛ وإنما لِمَا انبنى على هذا الانتقال مِن تأسيسٍ لمرحلة جديدة مِنَ البناء الحضاري والإنساني والأخلاقي، مؤكِّدًا أنَّ الهجرة لا تزال مصدرًا غنيًّا بالقِيَم التربويَّة والدعويَّة والاجتماعيَّة التي تحتاجها المجتمعات المعاصرة لتصحيح مساراتها.
وأشار الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة إلى أنَّ النبي خرج مِن مكَّةَ وهو يحمل مشروعًا حضاريًّا ممتدًّا لبناء مجتمع قائم على أُسُس راسخة مِنَ الرحمة، والعدل، والمواطنة، واحترام الحقوق؛ لافتًا إلى أنَّ هذه كلَّها مرتكزات لا غنى عنها لأيَّة أمَّة تسعى لإصلاح واقعها والارتقاء بذاتها.
وتابع: أنَّ مِن أعظم ما تؤكِّده الهجرة أنَّ الإصلاح يبدأ مِن داخل النفْس، وأنَّ التحوُّل الحقيقي يكون بتحوُّل الوعي والسلوك والمنهج، مشيرًا إلى أنَّ النبي قدَّم في الهجرة أنموذجًا فريدًا في التوازن بين التوكُّل على الله والأخذ بالأسباب، وضَبْط النفْس في أصعب الظروف، والتخطيط الرَّشيد لمواجهة التحديات.
وتناول الدكتور محمد الجندي قيمة الرحمة التي صاحبتِ الهجرة منذ لحظاتها الأولى؛ إذْ خرج النبي مِن بلده وهو يردُّ الأمانات لأهلها رغم إيذائهم له، ويغلِّب جانب الإصلاح والدعوة على الانتصار للنفْس؛ ممَّا يجسِّد الأخلاق النبويَّة الرفيعة، ويؤكِّد حاجتنا اليوم لاستعادة هذه القِيَم في واقعنا المعاصر.
وأشار الجندي إلى دَور الشباب في نجاح الهجرة، وكيف أنَّ النبي منحهم الثقة، وأسند إليهم مهمَّاتٍ دقيقةً في لحظات مفصليَّة، مؤكِّدًا أنَّ هذه الثقة تمثِّل دعوةً صريحةً للمؤسَّسات التربويَّة والمجتمعيَّة إلى إعداد الشباب وتأهيلهم وتمكينهم ليكونوا ركيزةً في بناء المستقبَل.
واختتم بتأكيد أنَّ ذِكرى الهجرة ينبغي أن تتحوَّل مِن مجرَّد احتفاء سنوي إلى وقفةِ مراجعةٍ صادقةٍ، وفرصةٍ لاستحضار المعاني الكبرى لهذا الحدَث العظيم، فالهجرةُ في جوهرها دعوة متجدِّدة إلى تجاوز الأزمات بروح منضبطة، ونفْس مخلِصة، وعقل راشد، وهي تذكيرٌ دائمٌ بأنَّ الأمم لا تنهض إلا بالعمل، ولا تُبنَى إلا بالتخطيط والمبادرة وتحمُّل المسئوليَّة.
0 تعليق