انتهت قمة ألاسكا بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين "بضجيجٍ هائل" رغم إقرارهما "بفشلهما" في التوصل إلى أي اتفاقات بشأن كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. وقد بدأت القمة بترحيب حار وتحليق جوي لطائرات صاخبة فوق قاعدة عسكرية أميركية في ولاية ألاسكا.
وبعد حوالي ساعتين ونصف الساعة من المحادثات في قاعدة "إلمندورف ريتشاردسون" المشتركة في أنكوريج، ظهر الرجلان أمام الصحفيين في مؤتمر صحفي مشترك، لكنهما لم يتلقيا أي أسئلة ولم يستمر أكثر من 15 دقيقة.
وبدت تصريحات ترامب وبوتين في المؤتمر قاصرة على التعليقات الدبلوماسية التقليدية، ولم تتضمن كلمتاهما أي نتائج ملموسة، ولم يُقدما أي اختلاف يُذكر عن تعليقاتهما السابقة بشأن الحرب في أوكرانيا.
وقال ترامب "لقد كان اجتماعا مثمرا للغاية، وتم الاتفاق على العديد من النقاط، ولم يتبق سوى القليل جدا. لم نصل إلى هناك، لكن لدينا فرصة جيدة جدا للوصول".
من جهته شكر بوتين ترامب على استضافة الاجتماع، واقترح ضاحكا أن تكون المرة القادمة التي يجتمع فيها الرجلان في موسكو، فقد قال ترامب "ربما أراك مجددا قريبا جدا"، فأجابه الرئيس الروسي باللغة الإنجليزية "المرة المقبلة في موسكو"، ورد عليه ترامب "هذا أمر مثير للاهتمام. سأتعرض لانتقادات لاذعة بسبب ذلك، لكنني أرى أنه ممكن الحدوث".

وأشاد بوتين بنبرة ترامب "الودية" التي اتسمت بها المحادثات، إذ لم يتحدث ترامب علنا عن مقتل مدنيين أوكرانيين في الهجمات الروسية، وأيضا لتفهمه "أن لروسيا مصالحها الوطنية الخاصة".
كما أشاد بوتين، الذي تحدث أولًا بعد انتهاء الاجتماع، بالعلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وروسيا (والاتحاد السوفياتي السابق)، متذكرا المهام المشتركة التي قام بها البلدان أثناء الحرب العالمية الثانية.
إعلان
وقال بوتين إنه ينبغي على موسكو وواشنطن "طي صفحة الماضي"، بعد أن وصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة.
وسعيا منه لاستمالة ترامب ومساعديه قال الرئيس الروسي إن الولايات المتحدة وروسيا لهما "قيم مشتركة"، كما أشار إلى أن ترامب كرر مرارا وتكرارا أن حرب أوكرانيا ما كانت لتحدث لو فاز في انتخابات 2020. وتابع الرئيس الروسي "أعتقد أن هذا كان سيحدث".
وقال بوتين "نأمل أن يمهد التفاهم الذي توصلنا إليه الطريق إلى السلام في أوكرانيا، ونتوقع أن تعي كييف والعواصم الأوروبية كل هذا بطريقة بنّاءة وألا تخلق أي عقبات". وحذرها أيضا من أي "محاولات لتعطيل التقدم الناشئ من خلال الاستفزازات أو المكائد الخفية".
دخول وخروج
كان ترامب قد دخل القمة قائلا إن هناك احتمالا بنسبة 25% لفشلها، وإنها كانت تهدف إلى أن تكون "اجتماعا تمهيديا"، وكان يأمل في إقناع بوتين بالموافقة على وقف إطلاق النار مع أوكرانيا، أو على الأقل الظفر بالتزام من روسيا بالدخول في مفاوضات للتوصل إلى اتفاق.
بدلًا من ذلك أقر ترامب بـ"أننا لم نصل إلى هناك تماما"، وقال إنه سيتشاور مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشأن الخطوات المقبلة.
وقال ترامب إنه وبوتين "أحرزا تقدمًا ملحوظًا نحو هدف إنهاء الصراع"، لكنه لم يُفصّل ما يستلزمه ذلك، واضطر للاعتراف بأنهما لم يتمكنا من سد فجوات جوهرية.
وأضاف ترامب "أعتقد أننا عقدنا اجتماعًا مثمرًا للغاية. لم نصل إلى هناك تمامًا، لكننا أحرزنا بعض التقدم. لذا، لا اتفاق حتى يتم التوصل إلى اتفاق".
وفي محادثة لاحقة مع قناة "فوكس نيوز"، لم يُقدّم ترامب أي تفاصيل أخرى حول مناقشاته مع بوتين.وقال للقناة الأميركية إن نصيحته إلى زيلنسكي هي أن يعقد صفقة.
وأوضح أنه ناقش مع بوتين قضايا عدة من بينها الضمانات الأمنية وتبادل الأراضي بين روسيا وأوكرانيا، وأكد أن الأطراف قريبة من إبرام اتفاق، لكنه شدد على أن قبول القرار سيعود لأوكرانيا في نهاية المطاف.

تفاؤل وتلاعب
ومن جهته قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إنه "فخور جدًا" بترامب "لعقده اجتماعًا وجهًا لوجه مع بوتين، لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إنهاء حمام الدم في أوكرانيا".
وأضاف غراهام أنه إذا عُقد بالفعل اجتماع ثلاثي بين ترمب وبوتين وزيلينسكي فإنه "متفائل بحذر بأن هذه الحرب ستنتهي قبل عيد الميلاد بكثير"، مضيفا أنه إذا لم يُعقد الاجتماع الثلاثي فإنه يعتقد أن ترمب قد يضطر لمعاقبة كل من يشترون النفط والغاز الروسيين بأسعار رخيصة.
وبدوره قال السيناتور الجمهوري تيد كروز إنه يريد أن تنتهي الحرب بطريقة تضمن ألا يكون بوتين أقوى ولا يُشكل تهديدًا أكبر للولايات المتحدة.
أما السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين فقال "يبدو أن بوتين تلاعب بترامب مرة أخرى، فلا وقف لإطلاق النار ولا يبدو أي لقاء وشيك بين بوتين وزيلنسكي ولا توجد احتمالات قريبة لتطبيق ترامب العقوبات التي هدد بها".
إشادة روسية
على الجانب الروسي وُصف ظهور بوتين في الولايات المتحدة لأول مرة منذ عشر سنوات بأنه "دليل على أن موسكو لم تعد منبوذة على الساحة العالمية".
إعلان
وفي منشورعلى مواقع التواصل الاجتماعي قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن الصحافة الغربية على وشك "فقدان صوابها".
وأضافت "لثلاث سنوات تحدثوا عن عزلة روسيا، واليوم رأوا السجادة الحمراء تُفرش لاستقبال الرئيس الروسي في الولايات المتحدة".
من جانبه قال المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، إن المحاثات التي جرت في ألاسكا بين بوتين وترامب "كانت إيجابية للغاية". وأضاف أن الحوار بينهما "يمهد لمواصلة المضي معا بثقة في مسار البحث عن سبل للتسوية".
وأشار إلى أن بوتين وترامب "قدما تصريحات شاملة عقب لقائهما ولذلك تقرر عدم تلقي أسئلة في المؤتمر الصحفي بين الرئيسين".
أما السفير الروسي لدى واشنطن، ألكسندر دارشيف، فتوقع أن "تعقد قريبا مشاورات جديدة بين روسيا والولايات المتحدة بشأن القضايا العالقة في العلاقات الثنائية".
حديث الفشل
على الجانب الآخر نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن عضو البرلمان الأوكراني أوليكساندر ميريزكو قوله إنه "لا يرى أي تغيير"، وأنه يعتقد أن الاجتماع بين ترامب وبوتين "قد فشل لأن بوتين عاد للحديث عن المخاوف الأمنية واستخدم خطابه المعتاد".
من جهته أعرب الرئيس السابق لمؤتمر ميونيخ للأمن، فولفغانغ إيشنغر، عن خيبة أمله إزاء قمة ألاسكا. وكتب على منصة إكس "لا تقدم حقيقيا -تعادل واضح لبوتين- لا عقوبات جديدة، بالنسبة للأوكرانيين: لا شيء، بالنسبة لأوروبا: خيبة أمل عميقة".
وقال "إن بوتين حظي بمعاملة ودية من ترامب، بينما لم يحصل ترامب على أي شيء في المقابل". وتابع "كما كان يُخشى، لا يوجد وقف لإطلاق النار ولا سلام".
0 تعليق