الرواية العربية في زمن الحروب.. أدب في مقاومة النسيان! - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

 

كتبت بديعة زيدان:

 

تعكس الحروب نفسها على الإبداع بما فيه الكتابة الروائية، خاصة لمن يعيشون في بلاد تنهشها الحروب أو غادروها إلى المنافي.. في هذا الملف كانت لـ"أيام الثقافة"، حواريّات قصيرة مع نخبة من الروائيات والروائيين العرب، محورها سؤال مفاده: برأيك كيف تنعكس الحروب في المنطقة على الإنتاجات الروائية للمبدعين العرب في أوطانهم أو في المنافي؟

 

وسيلة لمقاومة النسيان

الروائي العراقي أزهر جرجيس، لفت إلى أن "الحرب ليست حدثاً عابراً، بل تجربة وجودية قاسية من شأنها أن تغيّر نظرة الإنسان للعالم من حوله"، وأن "هذا لا شك ينعكس على الأدب بشكل عام، والرواية بشكل خاص، كونها الفن الأكثر وضوحاً في التعبير عما حدث ويحدث".
وأكد جرجيس: أمست الرواية في بلدان الحرب مثقلة بالوجع والمأساة، وأمسى دويّ المدافع يسمع في خلفية الأحداث.. بالنسبة لنا، في العراق، شهدت الرواية تحولات جوهرية في البنية السردية، فصار الزمن في الرواية متشظياً، واللغة مشحونة بالرمز، والشخصيات في حالة بحث دائم عن المعنى وسط الخراب، كما أدى النزوح والهجرة القسرية بسبب الحروب المتعاقبة إلى بروز صوت روائي في المنفى، يحمل همّ الوطن الممزق ويحاول أن يعيد بناءه بالكلمات، فصار الكاتب في الشتات كائناً مزدوج الانتماء، يعكس في رواياته حنيناً لا ينطفئ وقلقاً لا ينتهي.
وختم: بشكل عام، فإن الروائي العراقي وجد في السرد وسيلة لمقاومة النسيان، ونافذة يطل من خلالها على الألم الذي خلّفته الحروب المتعاقبة، سواء كان مواطناً في الداخل أو مهاجراً يقيم في بلدان الشتات.. من ناحية أخرى، أثّرت الظروف المادية والسياسية على حركة النشر والتوزيع داخل العراق، ما صعّب على الروائيين الوصول إلى جمهور واسع، ومع ذلك برزت أعمال استطاعت أن تتجاوز هذه القيود، وأن تُقرأ على نطاق عربي وعالمي.، لكن أبرز ما يمكن ملاحظته هو أن الحرب، رغم قسوتها، دفعت الرواية إلى مناطق جديدة من التعبير والابتكار، وأنتجت جيلاً من الروائيين الذين استخدموا أدواتهم الفنية بجرأة لتوثيق المأساة، وتحويلها إلى أدب مقاوم للنسيان.

 

ما بين الزبد وما ينفع الناس

الروائي الفلسطيني السوري تيسير خلف وجد أنه "ليس غريباً أن تهيمن مواضيع مرتبطة بالحرب على الأعمال الروائية العربية خلال السنوات الأخيرة، فهي نتيجة منطقية لاشتعال منطقتنا بأنواع شتى من الحروب الأهلية والصراع على السلطة، فالأدب الروائي انعكاس للمجتمعات وأفكارها وتصوراتها وأسئلتها"، مشدداً على أن "الأمر هنا لا يتعلق بالموضوع ذاته، فالموضوع عنصر من عناصر عديدة تساهم في تشكيل النص الروائي، وليس العنصر الأهم".
"أعتقد أن المعيار هنا هو السرد، هل نجح في تحويل الموضوع الإخباري إلى نص إبداعي؟ ثمة كتَّاب يعتقدون أن الغرابة أو الفجاجة يمكنهما أن يحملا النص الأدبي، وهذا خطأ كبير، وقع فيه وللأسف الشديد كتّاب من أصحاب التجربة.. غرابة موضوع ما مثلاً عن الحرب السورية، على الرغم من إغراء الحالة وسورياليتها، أوقع بعضهم بفخ الاستسهال، فوقع نصه بالركاكة.. ركاكة على مستوى تركيب الفكرة، وركاكة لغوية.. إن كانت الفكرة عادية فلن تتحول إلى نص إبداعي بلغة ركيكة، ينبغي أن تحلّق اللغة بالفكرة أياً كانت.
ووجد صاحب "المسيح الأندلسي" أن موضوع الحرب ونتائجها مغرٍ للكاتب والقارئ، وفي الوقت نفسه فخ، فما زاد عن حده انقلب إلى ضده، واستمرار الإلحاح على هذا الموضوع من جانب الكتاب، من دون تقديم حلول إبداعية وكشوفات لغوية، وهكذا يمكن أن يتحول السرد إلى نوع من الاستجداء الذي يسيء للكاتب وللأدب وللقارئ، ولكن رغم ذلك يمكن أن نرى بين هذا الركام أعمالاً إبداعية غاية في الرقي لا تخطئها العين.
وخلص خلف إلى القول: عموماً، نتجت عن حروب العقدين الأخيرين في منطقتنا العربية عشرات وربما مئات الأعمال الروائية، بقي منها القليل، وذهب الكثير أدراج الرياح، وهذا هو منطق الحياة الذي عبرت عنه الآية الكريمة بإيجاز شديد ينبغي أن يُدّس في مدرسة البلاغة "فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ".

 

منفسٌ فنيّ وذكي

الروائية السورية ريما بالي أشارت إلى أن "الرواية ببساطة سرد لقصة حدثت ضمن فضاء معين لمناقشة قضية ما.. في حالات خاصة، قد يستعير الروائيون فضاءات خيالية لأحداث رواياتهم، ولكن في الغالب، يستعمل الروائي الفضاء نفسه الذي يعيش فيه لصياغة عمله، وحين يكون هذا الفضاء ملوثاً بدخان القذائف والقنابل ورائحة البارود والدم، فإن فضاء الرواية سيتلوّث تلقائياً، لنجد انعكاسات الحرب وبصماتها واضحة جلية في النص مهما كانت ثيمته".
وأضافت بالي: الحروب التي تشتعل في عالمنا العربي وتشعله، لها انعكاسات مهمة في الأدب عامة وفي الرواية بشكل خاص، وأستطيع أن أميز طريقتين تظهر فيها تلك الانعكاسات: الأولى تلقائية وغير متعمدة، تفرض نفسها كخلفية لأحداث أي رواية معاصرة، إذ من المستحيل أن نكتب نصّاً يناقش قضية (أي قضية) تتعلق بفلسطين مثلاً أو بأي إنسان فلسطيني، سوري، لبناني، عراقي، ويمني.. تدور وقائعها في الحقبة الحالية، دون أن نتطرق بشكل أو بآخر إلى مخلّفات الحرب وتأثيرها في الإطار الخارجي العام وسير الأحداث أو رسم الشخصيات وتصميم مساراتها، أما الطريقة الثانية، فتكون متعمدة ومقصودة، إذ يلجأ الكاتب إلى اعتماد الحرب كثيمة أساسية لنصه.
وشددت صاحبة "خاتم سليمى" على أن "بعض تلك النصوص تكون بغرض التأريخ، والبعض الآخر لرغبة الكاتب بطرح أسئلة وأفكار لا يسعه التعبير عنها بشكل مباشر في ظل القمع الذي تمارسه الأنظمة الدكتاتورية، فتكون الرواية منفذاً فنيّاً وذكيّاً للتنفيس وإيصال الرسالة.
وختمت: بالنسبة لي، الحرب التي اندلعت في سورية شكّلت الدافع الأساسي لعودتي إلى الكتابة بعد انقطاع، وللكتابة بهدف النشر، لأن الرواية بدت الوسيلة الوحيدة للبوح بكل الأفكار والمشاعر التي اختزنتها خلال سنوات الثورة والحرب، ولم أقوَ على التصريح بها بشكل مباشر، أو بتعبير أدق لم يسمح لي.. وما عدا روايتي الأولى التي كانت الحرب ثيمتها الرئيسة، ثمّة بصمات واضحة للحرب في كل أعمالي الأخرى على اختلاف القضايا التي طُرحت فيها، إذ ظهرت بشكل غير متعمد كثيمة جانبية، لكن مهمة.

 

روائيون بقدرات إبداعية خارقة

وأكد الروائي والقاص الفلسطيني محمود شقير على أن "الحرب من أهم الموضوعات التي ينشغل بها الأدب بكل أجناسه والفن بكل تجلياته، وهي من الموضوعات الأثيرة التي تنشغل بها الرواية"، مضيفاً: فيما يخص البلدان العربية وفلسطين بشكل خاص، فقد شهد القرن العشرون وسنوات القرن الواحد والعشرين التي انقضت حتى الآن حروباً استعمارية وأخرى أهلية، وثورات شعبية وانقلابات وغزوات مسلحة استهدفت الأرض العربية والفلسطينية مثلما استهدفت شعوب هذه البلدان، بحيث عانت فلسطين، وما زالت تعاني، من الغزوة الصهيونية المدعومة من دول الاستعمار الغربي، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، وما يجري الآن من حرب إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية يشكل ذروة غير مسبوقة في الإجرام، إلى الحدّ الذي يحتاج إلى روائيين ذوي قدرات إبداعية خارقة للتعبير عمّا يحدث الآن.
وأضاف شقير: بالطبع، لا يمكن إنكار أن الإبداع الروائي العربي، ومن ضمنه الفلسطيني، لم يتخلّف عن رصد ويلات الحرب وشرورها في مختلف الساحات، ولربما لم نشهد روايات مقاومة منشغلة مباشرة في الشأن العسكري، أو في محاصرة ضباط العدو بالصمت وبعدم التعاطي معهم، كما هي الحال في رواية "صمت البحر" للفرنسي جان برولير (فيركور) الذي كان منتسباً للمقاومة السرية الفرنسية ضد الاحتلال الألماني، وكما هي الحال في الروايات السوفياتية التي تحدثت بشكل مباشر عن بطولات الأنصار في الحرب العالمية الثانية.. في المقابل، فإن الرواية العربية ومن ضمنها الرواية الفلسطينية ذهبت على نحو غير مباشر إلى ما هو أعمق وأبقى، فثمة روايات متميزة منشغلة برصد الآثار الاجتماعية والنفسية للحرب، كروايات غسان كنفاني مثلاً، وفيها إدانة بأسلوب غير مباشر للممارسات العنصرية الدموية التي اقترفها ويقترفها العدو الاستعماري ضد الشعوب العربية، ومن ضمنها الشعب الفلسطيني الذي عانى وما زال يعاني من الغزوة الصهيونية.

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق