كتبت بديعة زيدان:
"الفوز بالجوائز الأدبية، أو الوصول إلى القوائم الطويلة والقصيرة في جوائز مرموقة عالمياً، لا شك أنه أمر مهم، لكنه في نهاية المطاف، ليس هو التقييم الحقيقي والعادل للمُنتج الأدبي بمختلف أشكاله.. بالنسبة لي ككاتبة الجائزة الأهم، والتي تعكس قيمة العمل الأدبي هو كيف يعيش مدّةً أطول، وكيف يواصل مفاعيله لدى جمهور القراء، وخاصة الفلسطيني والعربي".
بهذه العبارات دشّنت الروائية الفلسطينية ابتسام عازم، حواريّتها، التي احتضنتها قاعة سينما الرينبو في العاصمة الأردنية عمّان، مؤخراً، لمناقشة روايتها "سفر الاختفاء"، التي كان لها حضورها في قائمة التنافس على النسخة الأخيرة من جائزة البوكر الدولية، وذلك في إطار "سلسلة نادي الكتاب"، التي تديرها أمواج أبو حمدة.
ولفتت عازم: "تكمن أهمية وصول أي عمل إلى قوائم جائزة البوكر الدولية، باعتبارها جائزة مرموقة في مجال الأدب الإنكليزي، أو المترجم للإنكليزية، وهو ما ينسحب على مثيلاتها، باعتباره يسلط الضوء عليه بشكل أكبر، ويضمن ارتفاع نسبة مقروئيتها، ووصولها، خاصة المترجم منها، إلى شرائح جديدة من القراء، الذين هم بالعادة لا يقرؤون الأدب العربي أو الفلسطيني".
وحول الاحتفاء "المتأخر" بالرواية الصادرة في العام 2014 بالعربية، وترجمها الروائي العراقي سنان أنطون إلى الإنكليزية في العام 2019، لفتت عازم إلى أن "الأمر لا يعدو كونه مصادفة، ففي صيف العام 2023، وخلال مشاركتي في احتفالية فلسطين للأدب، داخل فلسطين، كان أن قرأت إحدى الروائيات الغربيات المشاركات في الاحتفالية مقاطع من الرواية، ثم طلبت ترجمتها إلى الإنكليزية لتقرأها كاملة، وهو ما كان، قبل أن تقترح عليّ ترشيحها لدار نشر جديدة، للخروج بترجمة خاصة بالمملكة المتحدة، وهو ما كان، بحيث رشحتها الدار للجائزة"، لكن قبل ذلك، و"ربّما بسبب حرب الإبادة المتواصلة في قطاع غزة، وما يحدث في فلسطين، لقيت الرواية اهتماماً أكبر على مستوى النقاد والقرّاء، في إطار اهتمام عام يتواصل حول المنتج الإبداعي في فلسطين أو حولها".
ولعل الصدمة هي العنوان الأبرز لرواية "سفر الاختفاء"، حيث يستيقظ الإسرائيليون ذات يوم، ليجدوا أن بلادهم المزعومة من البحر إلى النهر، أي فلسطين التاريخية، خلت في ليلة وضحاها من الفلسطينيين، فانقسم الشارع الإسرائيلي إلى فريقين، أحدهما تملكه الفرح حتى الرقص في الطرقات من فرط سعادتهم بهذا الاختفاء الفلسطيني غير معروف الأسباب، وآخر متخوف من تبعات هذا الاختفاء المفاجئ، بل يحيكون حوله سيناريوهات متعددة من بينها أنها خطوة تكتيكية من الفلسطينيين، للانقضاض عليهم، ومباغتتهم، فالمختلفون لم يكونوا معنيين بالفلسطينيين، بقدر ما اختلفوا في مدى الاهتمام باختفائهم، وانعكاسات ذلك على إسرائيل.
وعن ذلك، قالت عازم في الحواريّة الأحدث لها: بداية الفكرة كانت من خلال مقابلة تلفزيونية في العام 2010 لأحد الساسة الإسرائيليين خلال زيارة له إلى نيويورك، وكان المقدسيون يقودون تظاهرات كبيرة احتجاجاً على تهويد كل ما هو فلسطيني في مدينتهم، فكذب المسؤول، كعادتهم، ان المقدسيين يعيشون حالة من المساواة في ظل حكم إسرائيل، على حد وصفه، وما استوقفني أن المذيع لا أذكر إن كان أميركياً أو بريطانياً لم يسأله أي سؤال يجلي الحقائق، ويكشف زيف ادعاءاته، فشرعت في كتابة مقال للرد عليه، وهنا استحضرت مقولة إسحق رابين: "أتمنى أن أستيقظ يوماً من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، ومقولة أخرى للمؤرخ الإسرائيلي بيني موريس عبّر فيها عن أسفه لعدم قيام بن غوريون بالتخلص من كافة الفلسطينيين العام 1948، وبينما كنت تحت وقع هذه المقولات وما سبقها من مقابلة، خطرت في بالي تساؤلات حول ماذا لو لم يجد الشارع الإسرائيلي كمجتمع استيطاني استعماري ذلك الفلسطيني "العدو بالنسبة إليهم"، وهكذا كانت الفكرة، ومن بعدها الرواية.
وشددت عازم: ما كان يعنيني ألّا تنشغل روايتي بالمجتمع الإسرائيلي بشكل كامل، بقدر ما تنشغل بفلسطين وقضيتها وشعبها، فالاختفاء في الرواية ينضوي على أمرين، أولهما يمكن اعتباره بمثابة مرآة تعكس برأيي ما حدث فعلاً بفلسطين وفيها، وخاصة في العام 1948، والأمر الآخر يتعلق بكون أن كلّ أو جلّ من زار فلسطين أو عاش أو يعيش فيها، يدرك جيداً أن النكبة مستمرة، وهي فعل يتواصل كل يوم وكل ساعة، وكأنها رسالة تحذير كي لا تتكرر المأساة.
0 تعليق