هل تشهد أميركا نهاية طفرة النفط الصخري؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

شهدت الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي طفرة غير مسبوقة في إنتاج النفط الصخري، محوّلةً مشهد الطاقة العالمي ومُعززةً استقلالها عن الموردين الأجانب. لكن يبدو أن هذه الحقبة الذهبية تواجه تحديات غير مسبوقة تُهدد استمرارها.

فمع ارتفاع التكاليف جراء الرسوم الجمركية، وتأثير انخفاض أسعار النفط الخام على الأرباح، تُقلص شركات النفط الأميركية إنفاقها وتُعطّل منصات الحفر. هذا التحول دفع بالمديرين التنفيذيين إلى التحذير من أن الطفرة على وشك الانتهاء، فيما عززت قرارات "أوبك+" بضخّ المزيد من النفط المخاوف من حرب أسعار جديدة، مما أثار تساؤلات جدية حول مستقبل هذه الصناعة الحيوية في أميركا.

 تباطؤ غير مسبوق في الإنتاج  

ويشهد قطاع النفط الصخري الأميركي تباطؤاً غير مسبوق، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، ومن المتوقع أن ينخفض ​​إنتاج النفط الأميركي بنسبة 1.1 بالمئة العام المقبل، ليصل إلى 13.3 مليون برميل يومياً، طبقاً لشركة ستاندرد آند بورز جلوبال كوموديتي إنسايتس، ويعد هذا الانخفاض الأول على أساس سنوي منذ عقد من الزمن، باستثناء فترة جائحة 2020 التي شهدت انهياراً في الطلب أدى إلى تراجع الأسعار وإفلاس العديد من الشركات. ويأتي هذا التراجع في الوقت الذي تُعطل فيه شركات حفر النفط الصخري منصات الحفر في مواجهة انخفاض الأسعار ومخاوف من فائض العرض وتأثير الحرب التجارية.

ضغوط التكلفة تعيق هوامش الربح

تُعاني شركات النفط الصخري الأميركية من ضغوط متزايدة جراء ارتفاع التكاليف وانخفاض أسعار النفط الخام، ما يؤثر سلباً على هوامش الربح. فقد استقرت أسعار النفط الأميركية عند 61.53 دولاراً للبرميل يوم الجمعة، وهو انخفاض بنحو 23 بالمئة بالمئة عن أعلى مستوى لها هذا العام.

وبحسب مسح الطاقة الفصلي الذي أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، يحتاج منتجو النفط الصخري إلى سعر يبلغ 65 دولاراً للبرميل لتحقيق التعادل. هذه الفجوة بين سعر التعادل والسعر الحالي للنفط تدفع الشركات إلى تقليص إنفاقها وتعطيل منصات الحفر بشكل متزايد.

تحذيرات المديرين التنفيذيين وخفض الميزانيات

وتُطلق شركات النفط الصخري تحذيرات صريحة بشأن مستقبل الصناعة. فقد صرح كلاي غاسبار، الرئيس التنفيذي لشركة ديفون إنرجي، للمستثمرين بأنهم في "حالة تأهب قصوى" وأن "كل شيء مطروح على الطاولة" في ظل هذه البيئة الصعبة.

كما أشار هربرت فوغل، الرئيس التنفيذي لشركة إس إم للطاقة، إلى أن "الشعار الآن هو: 'اصبروا'". وقد بدأت التخفيضات الفعلية في الميزانيات، حيث خفضت أكبر 20 شركة منتجة للنفط الصخري في الولايات المتحدة، باستثناء إكسون موبيل وشيفرون، ميزانيات نفقاتها الرأسمالية لعام 2025 بنحو 1.8 مليار دولار، أي بنسبة 3 بالمئة، وفقاً لشركة إنفيروس لأبحاث الطاقة.

وسينهي هذا الانخفاض في الإنتاج مسيرة مذهلة لقطاع الطاقة الأميركي، الذي شهد ثورة النفط الصخري توفير كميات متزايدة من النفط والغاز بأسعار معقولة، مما دعم الاقتصاد، وعزز الناتج المحلي الإجمالي وأسواق العمل، ورفع الصادرات. وقد وعد دونالد ترامب سابقاً بـ"إطلاق العنان" لمزيد من الحفر والإنتاج لضمان "هيمنة" الولايات المتحدة على قطاع الطاقة.

 ومع ذلك، يشير سكوت شيفيلد، الرئيس السابق لشركة بايونير ناتشورال ريسورسز، إلى أنه إذا انخفض سعر النفط الخام إلى 50 دولاراً للبرميل، فمن المحتمل أن يفقد الإنتاج الأميركي ما يصل إلى 300 ألف برميل يومياً. وقد بدأ بعض كبار المنتجين بالفعل في تسريح العمال، مثل شيفرون وبي بي اللتين أعلنتا عن تسريح 15 ألف وظيفة عالمياً.

في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال عامر الشوبكي مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي: "النفط الصخري الأميركي يواجه تحديات متعددة تشمل انخفاض الأسعار، والتكاليف، وضغوط السوق العالمية. هذه العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى إعادة تقييم استراتيجيات الإنتاج والاستثمار في القطاع، وربما تشير إلى نهاية حقبة النمو السريع التي ميزت العقد الماضي".

 وأوضح أن الولايات المتحدة تقف اليوم أمام مفترق طرق في قطاع النفط الصخري، مع مؤشرات واضحة على تباطؤ النمو وربما بداية نهاية الطفرة التي استمرت لأكثر من عقد.

الضغوط الاقتصادية والتجارية

وأضاف الشوبكي: "تراجع أسعار النفط إلى ما دون 62 دولاراً للبرميل، وهو يمثل ربح أقل لمعظم المنتجين في قطاع النفط الصخري، وهذا قد يؤدي إلى تقليص الإنفاق الرأسمالي وتأجيل مشاريع الحفر. على سبيل المثال، خفضت شركات مثل بلاكريدج ريسورسز وأرينا ريسورسز خطط الحفر بسبب العائدات غير الكافية عند هذه الأسعار.

وأشار إلى أن الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الصلب والأنابيب المستخدمة في الحفر أدت إلى زيادة تكاليف الحفر بنسبة تصل إلى 4.5 بالمئة في عام 2025. هذا الارتفاع في التكاليف، إلى جانب انخفاض الأسعار، يضغط على هوامش الربح ويجعل العديد من المشاريع غير مجدية اقتصادياً.

 وذكر أن قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج والتخلص التدريجي من التخفيض الطوعي في العام 2025 يهدف إلى استعادة حصتها في السوق، وهذا القرار يزيد من المعروض العالمي ويضغط على الأسعار، مما يضعف القدرة التنافسية للنفط الصخري الأميركي.

توقعات الإنتاج المستقبلية

واختتم مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي الشوبكي حديثه بقوله: "المتوقع أن يصل إنتاج النفط الأميركي إلى 13.5 مليون برميل يومياً في عام 2025، مع تباطؤ في النمو مقارنة بالسنوات السابقة. هذا التباطؤ يعكس التحديات التي يواجهها القطاع في ظل الظروف الحالية. لكن بالتأكيد هذا لا يلبي طموح الرئيس ترامب والإدارة الحالية للولايات المتحدة ولذلك قد نرى خطوات تحفيزية غير مسبوقة للنفط الصخري الأميركي قد تقلب الموازين".

من جانبه، أكد الدكتور ممدوح سلامة خبير النفط العالمي في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الولايات المتحدة لم تتوقف منذ تأسيس منظمة أوبك عن معارضة سياساتها أي  (لمنظمة) الرامية إلى تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمي والدفاع عن مصالح أعضائها.

وأوضح أن هذا الموقف يتجلى من خلال تدخل واشنطن المستمر في السوق العالمية للنفط، عبر أدوات تهدف إلى التأثير على الأسعار وخفضها بما يخدم مصالح الاقتصاد الأميركي.

المشهد النفطي الأميركي يشهد تحولاً ملحوظاً

وأضاف الدكتور سلامة أن المشهد النفطي الأميركي شهد تحولاً ملحوظاً، حيث بلغ إنتاج النفط الصخري الأميركي، الذي يمثل أكثر من 90 بالمئة من إجمالي الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة، ذروته في عام 2023، وبدأ منذ ذلك الحين في التراجع.

 وأشار إلى أن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة على صعيد كلفة إنتاج النفط الصخري، إذ تتراوح تكلفة إنتاج البرميل الواحد بين 70 و75 دولاراً، في حين تتراوح الأسعار الحالية لخام غرب تكساس الوسيط بين 56 و58 دولاراً، وهو ما يعني أن الأسعار السوقية تقل بشكل واضح عن كلفة الإنتاج، ما يدفع العديد من المنتجين إلى التردد، إن لم يكن التوقف، عن الاستمرار في الإنتاج تحت هذه الظروف.

وأوضح أن هذا التراجع في الإنتاج ستكون له انعكاسات اقتصادية كبيرة على الولايات المتحدة، إذ إنها، رغم وصول الإنتاج المحلي إلى ما يزيد عن 13 مليون برميل يومياً بحسب بيانات وزارة الطاقة الأميركية، ما زالت تستورد نحو 8 ملايين برميل من النفط الخام يومياً.

وتوقع خبير النفط العالمي أن يرتفع حجم الواردات إلى ما يقرب من 10 ملايين برميل يومياً خلال السنوات الخمس المقبلة، نتيجة لانخفاض المخزون المتاح للإنتاج وارتفاع التكاليف، ما سيؤدي إلى أعباء اقتصادية إضافية تتمثل في اتساع فجوة العجز في الميزانية الأميركية، وزيادة معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي.

كما شدد سلامة على أن منتجي النفط الصخري الأميركي لن يغامروا بالإنتاج تحت كلفة التشغيل، ليس فقط بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية، بل أيضاً نتيجة لموقف المستثمرين الذين لن يقبلوا بضخ رؤوس أموالهم دون تحقيق عائد مجزٍ، بصرف النظر عن الدعوات السياسية لزيادة الإنتاج بأي ثمن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق