في سابقة تاريخية: العمال الكردستاني يعلن حرق أسلحته أمام العلن - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

تشهد قضية الإرهاب التي تشغل تركيا منذ أربعين عامًا تطوّرات بالغة الأهمية. فهناك حدثٌ لم يكن ليتوقعه حتى أولئك الذين يتابعون هذا المسار من كثب بات وشيك الوقوع: حزب العمال الكردستاني (PKK) سيُحرق أسلحته علنًا ليُعلن للعالم أنه لن يلجأ إلى العمل المسلح بعد الآن. نعم، لم تخطئ السمع؛ سيُحرق الأسلحة أمام أعين الجميع.

ويبدو أن مثل هذا الحدث سيقع لأول مرة في العالم.

كيف أقدمت التنظيمات على تدمير أسلحتها سابقًا؟

عندما أعلنت منظمات مسلحة مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)، وإيتا (ETA)، وفارك (FARC) توقفها عن القتال، سلّمت أسلحتها بطرق مختلفة.

فعلى سبيل المثال، فضّل الجيش الجمهوري الأيرلندي عدم تسليم سلاحه للحكومة البريطانية مباشرة، بل اختار نزع السلاح عبر لجنة دولية تضم عسكريين ورجال دين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني.

قدّم الجيش الجمهوري الإحداثيات التي تُخزّن فيها الأسلحة لتلك اللجنة، فشرعت في عملية التدمير، دون أن تُظهرها للعلن. لكن أعضاء اللجنة أعدّوا تقارير وأبلغوا الحكومة البريطانية بأن عملية التدمير قد أُنجزت.

أما منظمة إيتا الانفصالية في إسبانيا، فقد لجأت إلى وسيلة مغايرة، إذ سلّمت إحداثيات مستودعات الأسلحة للحكومة الفرنسية بدلًا من تسليمها للحكومة الإسبانية مباشرة، وتم تدميرها تحت إشراف قوات الأمن الفرنسية ومراقبين من الحكومة الإسبانية.

وفي كولومبيا، جرى تسليم أسلحة فارك إلى لجنة أنشأتها الأمم المتحدة، بعد أن تسبّبت هذه الأسلحة في مقتل ما يقارب 300 ألف شخص خلال فترة النزاع. وأعلنت اللجنة أن تلك الأسلحة أُخرجت من الخدمة تمامًا، بل إن الحكومة الكولومبية صهرت بعضها وصنعت منها تماثيل رمزية.

لأول مرة.. الأسلحة ستحترق

لكن هذه المرة، ستجري الأمور في تركيا بطريقة مختلفة عن كل تجارب التنظيمات المسلحة السابقة. فحزب العمال الكردستاني، وبعد محادثات استمرت قرابة عام مع الجمهورية التركية، قرر التخلي عن السلاح بطريقة مفاجئة: بالحرق. لن تُسلّم الأسلحة إلى الدولة، ولا إلى لجنة، ولا إلى الأمم المتحدة، بل ستُحرق.

إعلان

في يوم الجمعة 11 يوليو/ تموز 2025، سيغادر عدد من مقاتلي الحزب الجبال ويتوجهون إلى ساحة قريبة من مدينة السليمانية في شمال العراق، وهناك سيحرقون أسلحتهم أمام وسائل الإعلام الدولية، ومجموعة من الأكاديميين والمفكرين والسياسيين، إضافةً إلى مسؤولين رسميين من تركيا.

ولا يُتوقع أن يكون عدد عناصر الحزب المشاركين في هذه الخطوة كبيرًا؛ ربما يتراوح عددهم بين 30 و40 شخصًا. لكن يُفترض أن تتوالى الخطوات في الأيام التالية إذا لم تطرأ عوائق.

هذه الطريقة التي لم تُجرّب من قبل ستكون، كما يبدو، سابقة لافتة في تاريخ الحركات المسلحة.

لماذا يضع الحزب السلاح؟

كانت المحادثات الأولى بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بشأن وقف القتال قد جرت بين عامي 2013 و2015، لكن ذلك المسار فشل، واستأنف الحزب نشاطه المسلح. وقد عُرفت تلك المرحلة باسم "عملية الحل"، لكنها قوبلت بانتقادات شديدة في تركيا، وتسببت بصدمات مجتمعية.

لذلك، فإن المحاولة الثانية لوقف القتال واجهت اعتراضات حادة من الرأي العام والأوساط السياسية، وتوقع كثيرون فشلها مجددًا. وأظهرت الاستطلاعات أن 15% فقط من الشعب كانوا يدعمون هذه المحاولة.

بيدَ أن تأييد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي للمسار الثاني – بعدما عارض الأول بشدة – إضافةً إلى تغيّر معادلات الأمن الإقليمي والجيوستراتيجية، قلبا الموازين.

تحوّلات في الأمن والجغرافيا السياسية

يمكن القول إن دعم حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية هذا المسار أسهم في انطلاق المحاولة الثانية للتخلي عن السلاح، غير أن السبب الجوهري هو التبدّل في معادلة الأمن الإقليمي.

فقد غيّرت القوات المسلحة التركية مفهومها لمكافحة الإرهاب، فحقق الجيش تفوقًا كبيرًا بفضل تقنيات الطائرات المسيّرة وأنظمة المراقبة المتقدمة.

ومع مرور الوقت، فقد حزب العمال الكردستاني قدرته على تنفيذ عمليات داخل تركيا. ولم يكتفِ الجيش بذلك، بل أطلق عمليات عسكرية داخل العراق، وشكّل شريطًا أمنيًا بعمق 50 كيلومترًا من الحدود، ما كبّد الحزب خسائر فادحة ومنعه من تنفيذ هجمات داخل تركيا.

وفي الجانب الجيوسياسي، أعادت حرب غزة والاشتباك الإيراني-الإسرائيلي ترتيب أوراق المنطقة لمصلحة تركيا. تراجعت مكانة إيران، التي كانت تُعدّ من داعمي الحزب في شمال العراق. أما الحكومة السورية الجديدة، فبدأت بالتقارب مع تركيا، ما قلّص من تحركات الحزب في سوريا.

وعززت حكومة السوداني في العراق، والإدارة الكردية بقيادة البارزاني علاقاتهما مع أنقرة، ما جعل الحزب في وضع حرج للغاية. ومع رغبة الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا، بات وجود حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب (YPG) أكثر هشاشة.

لهذا، فإن الحزب – وإن بدا أنه يختار مسار السلام – أُجبر فعليًا عليه. لقد مُنح تنظيم منهار عسكريًا فرصة للخروج المشرف. وتسعى الدولة التركية لأن تنهي الحزب سياسيًا واجتماعيًا أيضًا، كما جرى مع فارك في كولومبيا، حتى لا تعود الحرب مرة أخرى.

ويُذكر أن نسبة التأييد لهذه المرحلة في تركيا وصلت الآن إلى 60%. وإذا ما ألقى الحزب سلاحه حقًا، فإن الأثر الاقتصادي والاجتماعي على البلاد سيكون بالغًا.

إعلان

سنتابع هذا المسار..

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق