ما رآه اليوم من تغيير طال القيم التي تربى عليها أهل الكويت، وبروز ظواهر دخيلة لم تكن تعرفها كويت الأمس، كان الدافع القوي لعودة الكاتب موسى معرفي عشرات السنين إلى الوراء باحثاً عن الفرجان، ومتنقلاً بين السكيك يقف وراء دكان، يزور ديوانية يشم عبق الأهل؛ ليستعيد تلك القيم التي تعلمها من أهله ورجالات الكويت القدماء، عنوانها الصدق والمحبة، وسقفها وحدة تجمع كل مَن عاش في ذلك الزمان من جميع الأطياف، فالكويت هي أم الجميع. موسى معرفي يجول في ذكريات كويت الخمسينيات والستينيات، ويقلب صفحات يأتي فيها على قصص وأحداث أبطالها شخصيات حملت صفة الريادة، كما جاء في تقديم المهندس نادر معرفي، لذلك كان له التحية مرتين؛ الأولى لمسيرته الرائدة وعمله الوطني، والأخرى لإصداره هذا المؤلف الملهم للأجيال، والذي يحفظ ذكريات زمن نتحسر عليه. كتاب «خواطر الزمن الجميل» أراده أن يكون صرخة في وجدان كويت اليوم، يوقظ فيها قيم الآباء والأجداد، ويستنهض همماً كانت كالجبال الشوامخ، وتتلمس روح الأسرة الواحدة التي جمع كل أهل الديرة، ولهذا كانت كلمة الأستاذ عبدالله إبراهيم المفرج كشاهد على دراسته ونشأته يوم كان يعمل مراقباً للبعثات في دائرة المعارف بمنطقة الصالحية، وجاءه طالباً ليتخصص بالهندسة في أميركا ويتخرج في إحدى جامعاتها عام 1968، ويحمل معه التأهيل العلمي وما اكتسبه من الحياة التي عاشها في خدمة وطنه، ومتدرجاً في مختلف المسؤوليات والمستويات، مشيداً بدوره الوطني ومشاركاته في الكتابة. وفيما يلي نعرض بعض «الصرخات» الـ 144 التي أوردها في كتابه الصادر حديثاً من مكتبة الألفين، والذي قام بمراجعته وتدقيقه نادر أبوالقاسم معرفي وفوزية أبل.
يخت... الرئيس
هذه الخاطرة جزء من فترة تعاملي ما بعد الحرب العراقية ــ الإيرانية
قبل الغزو، جاء إلى مكتبي أحد مسؤولي السفارة العراقية، وقال لي: راح نأتي بيخت الرئيس للصيانة، فأجبته بأنني لا أمانع ذلك، لأنه بالنسبة لنا عمل تجاري. بعدها بأسبوعين، وردني اتصال تلفوني من شخص من الديوان الرئاسي، بأن اليخت يصل إلينا الأسبوع القادم.
بعد أسبوع وصل اليخت الرئاسي ورسا على الرصيف، على ظهره حراسة مكونة من 45 شخصاً، وعلى رأسهم ابن أخت رئيس أركان الجيش العراقي عبد الجبار شنشل، وكان يقضي كل صباح فترة لا تقل عن ساعتين في مكتبي، وكان كابتن اليخت ضابطاً من الموصل برتبة عقيد، وكان معه في مكتبي كل صباح وهما يحاولان أن يكوّنا معي علاقة خاصة.
بقي اليخت عندنا 3 أسابيع، فدعوني لأطلع على اليخت من الداخل، كان اليخت بطول حوالي 70 متراً، وفي الداخل عدة غرف نوم ومسرح يتسع لحوالي 150 شخصاً، والحمامات مذهبة، وفيه مصعدان كهربائيان؛ لأنه مكون من ثلاثة طوابق، وكان مفروشاً بالسجاد والأثاث الفاخر، وعلمت أن اليخت مصنوع في الدنمارك، وهذا يخته البحري، ولديه يخت نهري آخر.
في صباح كل يوم كنا نرى أحد العاملين لدينا مرمياً على الأرض ملطخاً بالدماء، بعد أن كان المسكين يمشي وقرب إلى جانب اليخت ليلاً، وكنت أخبر أفراد أمن الدولة الذين معنا في الشركة خلال تلك الفترة. انتهينا من صيانة اليخت، وقبل المغادرة طلبت من الكابتن دفع مبلغ الصيانة، فأجابني: ما تحولت لك الفلوس من وزارة المواصلات؟ فأجبته: لا.
وعلى الفور قال لي: أعطني التلفون وطلب وزير المواصلات، فأجابه السكرتير بأنه في اجتماع، فقال له الكابتن خل يخرج الوزير من الاجتماع حالاً خرج الوزير من الاجتماع، وانهال عليه الكابتن بالصراخ، وقال له في النهاية الحين تحول المبلغ، فدفع المبلغ وغادر اليخت من عندنا.
كان ذلك قبل الغزو، كان المسؤول الأمني يتصل بي يومياً، ويقول: الرئيس يدعوك دعوة خاصة لزيارته. وكنت أجيبه: الأيام عندي شغل وايد إن شاء الله لما أتفرغ. وقبل ثلاثة أيام من الغزو اتصل بي، وقال: أنا جايك الكويت آخذك بدعوة من الرئيس، وفعلا حصل الغزو بعد ذلك، واختفيت، وكانوا يدورون علي، حيث كنت وحدي في البلاد، وعائلتي في لندن، حتى أنهم عرفوا بيتي وسكنوا فترة فيه بانتظاري، وجاري الأستاذ عبدالله الأيوب كان يخبرني بذلك، وأشار علي بالخروج من البلاد، فخرجت في أوائل أكتوبر عن طريق البصرة، متنكراً باسم إيراني مستعار بمهنة خباز، ومن هناك في نفس اليوم إلى إيران.
تم تأسيس المدرسة الجعفرية في سنة 1330هـ 1912م بأمر من سماحة آية الله العظمى ميرزا علي بن ميرزا موسى الحائري (قدس سره)، ويرجع تاريخ هذه الصورة الجماعية إلى سنة 1358هـ الموافق 1940م.
عجائب ورفاهية يخت الرئيس حصلت في الكويت
الغزو... والخروج من الكويت
ذكرت في خاطرتي السابقة أنني خرجت من الكويت في أوائل أكتوبر 1990، وفي جيبي 10 دنانير، تجمّعنا مجموعة من أقاربي وأصدقائنا في أحد البيوت في مشرف وكان معنا أطفال والوقت كان فجراً، فجاءنا أحد الكويتيين الذي لا أذكر اسمه الآن، ليوصلنا إلى الحدود الإيرانية، ونصحنا أن نأخذ معنا تلفزيونات وساعات وأقلاما وأشياء أخرى.
توجهنا باتجاه البصرة حتى وصلنا صفوان في حوالي الساعة 12 ظهراً، وانتظرنا هناك إلى الساعة الرابعة، فجاءنا عسكري عراقي يعرفه ومشى العسكري قائلاً: الحقوني.
كملنا المسيرة إلى البصرة، ودون توقف إلى أبوالخطيب، وكان المنظر مرعباً حيث أشجار النخيل محروقة وسواتر ترابية ارتفاعها أكثر من 10 أمتار، وكان فيها فتحات كأنها غيران (جمع غار)، ولم يكن هناك أي عسكري. فسألناه ليش ماكو أحد هنا؟ فأجابنا: راحوا الكويت.
