نجم ينفجر مرتين: اكتشاف يعيد كتابة قصة موت النجوم - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في مشهد كوني يحدث مرة واحدة في ملايين السنين، كشف فريق من علماء الفلك عن أول دليل بصري مباشر على نجم خاض انفجارين متتالين قبل أن يتحول إلى رماد كوني.

الاكتشاف الذي أعلن عنه يوم الثاني من يوليو/تموز في دراسة نشرت في مجلة "نيتشر أسترونومي"، يستند إلى دراسة معمقة لبقايا نجمية تعرف باسم "إس إن آر 0509-67.5″، ويعيد رسم ملامح فهمنا لواحدة من أهم الظواهر في الفيزياء الفلكية، التي تسمى المستعرات العظمى من النوع الأول.

ما يجعل هذا الاكتشاف استثنائيا ليس فقط ندرة الظاهرة، بل أيضا ما يكشفه من تفاصيل دقيقة عن آلية الانفجار ذاته، التي طالما كانت موضع جدل علمي لعقود.

يقول الباحث الرئيسي في الدراسة "بريام داس"، طالب الدكتوراه في الفيزياء الفلكية في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، في تصريحات للجزيرة نت: "نحن لا ننظر إلى مجرد غبار فضائي، بل إلى توقيع نجم مات بانفجارين متتاليين"

ويتابع: "هذا دليل قاطع على أن بعض النجوم لا تنتظر أن تصل إلى كتلتها الحرجة كي تنفجر، بل تبدأ بمقدمة نارية تمهد لانفجار أكبر وأشد. لقد رأينا الأثر، وفهمنا السردية".

This image shows the distribution of calcium in the supernova remnant SNR 0509-67.5. The data were captured with the Multi-Unit Spectroscopic Explorer (MUSE) instrument at ESO’s Very Large Telescope (VLT). The overlaid curves outline two concentric shells of calcium that were ejected in two separate detonations when the star died several hundred years ago.ما اكتشفه العلماء هو وجود طبقتين واضحتين من عنصر الكالسيوم في الغلاف الخارجي للمستعر الأعظم (المرصد الأوروبي الجنوبي)
ما اكتشفه العلماء هو وجود طبقتين واضحتين من عنصر الكالسيوم في الغلاف الخارجي للمستعر الأعظم (المرصد الأوروبي الجنوبي)

نجم ميت يعود ليسرد قصته

يقع المستعر الأعظم المدروس في سحابة ماجلان الكبرى، وهي مجرة قزمة تابعة لمجرتنا درب التبانة. ورغم أن الانفجار وقع قبل أكثر من 400 عام، فإن بقاياه لا تزال مشعة ومضيئة بشكل يسمح بدراستها بتفصيل غير مسبوق، وذلك بفضل أداة الاستكشاف الطيفي (ميوز) على متن التلسكوب العملاق "في إل تي" الأوروبي التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي.

ما اكتشفه العلماء هو وجود طبقتين واضحتين من عنصر الكالسيوم في الغلاف الخارجي للمستعر الأعظم، وهو نمط لم يكن بالإمكان تفسيره وفق النموذج التقليدي للانفجارات النجمية.

إعلان

يوضح الباحث في تصريحاته للجزيرة نت أن هذا النوع من الانفجارات عادة ما يحد عندما يسرق قزم أبيض -وهو نجم ميت صغير وكثيف- مادة من نجم مرافق له. ومع تراكم المادة، يصل القزم الأبيض إلى حد معين يؤدي إلى انفجاره دفعة واحدة، لكن هذا السيناريو البسيط لم يكن يفسر جميع الحالات المرصودة.

لكن النموذج الجديد، المعروف باسم "الانفجار المزدوج"، يقترح أن القزم الأبيض يشعل انفجارا أوليا في غلاف الهيليوم المحيط به، يطلق موجة صدمية تصل إلى قلبه، فتشعل الانفجار الثاني. هذا التسلسل هو ما يفسر البنية الطبقية الفريدة التي رصدت حديثا.

ويضيف داس: "افترضنا وجود هذا السيناريو على الورق، لكن أن نراه بأعيننا، وأن نقرأ تاريخه في الضوء والمواد المتناثرة في الفضاء، هذا هو ما يجعل هذا الاكتشاف عظيما بحق".

This artist’s impression illustrates the supernova remnant SNR 0509-67.5. Observations from ESO’s Very Large Telescope (VLT) show that these are the expanding remains of a star that died with a double-detonation hundreds of years ago.هذه الانفجارات ليست مجرد أحداث مذهلة في حد ذاتها، بل إنها تستخدم كمقاييس دقيقة لقياس المسافات بين المجرات (المرصد الأوروبي الجنوبي)
هذه الانفجارات ليست مجرد أحداث مذهلة في حد ذاتها بل إنها تستخدم كمقاييس دقيقة لقياس المسافات بين المجرات (المرصد الأوروبي الجنوبي)

مقياس كوني في غلاف نجم

المفارقة أن هذه الانفجارات ليست مجرد أحداث مذهلة في حد ذاتها، بل إنها تستخدم كمقاييس دقيقة لقياس المسافات بين المجرات. فالضوء الناتج يكون متسقا إلى حد يسمح لعلماء الفلك باعتباره "شموعا معيارية" لمعرفة مدى سرعة تمدد الكون. وبفضل هذه الانفجارات، تمكن العلماء من اكتشاف أن الكون يتسارع في توسعه، وهي المعلومة التي حصل بفضلها 3 باحثين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2011.

لكن دقة هذه القياسات تعتمد على فهمنا العميق لآلية الانفجار، وهنا تأتي أهمية هذا الاكتشاف. فإذا لم نكن نعرف ما الذي يجعل هذه النجوم تنفجر، فلن نتمكن من تفسير سلوكها الضوئي بدقة.

بالنسبة للمؤلف الرئيسي للدراسة، فإن الجانب البصري لهذا الاكتشاف لا يقل إثارة عن جانبه العلمي، ويقول: "من النادر أن يتقاطع العلم مع الجمال بهذا الشكل. ما نراه في هذه البقايا ليس مجرد دليل علمي، بل لوحة كونية مرسومة بانفجارات نجمية، كل طبقة فيها تحكي فصلا من الحكاية".

وبينما يواصل الفريق دراسة بقايا أخرى في مجرتنا وفي مجرات قريبة، يأمل داس وزملاؤه أن يكون هذا الاكتشاف بداية لموجة جديدة من الفهم العميق للنجوم الميتة، وللأسرار التي لا تزال تخبئها في أعماق الفضاء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق