يعود الممثل الأميركي ذو الأصول المصرية "رامي مالك" إلى شاشات العرض السينمائية بدور البطولة في الفيلم الأميركي "الهاوي" (The Amateur)، وهو فيلم تشويق وإثارة وجاسوسية تدور أحداثه في أروقة المخابرات الأميركية.
"الهاوي" من إخراج جيمس هووس، وتأليف: جاري سبينيللي وكين نولان، ومقتبس عن رواية بالاسم ذاته نُشرت عام 1981. ويُشارك رامي مالك البطولة كل من كايتريونا بالفين، وهولت ماكالاني، وراشيل بروسنان، وجوليان نيكولسون.
موت البطل الأميركي
"الهاوي" فيلم انتقام وجاسوسية وتشويق وإثارة، يعود فيه رامي مالك إلى شخصية تشبه إلى حد ما شخصيته في مسلسل "مستر روبوت" (Mr. Robot)، الذي يُعتبر من أفضل وأشهر أعماله. في هذا الفيلم، يلعب دور تشارلي، الذي يعمل في مجال تقني معقد يتعلق بالشفرات في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ويعيش حياة هادئة ومريحة مع زوجته في منزل في الضواحي.
تختل حياته المثالية عندما يفقد أهم ما فيها، بمقتل زوجته على يد مجموعة إجرامية في لندن، فيبدأ في محاولة الانتقام من خلال الوكالة التي يعمل معها، والتي من المفترض أن تحميه وتحمي الشعب الأميركي بأسره، لكنه يكتشف أن ليس كل الشعارات تتحقق، لذا يبدأ باستخدام مهاراته الشخصية لاستعادة حقه.
إعلان
"الهاوي" فيلم جاسوسية وإثارة مع بطل غير تقليدي، بطل لا يمتلك عضلات ضخمة أو يستعمل الأسلحة بأنواعها، بل هو رجل يعتمد في النهاية على استخدام الحاسوب والتكنولوجيا لحل مشاكله وتحقيق انتقامه.
لا يفخر هذا البطل بجموده وعدم تعلقه بالآخرين؛ بل على العكس، يُعَدّ الارتباط العاطفي هو الدافع الرئيسي لأفعاله في الفيلم. يمتلك تشارلي دافعا قويا للتغيير، وعندما يواجه التحديات، يتصرف مثل أي شخص لديه خيارات ضئيلة، حيث يبدأ في البحث عن نقاط القوة لديه واستغلالها. وهذه الشخصية غير التقليدية من أهم مزايا الفيلم، إذ كان بالإمكان بسهولة أن يقع الفيلم في فخ الحبكات التجارية الأميركية التي تقدم موضوع الانتقام والعدالة التي يتم تحقيقها بعيدا عن النظام القانوني للبلاد.
بَيد أن النقطة الأهم في الفيلم هي أن البطل هنا لا يقاتل من أجل رفع شأن أميركا، بل من أجل نفسه، محاولًا معالجة شعوره بالظلم ورغبة الانتقام. وعلى الناحية الأخرى، نجد هناك نقدا واضحا للسلطات الأميركية التي تقوم بعمليات غير قانونية باستخدام عملاء من جنسيات أخرى يؤثّرون بها على الأوضاع العالمية بعيدا عن التعقيدات السياسية.
فالبطل تشارلي يكتشف خلال بحثه عن الانتقام أن مديره المباشر في العمل يستخدم نفس قتلة زوجته في عمليات لصالح المخابرات الأميركية وسياساتها، لكنها لا تحمل اسمها ولا يستعين خلالها بعملاء المخابرات، ليحاول الفيلم تقديم رؤية متوازنة بعيدة عن الدعاية الأميركية التي عظّمت على مدار السنوات السياسات الأميركية وأجهزتها الأمنية كحامية ليس فقط للولايات المتحدة وإنما للعالم أجمع.
إعلان
عندما يقابل الانتقام التكنولوجيا
ثيمة انتقام البطل لموت أحد أحبائه واستغلاله مهاراته المختلفة، سواء كانت قتالية أو حتى مستوى ذكائه المرتفع، ليست مستجدّة على السينما بشكل عام، والسينما الأميركية بشكل خاص، الأمر الذي عابه النقاد على فيلم "الهاوي" باعتباره يتبع "فورمات" أو صيغة متكررة إلى حد كبير. غير أنه يُحدث في هذه الصيغة بضعة تغييرات ضئيلة تُساهم في إضفاء بعض الاختلاف على الحبكة التي هي إلى حد كبير مكررة.
تتمثل أهم هذه التغييرات في شخصية البطل؛ فهي مدروسة ومبتكرة، سواء من حيث إمكانياته، وردود أفعاله، والقدرات التي يمكنه اكتسابها واستغلالها لتحقيق أهدافه. لم يحاول الفيلم السخرية من البطل أو تقديمه بشكل كوميدي لشخص معدوم القدرات كما يحدث في أفلام مشابهة، الأمر الذي يستحق الاحترام.
ويقدم "الهاوي" شخصية جاكسون أو "الدب" (جون بيرنثال) الذي يعمل مع تشارلي في وكالة الاستخبارات المركزية، وهو رجل قوي وطويل، ويقوم بمهام رائعة، ويتحدث بعدة لغات، وذلك لتوضيح التناقض بين بطل الفيلم وهذه الشخصية التي عادة ما ستكون بطل الفيلم.
تُستَخدم التكنولوجيا في فيلم "الهاوي" كسلاح ذي بعد أخلاقي كبير، فالبطل لا يستطيع القتل باستخدام الأسلحة العادية التي تتطلب التحامًا جسديًا أو اتخاذ قرار بالعنف في لحظة. لكنه يستطيع استخدام معارفه التكنولوجية للانتقام، مما يؤدي إلى نفس النتيجة، أي وفاة خصمه في النهاية، لكن التكنولوجيا هنا تخلق مسافة بينه وبين الضحية وتمنع الالتحام الجسدي. ليُلقي الفيلم الضوء بأسلوب مختلف على الهلع العالمي من التكنولوجيا، ذلك الهلع الذي قد يكون مستحقًا في بعض الأوقات. فنجد البطل في أحد المشاهد يستعين بفيديو عادي على منصة يوتيوب لمساعدته في فتح قفل أحد الأبواب، وفي مشهد آخر يخترع قنبلة تودي بحياة شخص فقط باستخدام عدة مكونات بسيطة، ليحل بذلك معضلته في بداية الفيلم عندما حاول تعلم إطلاق الرصاص بشكل تقليدي للتخلص من خصومه.
يؤدي رامي مالك في "الهاوي" أداءً أفضل مما قدمه مؤخرًا، وحتى بالمقارنة مع "الملحمة البوهيمية" (Bohemian Rhapsody) الذي فاز عنه بجائزة الأوسكار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الشخصية المكتوبة بشكل جيد، والتي تتناسب مع أسلوبه في التمثيل الذي يميل إلى الهدوء الشديد في التعبير عن مشاعره المختلفة، فيبدو مفتعِلًا وأحيانًا مبتذلًا في الأدوار التي تتطلب أداءً صاخبًا.
إعلان
فيلم "الهاوي" ملائم للغاية لمن يرغب في مشاهدة فيلم مسلٍّ لمدة ساعتين، عمل يشبه أفلام وكالة الاستخبارات المركزية الأخرى، لكنه ليس مشابها لها كثيرا، الأمر الذي يضفي عليه جانبا من التجديد الذي تحتاجه هذه الأفلام.
0 تعليق