في عالم يبحث عن حلول فعّالة من حيث التكلفة وقابلة للتطوير لأزمة المناخ، اكتشف باحثون أن جزيئات الطين الصغيرة تلعب دورا كبيرا للغاية في امتصاص ثاني أكسيد الكربون الذي يعد ملوثا رئيسيا للغلاف الجوي.
وأظهرت دراسة صادرة عن جامعة بيردو الأميركية أن الطين الذي يعد أحد أكثر المواد النانوية شيوعا على الأرض، قد يلعب دورا مفاجئا في خفض انبعاثات الكربون. ووجد الباحثون طريقة لاستخدام هذه المادة البسيطة والوفيرة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون (CO₂) مباشرة من الهواء.
ودرس فريق جامعة بيردو المعادن الطينية بالتعاون مع فريق مختبرات ساندي الأميركية منذ أكثر من 30 عاما، واكتشفوا تفاصيل مهمة حول سلوك هذه الجسيمات الدقيقة.
ويقول كليف جونستون، الباحث الرئيسي والأستاذ في كلية العلوم بجامعة بيردو: "تتميز المعادن الطينية بمساحة سطحية عالية جدا. فملعقة كبيرة من الطين تعادل تقريبا مساحة ملعب كرة قدم أميركية".
ويشير جونستون إلى أن معظم هذه المساحة السطحية توجد في المسام الداخلية للطين التي تحتوي على مناطق قطبية وغير قطبية.
وبينما تفضل جزيئات مثل ثاني أكسيد الكربون المناطق غير القطبية، يفضل بخار الماء المناطق القطبية، وباختيار أنواع معينة من الطين وتعديل بنيتها الأيونية، أمكن تحسين المواد القادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
تركز الدراسة على مجموعة من المعادن الطينية تُسمى السمكتيت (Smectite) وهي من أكثر المواد النانوية شيوعا في الطبيعة، وتسمح مساحتها السطحية الشاسعة ويرشحها حجمها الصغير بشكل مثالي للتطبيقات البيئية، وخاصة لالتقاط غازات مثل ثاني أكسيد الكربون.
وتتميز هذه المجموعة بقدرتها على امتصاص كميات كبيرة من الماء وتغيير حجمها بشكل كبير. وتُستخدم معادن السمكتيت في العديد من التطبيقات الصناعية والزراعية والطبية، مثل تنقية المياه، وتعديل التربة، وصناعة مستحضرات التجميل.
إعلان
وفي بحث سابق، درس الفريق كيفية امتصاص الطين للملوثات السامة من الماء. وأشار جونستون إلى أن "عملنا السابق ركز على امتصاص الملوثات العضوية السامة من معادن الطين من المحاليل المائية".
ووجدت الدراسة أن أنواعا معينة من "السمكتيت" لها أسطح طاردة للماء ويمكنها امتصاص مستويات كبيرة من الملوثات، مثل الديوكسينات، وهي أحد أكثر المركبات العضوية السامة المعروفة.
وتنتج الديوكسينات غالبا عن الاحتراق والأنشطة الصناعية، وهي ملوثات ضارة، وقد منح نجاح المواد الطينية في التقاط هذه السموم الباحثين الثقة لتطبيق أساليب مماثلة لامتصاص غازات مثل ثاني أكسيد الكربون.
وركزت معظم جهود احتجاز ثاني أكسيد الكربون سابقا على مواد عالية التقنية مثل "الزيوليت"، وهي مجموعة من المعادن البلورية المائية التي تتكون أساسا من السيليكات والألومينات.
كما ركز الباحثون على الأطر المعدنية العضوية، والمواد الماصة الصلبة، وأُغفِلت غالبا المعادن الطينية، لكن هذه الدراسة الجديدة غيّرت هذا المنظور.
واعتمد فريق البحث على نوع محدد من "السمكتيت" يُسمى "السابونيت"، وهو معدن طيني ذو تركيبة كيميائية معقدة تشمل الكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والسيليكون والألومنيوم والهيدروكسيد والماء.
واستكشفوا كيفية تعامل "السابونيت" مع ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، اللذين يتنافسان على المساحة في مسام الطين الدقيقة.
وبدلا من تسخين الطين لتعزيز قدرته على الامتصاص، اتخذ الباحثون مسارا مختلفا، إذ درسوا تأثير الرطوبة، ووجدوا أن السابونيت ينجذب بشدة لثاني أكسيد الكربون عند انخفاض الرطوبة.
وتعد هذه المرة الأولى التي يُظهر فيها الباحثون كيف يمكن لمعادن الطين أن تمتص كلا من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء في ظروف قريبة مما نختبره في الحياة اليومية، من حيث تركيزات ثاني أكسيد الكربون المحيطة ودرجة حرارة الغرفة.
ويرى الباحثون أن نتائج هذا الاكتشاف واعدة. فمع وفرة الطين وانخفاض سعره، قد يوفر طريقة قابلة للتطوير لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء. كما يمكن للناس استخدامه لخفض الانبعاثات من المصانع أو تخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض، ويمكن كذلك إبقاؤه خارج الغلاف الجوي على المدى الطويل.
وقد يُوسّع هذا البحث نطاق المواد الماصة لمعالجة إحدى أكثر مشاكل كوكب الأرض تحديا، وقد يكون الطين موردا غير مكلف ووفيرا لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وأداة فعّالة في مواجهة تغير المناخ.
0 تعليق