الكويت الاخباري

إسرائيل والحرب على الحقيقة.. إبادة ممنهجة للصحفيين في غزة - الكويت الاخباري

دفع الصحفيون الفلسطينيون -على مدى 22 شهرا من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة– ثمنا باهظا من حياتهم وأمنهم وصحتهم واستقرارهم؛ إذ تعرّضوا لشتى أصناف الجرائم والانتهاكات، التي وثّقتها منظمات حقوقية تُعنى بحماية الصحفيين، في محاولة لإسكات أصواتهم وحجب التغطية عن فصول الإبادة.

وبلغ عدد الصحفيين الذين اغتالهم الجيش الإسرائيلي حتى اليوم 238 صحفيا، لذلك أصبح أفراد الجماعة الصحفية الفلسطينية في غزة يتحسبون استهدافهم في أي لحظة قد تبطش فيها آلة الإبادة بمكان وجودهم، سواء كانوا في خيام الصحفيين بالمراكز الصحية والمستشفيات، أو أثناء زيارة خاطفة لأسرهم في مخيمات النزوح والتهجير القسري.

وهكذا صار الصحفي يعتقد أن اسمه ربما يكون "التالي" في قائمة الشهداء إثر القصف الذي قد يستهدفه أينما كان، حتى لو كان يتلقى العلاج في المستشفى، مثل الصحفي حسن إصليح، الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي بطائرة مسيّرة أثناء تلقيه العلاج بقسم الحروق في مجمع ناصر الطبي بخان يونس. ولعل هذا ما يُفسّر لجوء الصحفي إلى كتابة وصيته قبل لحظة استشهاده؛ إذ يكون مُتحسّبا لـ"اليوم التالي" من الإبادة، مثل مراسل الجزيرة أنس الشريف.

ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة بعنوان "الإمعان الإسرائيلي في إبادة الجماعة الصحفية الفلسطينية بقطاع غزة"، للباحث محمد الراجي، المشرف على برنامج الدراسات الإعلامية بالمركز، ومدير تحرير مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، حاولت الإجابة عن الأسئلة التالية:

لماذا تُمْعِن إسرائيل في إبادة الجماعة الصحفية الفلسطينية في قطاع غزة؟ ومن الذي يمنحها "رخصة بالقتل" الواسع والممنهج للصحفيين الفلسطينيين؟ ولماذا يكون صحفيو قناة الجزيرة بؤرة الإبادة المتوحشة للسياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة؟

توثيق وتأريخ للإبادة المتوحشة

رغم أن الصور التي تصل للعالم لا تمثل سوى 10% من حجم المأساة اليومية، فإن الجهد التوثيقي للصحفيين الفلسطينيين كان حاسما في كشف المجازر والجرائم التي حاولت إسرائيل إخفاءها.

إعلان

هذا التوثيق يتجاوز العمل الإخباري اللحظي، إذ يهدف إلى أرشفة الأدلة لتكون مرجعا قانونيا وتاريخيا بعد الحرب، ولتدحض الرواية الإسرائيلية أمام المحاكم الدولية، كما حدث في دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.

كما يسهم الجهد التوثيقي لفظائع الإبادة الجماعية في تزويد منظمات الإغاثة بالمعلومات عن الوضع الإنساني. وأسهم كذلك في تحريك الرأي العام الدولي في مختلف بقاع الأرض مطالبا بوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي. كما دفع عددا من الدول الغربية إلى تغيير مواقفها تجاه ما يجري في غزة.

إسرائيل تخسر معركة الرواية

وكان لجهود الصحفيين في غزة أكبر الأثر في تراجع تأثير الدعاية الإسرائيلية، خصوصا بعد انتشار صور المجاعة والدمار، ما أجبر بعض وسائل الإعلام الغربية على الاعتراف بفظاعة الوضع في غزة.

هذا التحول الإعلامي والدبلوماسي شكّل خسارة كبيرة لإسرائيل، التي وجدت في استهداف الصحفيين، خصوصا العاملين في الجزيرة، وسيلة لإسكات الشهود وكبح تدفق الصور والأخبار التي تضر بصورتها.

اجتثاث الشهود

اغتيال الصحفيين الفلسطينيين ليس جديدا في سياسة إسرائيل، بل هو نهج متكرر في محطات الصراع، مثل اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة عام 2022 لمنع توثيق جرائم الاحتلال في جنين.
خلال حرب غزة، استهدفت إسرائيل بشكل متكرر صحفيي الجزيرة، ومنهم:

إصابة مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح واستشهاد المصور سامر أبو دقة في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023. اغتيال مراسل الجزيرة حمزة الدحدوح والصحفي مصطفى ثريا أثناء تصوير مشاهد الدمار في 7 يناير/كانون الثاني 2024. اغتيال مراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي في 31 يوليو/تموز 2024. اغتيال حسن إصليح في 13 مايو/أيار 2025. وقبل أيام، وبعد حوالي 22 شهرا من الحرب على القطاع، اغتالت إسرائيل الطاقم الصحفي للجزيرة الذي كان يوجد في خيمة أمام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، وهما المراسلان أنس الشريف، ومحمد قريقع، والمصوران إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل.

وقبل الاغتيال، ظل أنس الشريف يتلقى تهديدات من الجيش الإسرائيلي تُحذّره من الاستمرار في التغطية بعد استشهاد والده وتدمير منزله. وقد شنّ الإعلام الإسرائيلي أيضا حملة إعلامية مُمنهجة يقودها الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، للتحريض على الشريف واتهامه بالانتماء لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في محاولة لتبرير النية المبيّتة للاغتيال، وإسكات صوته وإخراجه من التغطية المستمرة التي تقوم بها قناة الجزيرة للإبادة الجماعية.

هدف مزدوج.. التصفية ومنع التغطية

ترتبط هذه الاغتيالات بسعي إسرائيل للسيطرة على غزة وتحقيق أهدافها في القضاء على حماس وفرض التهجير القسري، مع منع أي تصوير أو تغطية تكشف حقيقة ما يجري.

شبكة الجزيرة تحديدًا أصبحت هدفًا بارزًا نظرًا لتأثيرها العالمي المتنامي، ما ضاعف من خشية إسرائيل من قوة روايتها.

ولم تكتف إسرائيل بالاغتيالات، بل أصدرت قرارات بإغلاق مكاتب الجزيرة في القدس (مايو/أيار 2024) ورام الله (سبتمبر/أيلول 2024)، ومنعت تغطيتها في الضفة الغربية والجبهة اللبنانية، في محاولة لاجتثاث القناة من المشهد الإعلامي.

"رخصة بالقتل"

يُشير هذا الإمعان في إبادة الجماعة الصحفية الفلسطينية إلى حقيقة واضحة تتمثَّل في "رخصة القتل" التي قدَّمتها القوى الكبرى للاحتلال الإسرائيلي، من خلال الدعم العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي والإعلامي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، وهو ما جعل إسرائيل تفلت من المحاسبة والعقاب على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها في قطاع غزة.

إعلان

وقد ذكر هذه الحقيقة الأكاديمي الفرنسي باسكال بونيفاس في كتابه "رخصة بالقتل.. غزة بين الإبادة الجماعية والإنكار والهاسبارا" (2025)، مشيرا إلى أن هذا الدعم يمنح إسرائيل الغطاء لارتكاب إبادة جماعية وعقاب جماعي بحق الفلسطينيين، في تحدٍّ صريح للقانون الدولي.

أخبار متعلقة :