عاجل

"تحيّة لفلسطين": حين تتكلّم القصيدة في وجه الصمت العالمي - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

 

بقلم: فاطمة نزال*

 

في خضمّ المجازر المفتوحة على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، تتراجع السياسة ويتلعثم الإعلام، لكنّ الشعر ينهض، كعادته، ليقول ما لا يُقال، ويشهد لما يُراد دفنه.
من هنا تنبع أهمية الفعالية الأدبية الدولية التي أُطلقت مؤخراً تحت عنوان "تحيّة لفلسطين"، والتي تأتي ثمرة تعاون بين "بيت الشاعر" ومجلة Con Versando الإيبروأميركية، لتتحول إلى منبر حيّ للكلمة المقاومة، ومتنفّس جمعي للتضامن العالمي مع فلسطين.

حضور عربي فاعل ومبادرة فلسطينية منسّقة
تتميّز هذه المبادرة بحضور عربي متنامٍ، لا يقتصر على المشاركة الإبداعية فحسب، بل يمتد إلى المساهمة الفعلية في إيصالها وتفعيلها على أرض الواقع.
وقد جاءت مبادرة الشاعرة فاطمة نزال، من فلسطين، لتولي التنسيق الإقليمي للشرق الأوسط، بمباركة الاتحاد العام للأدباء والكتّاب الفلسطينيين، تطوّعاً ومن منطلق الالتزام الأدبي والوطني، بهدف تعزيز الحضور الشعري العربي، وتوسيع نطاق المشاركة من المنطقة.
بفضل هذه المبادرة التنسيقية، باتت الفعالية أكثر قدرة على الوصول إلى أصوات عربية متنوّعة، وتحفيزها على الانخراط في هذه المنصة العالمية التي توحّد الشعراء على اختلاف لغاتهم في موقف أخلاقي واحد: فلسطين تستحق الكلمة والوقوف.

الشعر منصة مقاومة لا تقلّ شراسة
الفعالية تفتح أبوابها لجميع الشاعرات والشعراء من مختلف أنحاء العالم، داعية إياهم إلى المشاركة عبر إرسال قصائدهم المصوَّرة والمكتوبة، والتي تعبّر عن موقفهم الإنساني، الجمالي، والأخلاقي من العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني. إنها دعوة مفتوحة للكلمة أن تخرج من الكتب والدوائر المغلقة، لتلتحم بميدان النضال الحقيقي، حيث يسقط الأطفال، وتُقصف البيوت، وتُزهق الأرواح.
عبر القراءات الأسبوعية الافتراضية، التي تُبث كل خميس، تتحوّل القصائد إلى جسر حيّ بين قلوب الشعراء وجراح فلسطين، وتُمنح مساحة لكل صوت صادق أن يُعلن انحيازه للحياة، للحق، وللحرية.

توثيق إبداعي لأرشيف المقاومة
لا تكتفي الفعالية بالعرض الأسبوعي، بل تتوسع لتأسيس قسم دائم في مجلة Con Versando بعنوان "تحيّة لفلسطين"، تُجمع فيه جميع القصائد التي كُتبت أو تُكتب تضامناً مع القضية.
إن هذا المشروع لا يؤسس فقط لأرشيف أدبي حيّ للمقاومة، بل يصوغ أيضاً سردية بديلة عن فلسطين، تكتبها الحناجر الحرة، وتتناقلها الصفحات بدل الرصاص.
ما تُقدّمه المجلة، بإشراف الشاعرة والمديرة كارمن نوزال، ليس مجرّد تضامن رمزي، بل فعل ثقافي متجذّر، يُراكم الوعي ويستدعي التاريخ، ويقاوم المحو الذي يستهدف الفلسطيني ليس فقط في جسده، بل في لغته، وفي رموزه، وفي صوته.

توسيع دوائر السرد، تفكيك الهيمنة
في عالمٍ تنحاز فيه السرديات الكبرى إلى المحتل، وتُهمّش فيه رواية الضحية، تأتي هذه المبادرات الشعرية لتعيد ترتيب المشهد، عبر نقل القصيدة من كونها فعلاً داخلياً ذاتياً، إلى أداء علني جماعي، ينزع الشرعية الأخلاقية عن الصمت الدولي، ويكشف عورات العالم المتمدّن أمام مرآة الشعر.

لكل من يحمل حبراً: هذه فرصتكم
من الجميل أن تتجه الدعوة إلى كل شاعر أو شاعرة يؤمن بأن الكلمة لا تكتمل إن لم تلامس جراح العالم.
ليس مطلوباً أن تكون فلسطينياً لتكتب عن فلسطين، يكفي أن تكون إنساناً يُدرك حجم الألم، ويمتلك شجاعة التعبير عنه.
هذه الفعالية ليست حكراً على لغة أو جغرافيا، بل هي بمنزلة نداء عالمي إلى ضمير الشعراء، ليكونوا صوت الذين لا صوت لهم.

الختام: لا خلاص فردياً من القبح
في هذه اللحظة الكونية الحرجة، تثبت الكلمة مرّة أخرى أنها ما زالت تمتلك القدرة على المواجهة، وعلى فتح نوافذ النور في عتمة القتل. "تحيّة لفلسطين" ليست فعالية عابرة، بل تجسيد لضرورة كفاحية في الثقافة، حيث لا خلاص فردياً من القبح، ولا حياد ممكناً في حضرة المجزرة.
لنُصغِ للقصيدة، فلعلّها تحمل، بين سطورها، ما عجزت عنه البيانات والمواقف الرسمية: قلب نابض، يُصرّ على أن فلسطين حية، وأن العدالة لا تُقصف.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
*منسقة مبادرة "تحيّة لفلسطين" في الشرق الأوسط.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق