عاجل

زيارة فارقة بزمن التحولات.. ترامب في لحظة مفصلية حاسمة - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في عالم تتسارع فيه التغيرات الجيوسياسية وتتشابك فيه الأزمات الإقليمية والدولية، تبرز بعض اللحظات كعلامات فارقة في تشكيل التوازنات الجديدة. 

ومن بين هذه اللحظات، تأتي الزيارة الثانية لـ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مستهل جولته الخارجية، لتشكل دلالة رمزية واستراتيجية عميقة تتجاوز الأبعاد البروتوكولية المعتادة.

ففي ظل حرب أوكرانيا، وتداعيات حرب غزة، والتوتر الإيراني الإسرائيلي، اختار ترامب أن يفتتح جولته من الرياض، في خطوة تؤكد أن التحالف الأميركي السعودي يدخل مرحلة جديدة من "الشراكة على قدم المساواة"، وتعيد رسم خارطة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
f943d9e0-2fcd-11f0-8_825_042802.jpg

إعادة تموضع الولايات المتحدة في المنطقة

يرى الدبلوماسي الأميركي السابق ألبرتو فرنانديز أن زيارة ترامب تعكس "اعترافا أميركيا صريحا بالدور القيادي الجديد للمملكة في المنطقة والعالم"، مؤكدًا في حديثه لقناة "سكاي نيوز عربية" أن السعودية لم تعد مجرد شريك إقليمي، بل أصبحت دولة ذات ثقل عالمي في ملفات حيوية تشمل الطاقة، والأمن، والتكنولوجيا، والتسويات الدولية.

ويشير فرنانديز إلى المفارقة اللافتة بين سياسة إدارة الرئيس جو بايدن التي بدأت بحملة تشكيك تجاه المملكة، وانتهت بإعادة تطبيع العلاقات، وبين نهج ترامب القائم على توطيد مباشر للشراكة مع الرياض استنادًا إلى الثقة والتفاهم العميق.

ويضيف: "بالنسبة لترامب، السعودية شريك ثابت في منطقة تشهد اضطرابات غير مسبوقة، في وقت تبقى فيه كل من إسرائيل وإيران في موقع التذبذب وعدم اليقين".

هذه الرؤية تعكس تحولًا كبيرًا في التفكير الأميركي تجاه المنطقة، حيث تخلّت واشنطن عن نهج الإملاءات المباشرة، وانتقلت إلى استراتيجية الاعتماد على شركاء إقليميين يتمتعون بالقدرة والحكمة لإدارة الملفات المعقدة.

رؤية سعودية لعمق التحول الأميركي

الصحفي السعودي جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة "عكاظ"، يقدم قراءة دقيقة من الداخل السعودي، مؤكدًا أن زيارة ترامب "ليست فقط تاريخية، بل تمثل نقطة انعطاف كبرى في مسار العلاقات السعودية الأميركية".

وأشار إلى أن اختيار الرياض كمحطة أولى للرئيس الأميركي في ولايته الأولى، ثم إعادة انتخابه، وتكرار نفس المسار، يعكس شراكة استراتيجية متجذرة تمتد لأكثر من 80 عامًا، لكنها اليوم تدخل مرحلة جديدة من التكافؤ والنضج.

ويشدد الذيابي على أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية التي تقودها السعودية، إلى جانب سياسة "صفر مشاكل" والانفتاح على الملفات الشائكة مثل إيران وغزة، عززت من موقع المملكة كقوة صاعدة إقليميًا ودوليًا.

ويرى أن بعض الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة باتوا يشكلون عبئًا استراتيجيًا عليها، في إشارة واضحة إلى إسرائيل، مؤكدًا أن السعودية تضع شروطًا صريحة لأي اتفاق تطبيع، وفي مقدمتها حل الدولتين وضمان الحقوق الفلسطينية.

ملفات استراتيجية ساخنة على طاولة الرياض وواشنطن

زيارة ترامب إلى المملكة لا تأتي في إطار بروتوكولي بل تتضمن حزمة من الملفات الحيوية، أبرزها:

1- الملف النووي الإيراني: تلعب السعودية اليوم دورًا مزدوجًا في هذا الملف، بين الضغط السياسي على طهران، والانخراط في مسارات دبلوماسية. وقد أشار الذيابي إلى زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران، باعتبارها مؤشرا على قدرة المملكة على الجمع بين الحزم والانفتاح.

2- حرب غزة وملف التطبيع: ترامب يسعى، بحسب محللين، إلى إعادة إحياء رؤيته للسلام في الشرق الأوسط القائم على "السلام الاقتصادي"، لكن السعودية ترفض القفز على الحقوق الفلسطينية، وتربط أي تقدم في ملف التطبيع بوقف العدوان والاعتراف بحدود 1967.

3- التحول الاقتصادي والتكنولوجي: بحسب فرنانديز، أصبحت السعودية محورًا اقتصاديًا واستثماريًا عالميًا، وتستعد لاستضافة اتفاقيات كبرى خلال المنتدى الاستثماري في الرياض، مما يعكس دخول العلاقة الثنائية مرحلة جديدة تقوم على الاقتصاد والتكنولوجيا كركيزتين رئيسيتين.

من الدفاع إلى المبادرة

أحد أبرز ملامح التحول الذي تشير إليه هذه الزيارة هو انتقال السعودية من موقع الدفاع إلى دور القيادة والمبادرة.

فولي العهد الأمير محمد بن سلمان أعلن سابقًا أن "الشرق الأوسط سيصبح أوروبا جديدة"، ويبدو أن هذا الطموح بدأ يلقى صدى في مراكز صناعة القرار الأميركية، كما يلاحظ فرنانديز، الذي يؤكد أن "هناك جاذبية متزايدة للنموذج السعودي في واشنطن".

في السياق ذاته، يشير الذيابي إلى أن المملكة لم تعد تتحدث بمنطق المطالب، بل بلغة الشروط، خصوصًا في ملف التطبيع والقضية الفلسطينية، وهو ما يمنحها ثقلاً تفاوضيًا غير مسبوق، ويؤكد مكانتها كقوة إقليمية مستقلة لها مشروعها ورؤيتها.

واختيار الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية كنقطة انطلاق لجولته الخارجية الثانية لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل يعكس توجهًا استراتيجيًا أميركيًا نحو إعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط.

الرياض، التي كانت تاريخيًا شريكًا استراتيجيًا لواشنطن، تثبت اليوم أنها أصبحت شريكًا عالميًا قادرًا على التأثير في التوازنات الدولية من بوابة الطاقة والأمن والاقتصاد والسياسة.

في عالم يعاد تشكيله من جديد، وفي منطقة تعيش لحظة تحول استثنائية، تأتي زيارة ترامب كعنوان لمرحلة جديدة في العلاقات السعودية الأميركية، تقوم على الثقة المتبادلة، والمصالح المشتركة، والشراكة المتوازنة.

إنها لحظة فارقة، قد تشكل نواة "شرق أوسط جديد" تقوده الرياض بثقة، ويعيد فيه ترامب التموضع الأميركي من قلب التحالف مع أقوى حلفائه في المنطقة.

وفي سياق التفاعلات المتسارعة التي يشهدها المشهد الإقليمي والدولي، وما يصدر من مواقف وتصريحات عن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لا سيما تلك المتعلقة بقضايا تمس مصالح الشرق الأوسط ، أكد الدكتور طارق فهمي، على أهمية زيارة الرئيس ترامب إلى منطقة الخليج، والتي بأت اليوم بوصوله للسعودية، وتليها قطر والإمارات، مشيرًا إلى أن "دول الخليج تمتلك أوراق ضغط حقيقية يمكن توظيفها في التعامل مع الإدارة الأميركية، إذا ما أُحسن استغلالها".

وأضاف في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن مصر لها مكانة في الاستراتيجية الأمريكية، مشددًا على أن مصر ليست فقط حليفًا إقليميًا، بل دولة محورية في ملفات الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والتوازنات الجيوسياسية.

وأوضح أن "الرئيس ترامب لم يكتب حتى الآن استراتيجية متكاملة للسياسة الخارجية، ومع ذلك فهو يملك بصفته رئيسًا أدوات تنفيذية وصلاحيات فيدرالية مهمة، ويعلم تمامًا طبيعة الشراكة القائمة مع مصر، ويُدرك جيدًا مع من يتعامل".

ويرى فهمي أن لهذه الزيارة أهمية بالغة من منظور استراتيجي، إذ إنها تُعد فرصة حقيقية لإعادة صياغة التفاهمات السياسية والاقتصادية بين الجانبين، وفتح آفاق جديدة للتعاون في ملفات تتراوح بين الأمن الإقليمي والطاقة والاستثمار.

وأكد فهمي أن هذه الزيارة قد تتيح بناء شراكات قائمة على التوازن والمصالح المتبادلة، بما يعزز من استقرار المنطقة ويعيد رسم معادلات النفوذ فيها بطريقة أكثر عقلانية وتشاركية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق