البوسنة بعد 30 عاما من المجزرة.. أزمة الانقسام تلوح في الأفق - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في الذكرى الثلاثين لمجزرة سربرنيتسا، التي أبيد فيها أكثر من 8 آلاف مسلم بوسني على يد القوات الصربية، يتجدد القلق الدولي بشأن استقرار البوسنة والهرسك، الدولة الصغيرة والمقسمة عرقيا، والتي لا تزال أسيرة اتفاق دايتون الذي أوقف الحرب دون أن ينهي الانقسام.

وقال تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز إن ميلوراد دوديك، زعيم صرب البوسنة، يمثل اليوم التهديد الأكبر لوحدة البلاد، إذ يسعى بصراحة لتقويض مؤسسات الدولة المركزية بدعم رمزي من موسكو، التي تراه جزءا مهما من محور مؤيد لروسيا على هامش أوروبا.

وأعد التقرير مارتون دوناي، مراسل جنوب شرق أوروبا، وأليك راسل، محرر الشؤون الدولية في صحيفة فايننشال تايمز.

عامل انقسام

وأوضح التقرير أن اتفاق دايتون، الذي أنهى الحرب الأهلية بين 1992 و1995، أنشأ دولة معقدة مكونة من كيانين: فدرالية البوسنة والهرسك التي يهيمن عليها المسلمون والكروات، وجمهورية صرب البوسنة (صربسكا) التي يهيمن عليها الصرب، ولكن هذا النظام -وإن أوقف الحرب- ترك الدولة مشرذمة وضعيفة، عرضة للانقسام والانهيار.

وأضاف التقرير أن دوديك، الذي كان يُنظر إليه في السابق كمعتدل، تحوّل تدريجيا إلى زعيم قومي متشدد، ويهدد اليوم بإجراء استفتاء في صربسكا -الكيان الذي يديره- تمهيدا لانفصال فعلي.

كما يرفض دوديك، حسب التقرير، سلطة المحكمة الدستورية والممثل الدولي علنا، ويتحرك دائما بمحاذاة رجال أمن مسلحين، ويرى التقرير أن ذلك ينذر بمواجهة مفتوحة مع حكومة البوسنة والهرسك المركزية.

Serbia's President Vucic donates COVID-19 vaccines to Bosnia's members of tripartite presidency Dodik, Dzaferovic and Komsic, in Sarajevo
ميلوراد دوديك يهدد بتقسيم البوسنة (رويترز)

وفي المقابل، يُلاحظ التقرير غياب رد موحد من أوروبا، فقد عرقلت المجر أي تحرك جماعي ضد دوديك، رغم أن بعض الدول كالمملكة المتحدة فرضت عليه عقوبات.

ويستخدم دوديك وقادة آخرون ذكرى سربرنيتسا -كما أشار التقرير- في خطاباتهم لتغذية خطاب إنكار المجازر، مدعين أن الصرب هم الضحية الفعلية للتاريخ الحديث.

إعلان

وعبرت ألماسة صاليحوفيتش، التي فقدت شقيقها عبد الله في المجزرة وتعمل الآن في مركز سربرنيتسا التذكاري، عن قلقها من تنامي هذا الخطاب القومي، ومن قدرة السياسيين على تضليل الناس وتسخير مصائب الماضي لخلق الأزمات.

وفي بانيا لوكا، عاصمة الكيان الصربي، تبدو مظاهر التأثر بالخطاب الروسي واضحة، فهناك مقهى يحمل اسم "بوتين"، وتتزين واجهاته بصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويجمع هذا الخطاب بين القومية الصربية والهوية السلافية الأرثوذكسية هو ما يسعى دوديك إلى ترسيخه.

A woman cries at a graveyard, ahead of a mass funeral in Potocari near Srebrenica, Bosnia and Herzegovina July 11, 2020. Bosnia marks the 25th anniversary of the massacre of more than 8,000 Bosnian Muslim men and boys, with many relatives unable to attend due to the coronavirus disease (COVID-19) outbreak. REUTERS/Dado Ruvic
عبد الله صاليحوفيتش اختفى في 1995 وعمره 18، وتواصلت السلطات مع أخته ألماسة في 2021 لإخبارها بتطابق حمضها النووي مع عظمتي فخذ عُثر عليهما (رويترز)

قبل فوات الأوان

وقال ملادن إيفانيتش، أحد أبرز وجوه المعارضة الصربية في البوسنة والهرسك، إن أفضل أمل للبلاد يتمثل في مقترح تدعمه فرنسا، يقوم على عضوية أوروبية من مستويين، تتيح لدول البلقان الانضمام التدريجي لبعض التزامات الاتحاد ومزاياه.

ولكنه أضاف أن "أوروبا تكذب علينا، فهي تقول لنا إن الباب مفتوح، ولكن الحقيقة أن هذا غير واقعي على المدى القريب".

وتعليقا على أزمة النظام السياسي الحالي، قالت الأستاذة في العلوم السياسية بجامعة سراييفو، نجمة دزانانوفيتش، إن اتفاق دايتون -رغم عيوبه- حافظ على السلام، مضيفة أنه "حتى دوديك يدرك أن بعض الأمور يجب ألا تتكرر".

ولكنها حذرت من أن صمته الحالي لا يعني اعتدالا، مؤكدة أن الوضع يقترب من تقسيم البوسنة والهرسك، خاصة "وأن مؤسسات الدولة المركزية لا وجود لها في جمهورية صربسكا".

ويأمل بعض المسؤولين الأوروبيين أن تحل شخصيات أكثر اعتدالا محل دوديك، ولكن مع مطالبة زعماء الكروات البوسنيين بمزيد من الحكم الذاتي أيضا، بات اتفاق دايتون هشا إلى حد كبير، وفق التقرير.

Bosnia and Herzegovina commemorates 25th anniversary of Srebrenica massacre, in Potocari
دفن توابيت 9 ضحايا تم التعرف على رفاتهم في 2020 بمقبرة مركز نصب الإبادة (رويترز)

قلق شعبي

أما جيل ما بعد الحرب في العاصمة سراييفو، فيشعر بالإحباط من الشلل السياسي للحكومة والفساد المنتشر في البلاد، حسب التقرير.

وفي هذا السياق، قالت غوردانا ميلادينوفيتش، منسقة منظمة لمكافحة الفساد، للصحيفة إن "الفساد متغلغل في نسيج المجتمع وبات جزءا من الثقافة العامة، ويزيد غياب العدالة الجنائية الوضع سوءا، فكلما زادت جرائمك سهل عليك الإفلات منها، وكثيرون يدخلون السياسة لتحقيق مكاسب شخصية، مما يقوض جهود الإصلاح".

ويرى الأكاديمي الكرواتي فرانيو توبتش -بجانب ميلادينوفيتش- أن الحل هو إنهاء الكيانات المنفصلة والعودة إلى الدولة المركزية، إذ إن "الكيانات كانت ضرورية لوقف الحرب، ولكنها تمنع الدولة الآن من العمل، وباتت البلاد بحاجة إلى دايتون جديد".

ورغم تصريحات مبعوث السلام الدولي كريستيان شميت بأن الأزمة "خطيرة لكنها قابلة للحل"، فإن التقرير خلص إلى أن أغلب البوسنيين باتوا يعتقدون أن المجتمع الدولي لن يتدخل بشكل حاسم، وأن دوديك سيواصل التقدم نحو الانفصال بدعم روسيا وتواطؤ من قادة آخرين.

ومع مغادرة آلاف الشباب البلاد بسبب الفساد وبلوغه مستويات غير مسبوقة، تبدو آمال الاستقرار بعيدة المنال ما لم يتم التحرك قبل فوات الأوان، حسب التقرير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق