نشر موقع الجزيرة الانجليزية تقريرا للكاتب مات ناشد، شرح فيه أن طرق تنفيذ وتبرير مليشيا الدعم السريع انتهاكاتها، خاصة بدارفور، تشبه طرق وتبريرات إسرائيل، ما دفعه إلى القول "إن الدعم السريع تتبنى النموذج الإسرائيلي"، وهذا ما جاء في التقرير.
في 11 أبريل/نيسان، اقتحمت مليشيا الدعم السريع معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور، حيث أحرقت الأكواخ والمتاجر، وأعدمت المسعفين، وأطلقت النار على المدنيين الفارين.
وبحسب مراقبين، قُتل ما لا يقل عن 500 شخص من رجال ونساء وأطفال وكبار سن وهُجّرت مئات الآلاف.
أثار ذلك الهجوم غضبا عالميا، مما دفع قوات الدعم السريع إلى تكثيف دعايتها التي روجت لها منذ شهور، بأن معسكر زمزم لم يكن سوى ثكنة عسكرية.
وقال مستشار قوات الدعم السريع، علي مسبل، لقناة الجزيرة: "زمزم كانت منطقة عسكرية.. لذلك قررت قوات الدعم السريع أنه ينبغي علينا إجلاء المدنيين"، دون أن يقدم دليلا على ذلك. وأضاف: "لم نكن نريد أن يُصاب المدنيون بنيران متبادلة".
واعتبر المحامي السوداني في مجال حقوق الإنسان، رفعت مكاوي، أن تصنيف زمزم كمنطقة عسكرية هو محاولة لتطبيق نفس النموذج الذي تستخدمه إسرائيل لتبرير قصف المستشفيات والمدارس في غزة.
إعلان
وقال للجزيرة: "هذا ليس مصادفة، بل ممارسة متعمدة تهدف إلى تجريد المدنيين من الحماية القانونية من خلال تصنيفهم كمقاتلين أو أدوات حرب".
نموذج للإبادة الجماعية
خلال الحرب الأهلية السودانية، استخدمت قوات الدعم السريع مصطلحات تنتمي إلى خطاب حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وهو الإطار القانوني المصمم لحماية المدنيين في أوقات الحرب، لتنفيذ فظائعها.
وقد استخدمت إسرائيل هذا النهج سنوات، لتجنب الانتقادات بسبب قتلها واضطهادها الفلسطينيين، بحسب خبراء قانونيين. ومنذ أن شنت حربها على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كثفت هذا النهج.
فإسرائيل تزعم أن المستشفيات في غزة هي "مراكز قيادة وتحكم" تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مبررة بذلك مهاجمتها، رغم أن القانون الإنساني الدولي يحظر استهداف المرافق الصحية.
كما تدّعي إسرائيل أن حماس تختبئ بين المدنيين وتستخدمهم "دروعا بشرية"، لتبرير الهجمات غير المتناسبة والمتعمدة على المدنيين.
كما وصفت عمليات التهجير الجماعي بأنها "إجلاءات إنسانية"، رغم أن الناس يُجبرون على مغادرة منازلهم خلال ساعات قليلة للنجاة من القصف الإسرائيلي، إن استطاعوا.
وتتهم منظمات حقوق الإنسان وخبراء أمميون إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في حربها التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 52 ألفا و567 فلسطينيا.
ويقول مراقبون محليون وخبراء قانونيون، إن قوات الدعم السريع بدأت تتبنى هذه الإستراتيجية الإسرائيلية.
التشابه بين مزاعم إسرائيل والدعم السريع
وقال لويغي دانييلي، أستاذ القانون الإنساني الدولي في كلية نوتنغهام للقانون: "إن التشابه بين مزاعم قوات الدعم السريع في السودان ومزاعم إسرائيل في غزة يكشف عن نشوء نموذج يرتكز على الإبادة الجماعية أو الإبادة الجماعية الفعلية".
وتتهم الأمم المتحدة طرفي الصراع في السودان -قوات الدعم السريع والجيش السوداني- بارتكاب جرائم جسيمة مثل قتل وتعذيب أسرى الحرب منذ اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023.
إعلان
لكن منظمات حقوقية تتهم قوات الدعم السريع تحديدا بارتكاب فظائع إضافية، بما فيها الإبادة الجماعية ضد المجتمعات "غير العربية" في دارفور.
من الجنجويد إلى خطاب حقوق الإنسان
نشأت قوات الدعم السريع من المليشيات "العربية" الرعوية التي عُرفت باسم "الجنجويد" -أي "الجن على ظهر الجواد" باللهجة السودانية- بسبب الفظائع التي ارتكبتها.
وظلت قوات الدعم السريع والجيش السوداني متحالفين حتى عام 2021 تقريبا، عندما نفذا انقلابا على الحكومة المدنية الانتقالية بعد إطاحة الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وبعد الانقلاب، وقعت قوات الدعم السريع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتلقي تدريب على حقوق الإنسان.
واليوم، يستخدم قادة قوات الدعم السريع وحلفاؤهم السياسيون مصطلحات حقوقية لتبييض جرائمهم.
ففي 8 مارس/آذار، نشر تحالف "تأسيس" -وهو تحالف سياسي مدعوم من قوات الدعم السريع- تغريدة قال فيها: "نقف متضامنين مع النساء السودانيات في محنتهن الأخيرة، حيث واجهن ظروفا مأساوية وتعرضن لانتهاكات مروعة بسبب هذه الحرب الظالمة".
لكن التغريدة لم تشر إلى تقارير من "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب اغتصاب واسع النطاق خلال الحرب.
وأثناء مداهمة زمزم، أفادت "المبادرة الإستراتيجية للنساء في القرن الأفريقي" -وهي جهة محلية تراقب العنف الجنسي- أن قوات الدعم السريع اختطفت 25 امرأة وفتاة واغتصبت أخريات.
وقال المحامي رفعت مكاوي: "ما أراه اليوم في دارفور، وخاصة في زمزم، ليس مجرد انتهاك للقانون الإنساني، بل دليل على تشويهه وتحويله إلى غطاء لارتكاب أفظع الجرائم".
إتمام الإبادة الجماعية؟
نشأ معسكر زمزم عام 2003 على بعد 15 كم من عاصمة شمال دارفور، الفاشر، لإيواء مجتمعَي الزغاوة والفور "غير العربيين" الفارين من العنف في حرب دارفور الأولى.
إعلان
وقد تعرض هذان المجتمعان إلى مستويات من العنف ترقى إلى الإبادة الجماعية، وطُردوا من أراضيهم على يد الجنجويد المدعومة من الدولة، حتى أصبح زمزم رمزا للفظائع.
وسكن في المخيم نحو 350 ألف شخص، وارتفع العدد إلى أكثر من نصف مليون مع تصاعد الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع التي سيطرت على جنوب وشرق وغرب ووسط دارفور أواخر 2023.
وفي أبريل/نيسان 2024، حاصرت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر والبلدات المجاورة، بعدما انحازت "القوات المشتركة" -وهي تحالف من الجماعات المسلحة "غير العربية"- إلى الجيش.
وبسبب العداء التاريخي لقوات الدعم السريع تجاه المجموعات "غير العربية"، خشي المقاتلون من عمليات قتل جماعي إذا استولت القوات على الولاية بأكملها.
وقد منعت قوات الدعم السريع وصول المساعدات من أي جهة لا تبايعها، مما أدى إلى مجاعة في زمزم. وبينما كان المدنيون يموتون جوعا، بدأت قوات الدعم السريع تروج لفكرة أن زمزم "قاعدة عسكرية"، تمهيدا لهجومها.
وقال مصعب، وهو رجل نجا من المذبحة في زمزم ويعيش الآن في بلدة طويلة المجاورة: "الادعاء بوجود قاعدة عسكرية في زمزم غير صحيح أبدا.. كان هناك أشخاص يقومون بدور الشرطة، لكن لم يكن هناك أي قادة عسكريين".
وقال مستشار قوات الدعم السريع، علي مسبل، إن عدد القتلى المدنيين الكبير يعود إلى أن "القوات المشتركة استخدمتهم دروعا بشرية"، دون أن يقدم دليلًا.
تطهير عرقي
كما قلدت قوات الدعم السريع تكتيك إسرائيل في تنفيذ عمليات التهجير الجماعية تحت غطاء "الإنسانية".
فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دفعت إسرائيل 2.3 مليون فلسطيني إلى مناطق ضيقة تدريجيا، وصفتها بأنها "مناطق آمنة" في غزة.
ثم تقصف هذه المناطق أو تجتاحها، وتزعم أنها أصبحت "أهدافا عسكرية" بسبب وجود عنصر من حماس.
وقال دانييلي من كلية نوتنغهام: "ما فعلته إسرائيل في غزة في الحقيقة هو إصدار أوامر تهجير جماعي تحت التهديد بالإبادة، وهو إعلان نية ارتكاب جرائم دولية".
إعلان
وفي 11 أبريل/نيسان، نشرت "تأسيس" منشورا على فيسبوك تدعو فيه المدنيين إلى مغادرة زمزم عبر "ممرات إنسانية" إلى بلدات مثل طويلة وكورما.
لكن في 27 أبريل/نيسان، ظهر قائد من قوات الدعم السريع في فيديو -تم التحقق من صحته بواسطة وحدة "سند" في الجزيرة- يعلن اعتقال مجموعة من المدنيين غير المسلحين الذين فروا من زمزم عبر أحد هذه الممرات.
وقال إن هؤلاء وقفوا ضد "إخوتهم في دارفور" وانحازوا للنخب التقليدية المتمثلة في قبائل "الجلابة العرب" التي تهيمن على الجيش والسلطة في وسط وشمال السودان، وأضاف أنهم قد يقتلونهم "ليكونوا عبرة لغيرهم".
ورغم ادعاء قوات الدعم السريع، أن حربها ضد الجيش تهدف إلى نصرة القبائل المهمشة، فإنها ترتكب انتهاكات فادحة ضد أكثر المجموعات تهميشا في دارفور.
أخبار متعلقة :