الأقمار الاصطناعية تروي القصة الكاملة لجفاف سدود العراق - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في ساعات قليلة، تحولت لقطات التقطها راعي أغنام لبحيرة جافة وأرض متشققة إلى مادة مشتعلة على منصات التواصل، تزعم أن أكبر سد في العراق، ورابع أكبر سد في الشرق الأوسط، يواجه كارثة غير مسبوقة.

المقطع الذي التقطته عدسة راعي أغنام، أظهر مساحات متشققة وأرضا جرداء، ورافقته عبارات مثيرة للذعر من قبيل: "الجفاف يسود تماما" و"انخفاض مخزون المياه ينذر بكارثة كبرى" و"أيام سوداء بانتظار العراق".

عشرات الآلاف شاهدوا المقطع، الإعلام المحلي انخرط في التحذير، والقلق تسلل إلى الشارع.

لكن، هل تجسد هذه الصور حقيقة ما يحدث في سد الموصل، أم إن خلفها حكاية أخرى أبعد من عدسة الهاتف؟ في هذا التحقيق، تتبع فريق "الجزيرة تحقق" خيوط القصة منذ لحظة انتشار المقطع، بحثا عن مصدره وموقعه الفعلي، محللا صور الأقمار الاصطناعية، ومفككا الرواية التي أشعلت موجة الذعر في العراق خلال ساعات قليلة.

بداية القصة

في 12 أغسطس/آب الجاري، اجتاحت منصات التواصل مشاهد زُعم أنها توثق جفافا حادا في سد الموصل، الواقع على بعد نحو 40 كيلومترا شمال المدينة، والذي يعد مصدرا حيويا للمياه والكهرباء لأكثر من مليون عراقي.

المقاطع التي نشرها ناشطون وحسابات موثقة على منصة "إكس" حصدت عشرات آلاف المشاهدات، وأرفقت بتحذيرات من "وضع خطير" ودعوات عاجلة للسلطات للتحرك قبل وقوع "كارثة لا تحتمل".

 

ولم يقف الأمر عند حدود تفاعل المدونين، إذ خصصت قنوات ووسائل إعلام عراقية تقارير تحذيرية تحدثت عن تقلص مساحات بحيرة السد وتحول أجزاء منها إلى أرض جافة، واصفة ما يحدث بأنه خطر بيئي وشيك قد يهدد مستقبل المنطقة.

 

الحقيقة

تتبع فريق "الجزيرة تحقق" مسار الفيديو المتداول، ليتبين أن المشاهد لا تعود إلى سد الموصل، بل صُوّرت في منطقة قريبة جغرافيا من حدود محافظة السليمانية، ضمن إقليم كردستان العراق، وتتبع إداريا لمحافظة كركوك.

 

وبالمقارنة مع لقطات أرشيفية تعود لشهر أبريل/نيسان 2023، تبين أن الموقع هو سد قادر كرم الذي يواجه جفافا غير مسبوق.

لقطات أرشيفية لسد قادر كرم 2023 (منصات التواصل)
لقطات أرشيفية لسد قادر كرم في 2023 (منصات التواصل)

 

البحث العكسي كشف أن المقطع نشر أول مرة على حساب راعي أغنام في "تيك توك" بتاريخ 25 يوليو/تموز الماضي، قبل أن يتداول على نطاق واسع باعتباره من سد الموصل.

@jbeh8h

#متابعه_ولايك_واكسبلور_فضلا_ليس_امر #عادت_نشر???? #مشاهير_تيك_توك #????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????????

♬ الصوت الأصلي – دكتور أمجد هزاع

 

صور حديثة نشرت في 6 أغسطس/آب الجاري، أظهرت الانخفاض الحاد في منسوب المياه في المنطقة، وتأثيره المباشر على المزارعين ورعاة الأغنام المحليين.

 

صور الأقمار الاصطناعية تؤكد الكارثة

كشف تحليل لصور أقمار اصطناعية حصلت عليها "الجزيرة تحقق" عن حالة واسعة من الجفاف في بحيرة سد قادر كرم خلال أغسطس/آب الجاري مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

بحيرة سد قادر كرم 8 أغسطس 2025 (سينتنال)
بحيرة سد قادر كرم في 8 أغسطس/آب 2024 (سينتنال)

 

بحيرة سد قادر كرم 10 أغسطس 2025 (سينتنال)
بحيرة سد قادر كرم في 10 أغسطس/آب 2025 (سينتنال)

 

كما أظهرت صور أخرى ملتقطة في 10 أغسطس/آب الجاري انخفاضا ملحوظا في منسوب المياه في سد الموصل ذاته، مقارنة بصور 8 أغسطس/آب 2024.

 

منسوب المياه في سد الموصل أغسطس 2024 (سينتنال)
منسوب المياه في سد الموصل في أغسطس/آب 2024 (سينتنال)

 

منسوب المياه في سد الموصل أغسطس 2025 (سينتنال)
منسوب المياه في سد الموصل في أغسطس/آب 2025 (سينتنال)

 

يشير تحليل صور الأقمار الصناعية إلى أن نحو 40% من المسطحات المائية في سد الموصل قد جفت، مع بروز مناطق واسعة من التربة، بما يعرف بظاهرة التصحر وينذر بتصحر وتغيرات جغرافية تؤثر على البيئة والأنشطة الاقتصادية للسكان المحيطين.

نفي رسمي

سارعت وزارة الموارد المائية العراقية إلى نفي صحة المقاطع المتداولة التي تزعم تعرض سد الموصل للجفاف، مؤكدة أن المشاهد التي تظهر أرضا متشققة حول منشأ خرساني لا تمت بصلة للسد أو خزانه، وأن موقعها غير معروف، وربما لا يكون داخل العراق أصلا.

إعلان

وفي بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، أوضحت الوزارة أنها نفذت مسحا ميدانيا امتد من بحيرة السد حتى محطة الضخ في مشروع ري الجزيرة الشمالي، على بعد أكثر من 40 كيلومترا شمال السد، ولم تعثر على أي تطابق مع الموقع الظاهر في المقاطع.

وأرفقت الوزارة توضيحها بمقطع مصور من محطة الضخ الرئيسية لمشروع ري الجزيرة الشمالي، يظهر مجرى نهر دجلة، في محاولة لطمأنة المواطنين ووضع حد للشائعات المتداولة.

 

 

أزمة جفاف تاريخية

هذه التطورات تأتي في ظل أزمة جفاف هي الأسوأ التي يشهدها العراق منذ أكثر من 90 عاما، وفق وزارة الموارد المائية التي وصفت عام 2025 بأنه الأكثر جفافا منذ 1933.

وأوضح المتحدث باسم الوزارة، خالد شمال، أن حجم الخزين الحالي في سد الموصل لا يتجاوز ثلث طاقته الاستيعابية، في حين يبلغ إيراده من نهر دجلة 228 مترا مكعبا في الثانية.

ويحذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن سد الموصل، الذي شيد في أوائل الثمانينيات على مجرى نهر دجلة، يواجه مخاطر بنيوية بسبب طبيعة الأرض أسفله، حيث تحتوي على طبقات جبسية سريعة الذوبان.

ووفق البرنامج، فإن انهيار السد قد يتسبب بموجة فيضان بارتفاع يصل إلى 45 مترا، تجتاح الموصل خلال ساعتين إلى 4 ساعات، مهددة حياة أكثر من نصف مليون شخص.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق