انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب "تقاعس" الدول الأوروبية في مكافحة الإيدز، متهما إياها بعدم تقديم الدعم الكافي في مواجهة وباء فيروس نقص المناعة البشرية، في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من أن خفض الدعم الأمريكي قد يعرض ملايين الأرواح للخطر.
وفي تصريح لصحيفة The Independent، قال ترامب إن الولايات المتحدة أنفقت "مليارات ومليارات الدولارات" لمكافحة المرض، معتبرا أنها الدولة الوحيدة التي تقدم الدعم، وداعيا الدول الأوروبية إلى تحمل مسؤولياتها.
وأضاف ترامب، وفقا للمصدر ذاته: "لا أحد يفعل شيئا سوى الولايات المتحدة. على الدول الأخرى أن تساعدنا في هذا المجال. نحن وحدنا من يتحمل العبء. أين الآخرون؟ أين فرنسا؟ أين ألمانيا؟ لقد أنفقنا مليارات الدولارات".
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة، رغم كونها أكبر ممول عالمي لمكافحة فيروس نقص المناعة، حيث توفر أكثر من ثلثي التمويل العالمي بحسب برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز، فإن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لا تزال من بين أكبر خمس دول مساهمة في هذا المجال.
ويشار إلى أن برنامج "خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز" (PEPFAR)، الذي أُطلق عام 2003 بمبادرة من الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش، يُعد من أنجح المبادرات العالمية في التصدي للأوبئة، إذ ساهم في إنقاذ أكثر من 26 مليون شخص حول العالم، بحسب المصدر ذاته.
بداية الخلاف
تعود فصول هذه القصة إلى الأيام الأولى من ولاية ترامب، إذ أصدر الرئيس الأمريكي سلسلة قرارات بعد دخوله البيت الأبيض، من بينها قرار بتجميد معظم المساعدات الخارجية لمدة ثلاثة أشهر، بهدف "مراجعة البرامج وضمان توافقها مع المصالح الأمريكية"، حسب ما أعلنت الإدارة حينها. لكن ما جرى لاحقًا لم يكن مجرد مراجعة إدارية، بل تسبب في تعطيل فعلي للخدمات الصحية في دول تعتمد بشكل شبه كلي على تمويل هذا البرنامج.
وقد أثار قرار ترامب بتجميد المساعدات الخارجية، بما في ذلك تمويل برنامج PEPFAR لمكافحة الإيدز، موجة انتقادات واسعة، ليس فقط من منظمات دولية، بل أيضًا من دول حليفة للولايات المتحدة في هذا الملف الإنساني.
وكشف تحقيق ميداني أجرته صحيفة The Independent في أوغندا وزيمبابوي أن العواقب كانت قاسية: عيادات أُغلقت، مرضى حُرموا من الأدوية، وأطفال وُلدوا حاملين للفيروس نتيجة غياب العلاج الوقائي للأمهات. من بين الحالات التي وثقها التحقيق، سيدة أوغندية تُدعى "هادجة"، تبلغ من العمر 27 عامًا، وكانت حاملًا ومصابة بفيروس نقص المناعة، لكنها لم تتمكن من الحصول على العلاج اللازم لحماية جنينها. وفي زيمبابوي، فقد فتى يدعى "هاردلايف" والديه بعدما عجزا عن مواصلة العلاج.
ورغم أن وزارة الخارجية الأميركية أصدرت إعفاءً يسمح باستمرار بعض جوانب الدعم، فإن تطبيقه على الأرض واجه صعوبات عديدة.
وقالت أنجيلي أتشريكار، نائبة المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز، في تصريح للصحيفة: "نظام الرعاية الصحية المتعلق بالإيدز مترابط بالكامل، وأي خلل بسيط يمكن أن يؤدي إلى تأثير مضاعف في جميع مراحله".
وفي أول تعليق له، قال ترامب للصحيفة: "هذا لا يجب أن يحدث، وعلى الدول المتأثرة أن تتعامل بجدية مع الإعفاء". ثم أضاف: "لكن لماذا نحن الدولة الوحيدة التي تتحمل كل هذا العبء؟".
ردود الفعل الأوروبية
لم تتأخر ردود الفعل الأوروبية. فبينما تبقى الولايات المتحدة أكبر مانح عالمي في هذا المجال، أظهرت بيانات "الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا" أن فرنسا وألمانيا تساهمان أيضًا بمبالغ كبيرة. فقد قدّمت فرنسا وحدها 6.9 مليار يورو منذ عام 2002، وأعلنت عن التزام إضافي بقيمة 1.6 مليار يورو للفترة 2023–2025. أما ألمانيا، فقد ساهمت بأكثر من 5.3 مليار يورو حتى الآن، وفقًا لما نقلته الصحيفة.
وتؤكد أرقام برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز أن التقدم المحرز في مكافحة الإيدز خلال العقود الماضية لا يجب أن يتلاشى بسبب قرارات سياسية. وبينما يشاد بالدور الأمريكي، فإن الرسالة اليوم واضحة: المطلوب هو تقاسم المسؤولية، لا الدخول في صراع جديد.
وقال خايمي أتينزا أثكونا، أحد مديري برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز، إن الإنجازات التي تحققت في مكافحة الإيدز تعود إلى حدّ كبير إلى التمويل الأميركي خلال العقود الماضية، داعيا إلى توزيع أكثر توازنا للعبء المالي بين الدول المانحة، مع الحفاظ على الدور القيادي للولايات المتحدة.
0 تعليق