قادنا إلى نقطة معينة، ووقف وبيده کشكول، وقال: عطوني جوازاتكم. فقلنا إحنا إيرانيين وجوازاتنا مع معازيبنا. فقال: أعطوني أي هوية وقلما، فأعطيته قلمي الوترمان الثمين، وأخرجنا له «لياسن» ومستندات كويتية مزورة بأسماء إيرانية، وأخذ يسجل أسماءنا، وكنا قبل ذلك أعطيناه التلفزيونات والساعات التي تركها أمانة لدى عسكري آخر في صفوان، وبعد ما خلص من التسجيل، خفت حتى أسأله عن قلمي وتركته له، وقال لنا امشوا في هذا الطريق الترابي سيده، وحطوا بالكم لأن أطراف الطريق كلها ألغام.
كملنا المسيرة إلى وقت الغروب، ووصلنا إلى نقطة الحدود الإيرانية (شلمجة). وهناك أخرجنا جوازاتنا واستلمها العسكري الإيراني، وقال لنا: خلاص ادخلوا وبعد شهر راجعوا الخارجية في طهران لاستلام جوازاتكم.
استكملنا الطريق إلى المحمرة وعبادان اللتين كانتا أطلالاً من أثر الحرب، ولم نجد أية حياة هناك. بعدها استكملنا إلى الدورق، حيث وصلناها حوالي الساعة التاسعة ليلاً. ومنها إلى (معشور) ديرة أجدادنا، فوصلناها عند منتصف الليل، وكان الشارع خالياً من البشر فلمحنا شخصاً يمشي، فذهبنا له وسألناه عن بيت أحد أقاربنا من أجدادنا الأولين الذي كان يتردد علينا في الكويت أحياناً.
وكم كانت الصدفة بأنه يعرف البيت، فطلبنا منه أن يركب معنا ليدلنا على البيت، ووصلنا البيت، فطرقنا الباب، وتفاجأوا بنا وشكرنا الرجل وراح.
كنا حوالي 20 فرداً من رجال ونساء وأطفال فاستضافونا ليومين، غادرنا بعدها باتجاه (الأهواز) إلى (طهران) عبر طرق جبلية خطرة لمدة ثلاثة أيام، وكانت مجموعة منا يعرفون عائلة هناك فاستضافوا بعضنا مدة شهر، والبعض الآخر دبروا أنفسهم لمعارف آخرين لهم.
وبعد مدة شهر، حيث كنا نراجع الخارجية الإيرانية يومياً، استلمنا جوازاتنا ورحنا السفارة الكويتية، حيث كان فيها شخص واحد وهو ملحق عسكري هناك اسمه مندني، وقام بخدمتنا وسلمنا مبلغاً لشراء تذاكر ومصروفاً بسيطاً إلى الوجهة التي يود أن يتجه إليها كل منا، فاستلمت مبلغاً من الدولارات، وقال لي اذهب إلى البنك المركزي، وحولتها في أكياس إلى التومان الإيراني، واتجهت إلى الخطوط الإيرانية لشراء تذكرة إلى لندن، وسافرت إليها لألتحق بعائلتي هناك.
في لندن احتجزت في المطار مدة 9 ساعات، هم يسألونني كيف سأعيش هناك وأين سأعيش، فبعد أن بلغتهم أن عندي شقة هناك، وعائلتي تسكن فيها الآن، وأسئلة أخرى، ختموا جواز سفري وأدخلوني.
لكنني هنا لابد أن أذكر أن ساعات الاحتجاز في المطار كانت صعبة، وأنا أشعر أن الإنسان بلا وطن لا يسوى شيئاً... والوطن عزيز.
قبل 250 سنة وصل جد آل معرفي إلى الكويت من «معشور»
آل معرفي... و«معشور»
سألني أحد الإخوة عن مدينة معشور وأين تقع في إيران.
مدينة معشور إحدى مدن إمارة بني كعب، والتي كان أميرها الشيخ خزعل بن مرداو، وتقع على الضفة الأخرى من الخليج، وهي المدينة التي هاجر منها جدنا معرفي إلى الكويت في عهد جابر الأول، أي ما يقارب نحو 250 سنة، واستقر في الكويت منذ ذلك الوقت.
لكن جد معرفي، وهو أحمد الريس كان يتردد قبل ذلك على القرين.
سردت أننا وصلنا إلى معشور عند خروجنا مع بعض أبناء العائلة أثناء الغزو العراقي، وسكنا عند أحد أقاربنا لأجدادنا. وهنا أود أن أذكر أننا لقينا ترحيباً من الرجال والنساء، من أحفاد أحمد الريس الذين توافدوا للترحيب بنا، والجميع يدعوننا إلى بيوتهم، إلا أن فترة تواجدنا كانت يومين، فاعتذرنا لهم لأننا لم نكن نريد أن يشره علينا أحد بأننا لبينا دعوة فلان وتركنا الآخرين.
كم كانت سعادتي عندما أخذني أحدهم إلى أحد الفرجان، ورأيت بيوتاً قديمة مهجورة. وقال كنتم في هذا الفريج. وهناك مسجد كبير لآل معرفي هناك، تم تجديده على نفقة العم المرحوم إبراهيم حجي حسين معرفي، المتزوج من عمتي نرجس بنت محمد حسين معرفي، وبعد وفاتها شيد أبناؤها مستشفى باسمها هناك.
هذه نبذة عن معشور التي أصبح لها ميناء ضخم باسم بندر خميني، ويستقبل معظم واردات إيران إليه. ومن هناك تنقل السيارات الحاويات إلى أرجاء إيران المختلفة.
حسينية معرفي
طلب مني بعض الإخوة والأخوات الكتابة عن تاريخ حسينية معرفي، وفي صفحات الكتاب صور من بعض الوثائق التي تبين تاريخ الحسينية التي تم بناؤها عام 1905م على نفقة الحاج محمد حسين بن نصرالله معرفي، والتي تعتبر من المباني الأثرية المصنفة من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
وقد تم ترميم وتطوير وتوسعة الحسينية بتصميم وإشراف المهندس المعماري عبدالله قبازرد، وبمساعدة الأستاذ صالح المذن، حيث بلغت تكلفة المشروع 15 مليون دينار، وتم افتتاحها برعاية صاحب السمو الأمير الراحل صباح الأحمد الجابر، رحمه الله، بتاريخ 27 أبريل 2019م، وألحق بها متحفاً بعد التجديد.
كما أننا بصدد تسجيل الحسينية لدى منظمة اليونسكو. كمبني تراثي، بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
حسينية آل معرفي بُنيت عام 1905 وصنفها «الوطني للثقافة» من المباني التراثية
العيش مع الأميركان
نعود إلى بعثتنا الدراسية بعد أن وصلنا إلى نيويورك، كنا نتردد على شارع (برودوي)، حيث تنتشر هناك محلات المهاجرين من اليمن يملكونها لبيع كل شيء، فاشتريت مسجلة (كروندنك) ذات البكرة، لأشغل عليها الأشرطة التي أخذتها معي من الكويت لأغاني أم كلثوم التي أحب أغانيها، وكان في ذلك الشارع مطعم كنا نتردد عليه وكان سعر الوجبة شاملة مع بطاطا مشوية وسلطة مع البيسي 1.37 دولار، وبعد أسبوع توزعنا للإقامة مع عائلات في الولايات القريبة من نيويورك.
بداية من تلك الأيام علّمنا المكتب الثقافي الاعتماد على النفس، أعطوني تذكرة ركوب الباص من محطة الباص المركزية، واسم العائلة، وقالوا لي: تروح المحطة وتركب الباص رقم 17، وسيمر الباص إلى محطة اسمها (ميبل شيد) في نيوجرسي، وتنزل هناك، وستستقبلك عائلة اسمها (هولنكز هيد).
وصلت المحطة، ونزلت من الباص، فإذا بشايب مع زوجته في انتظاري، فسألاني عن اسمي فأخبرتهما به، ثم ركبت معهما في سيارتهما التنتة، وأخذاني إلى بيتهما على بحيرة في غابة، كانت البحيرة وجزء من الغابة ملكهما، وعندهما كلب أسود مقصوص ذنبه اسمه (فيكا) وأبناؤهما متزوجون ويعيشون في مدن قريبة أخرى، وكانوا يزورون والديهم في نهاية كل أسبوع.
في البداية كنت أخاف من الكلب، لأنه كان من الكلاب الكبيرة، ولكن بعد أسبوع كان لا بد أن أتعايش مع هذا الوضع. كنت أنزل مع الكلب في البحيرة، وأسبح معه.
بعد ثلاثة أسابيع اتصلت العائلة مع العوائل الأخرى التي كان الآخرون من الإخوة يعيشون معها، ودعوهم لقضاء أحد أيام السبت للتجمع عندنا لحفلة غداء على البحيرة. وأتذكر من الإخوة عدنان مهلهل الياسين، وعلي سمران المطيري، وآخرين لا تسعفني الذاكرة لتذكرهم. كانت مدة إقامتي مع هذه العائلة شهراً، وكنت أذهب في صباح كل يوم مع الشايب إلى دكان له لبيع الخشب وأدوات النجار.
في يوم تجمعنا دعتني العائلة التي كان يعيش معها الأخ علي المطيري أن أقيم معها عندما يتركها الأخ علي المطيري، فأخذتني العائلة التي عشت معها شهراً إلى العائلة الأخرى في مدينة ترنتن على بعد ساعتين، عشت شهراً آخر مع العائلة الأخرى.
خلال تلك الفترة وكان نهاية شهر أغسطس، أخبروني بأننا سنذهب إلى العاصمة واشنطن، حيث كانت المسيرة الكبرى التي قادها القسيس المشهور مارتن لوثر كنج الابن، حيث شاركت فيها الجماهير من كل الولايات، والتي ألقى مارتن لوثر كنج كلمته المشهورة We shall overcome من مبنى الكابيتول للمطالبة بالحقوق المدنية والمساواة للزنوج.
وأنا أشعر حتى اليوم بأنني سعيد بتلك المسيرة وأنا الكويتي الوحيد الذي شارك فيها.
المدرسة الجعفرية ضمت الكثير من أبناء الشيوخ وخريجوها كانوا من الأوائل على مستوى الكويت
زمن الصحبة الجميلة
سأتحدث اليوم عن فترة من طفولتي، بقدر ما تسعفني الذاكرة عن بيت وديوانية عمي أحمد محمد حسين معرفي، في شارع الميدان بالقرب من بيت الصبر الذي تحدثت عنه في خاطرة سابقة.
اشترى هذا البيت، بعد أن باع حصته في بيت جدي، حيث اشترى والدي حصص إخوانه، وبعد عدة سنوات لما كبر أولاد عمي اشترى بيتاً آخر مقابل هذا البيت، وهدمه وبناه من طابقين، حيث سكنه أولاده عندما زوجهم، وظل البيت الأولي ديواناً.
كان عمي أحمد شخصية بارزة في المجتمع، وله دور كبير في سنة المجلس آنذاك، وسأتحدث عن ذلك في خاطرة لاحقة، وكان تاجراً له حفيز بالقرب من سوق الصاغة، وكان عندما يحين الظهر يذهب للغداء في ديوانه مع ربعه في السوق، ومنهم السادة الأعمام أحمد الأيوب وكاتبه أحمد الرشود، الملقب باليماني، وصالح العتيقي (والد أخي العزيز خالد العتيقي) رحمهم الله، ومشاري الجاسم، رحمه الله، وكان وقتها أصغرهم سناً، وغيرهم الذين لا تسعفني الذاكرة لذكرهم.
هذه الذاكرة تذكرتها لأنها تبين المحبة والصحبة الجميلة بين الجميع في تلك الحقبة من الزمن.
المدرسة الجعفرية
تحيرت كيف أبدأ عن تاريخ المدرسة الوطنية الجعفرية التي قضيت أولى سنوات تعليمي فيها. توكلت على الله، لأبدأ بالشكر له تعالى أولاً، ولأستاذي ومعلمي ووالدي السيد محمد حسن الموسوي رحمه الله، الذي كان ناظر المدرسة عند بداية دراستي فيها عام 1951، وأنا في الخامسة من عمري.
وبعد تخرجي وحصولي على بكالوريوس الهندسة من الولايات المتحدة، لا أستطيع أن أصور لكم سروره وبهجته، عندما كان يراني، وكنت أقبّل رأسه، وكان هذا بلا شك ليس معي فقط، بل مع جميع طلابه، ويرى منهم من أصبح مهندساً أو طبيباً أو متخصصاً في أي مجال. هذا الأستاذ الذي كان يرى كيف أينعت البذرة التي غرسها فأصبحت زهوراً جميلة في كويتنا الحبيبة.
عمي الحاج أحمد محمد حسين معرفي، كان صاحب فكرة إنشاء هذه المدرسة كثالث مدرسة نظامية بعد المباركية والأحمدية، في عهد الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، عام 1938، بتبرعات أهل الخير من بلد الخير.
تبرع الشيخ أحمد الجابر بمبلغ ألفي روبية هندية، وأقيمت في مبنى ملك الحاج إسماعيل محمد علي بن حيدر معرفي، قرب مسجد الخليفة، وأمام مبنى وزارة التخطيط سابقا، وحضر حفل افتتاحها راعي النهضة التعليمية الشيخ عبدالله الجابر، رحمه الله، نيابة عن الشيخ أحمد الجابر عام 1939. وكان الأستاذ محمد علي العادلي العراقي الجنسية أول ناظر لها. واستعان بالمنهج العراقي أساساً للتعليم فيها، وتولى من بعده العم جاسم إسماعيل معرفي نظارة المدرسة لمده قصيرة، ومن بعده السيد محمد حسن الجواهري الملقب بالملا ميرزا الشيرازي الذي فتح مدرسة خاصة لتعليم الإنكليزية.
درس الكثيرون من جيل والدي اللغة الإنكليزية على يديه، وبعده تولى السيد محمد حسن الموسوي النظارة. بعد وفاة عمي أحمد تولى رعاية هذه المدرسة ابن عمه صاحب اليد الخيرة الحاج محمد رفيع حسين معرفي، رحمه الله، واستمر أبناؤه برعايتها حتى يومنا حفظهم الله.
درس في هذه المدرسة الكثير من أبناء الشيوخ على فترات متقطعة، منهم المرحوم الشيخ جابر العلي، والشيخ سالم العلي رحمه الله، وعيال المرحوم الشيخ صباح الناصر، والعديد من الشيوخ، لأنها كانت قريبة من فريج الشيوخ. وكان الشيخ صباح الناصر مهتماً بحضور طابور الصباح، وكنا ننشد نشيد «موطني» الشهير.
وكان من المدرسين الذين درسوا في الجعفرية الأستاذ يعقوب الناصر الذي كان شديداً، ويطق بالمسطرة، والأستاذ عبدالله المطلي الذي كان على العكس لطيفاً معنا، ثم الأستاذ فهد الموسى الذي جاءنا من الزبير، ثم ترك المدرسة وصار ضابطاً في الشرطة. ومن المدرسين الآخرين الذين درسوا فيها قبل جيلي الأساتذة محمد النشمي، ودعيج العون، ومحمد الجسار الذي درسني في مدرسة الصديق، عندما أنهيت 6 سنوات في الجعفرية.
قائمة من درسوا في المدرسة الجعفرية والأساتذة طويلة، وكان معروفاً في ذلك الوقت أن من ينتقل من الجعفرية إلى المدارس المتوسطة كانوا من الأوائل في الدراسة، حيث كان منهج الدراسة في الجعفرية أقوى من مدارس الحكومة.
0 تعليق