عاجل

صيف "ساخن" للاقتصاد الأميركي.. والقرار بيد باول - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

يزداد الجدل داخل أروقة صُناع القرار بشأن المسار الأمثل للسياسة النقدية في الولايات المتحدة، وسط ضغوط متزايدة من البيت الأبيض ومؤشرات متباينة في السوق. بينما يواصل الاقتصاد الأميركي إظهار إشارات على التباطؤ ولا يزال التضخم بعيداً نسبياً عن الهدف، ما يجعل أي خطوة نحو خفض أسعار الفائدة محفوفة بالمخاطر السياسية والاقتصادية على حد سواء.

ويُضاف إلى هذا المشهد تعقيد آخر يتمثل في تأثير السياسات الاقتصادية والتجارية التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، والتي باتت تلقي بثقلها على حسابات الاحتياطي الفيدرالي. فالرسوم الجمركية المفروضة على سلع أجنبية، إلى جانب التصعيد الكلامي تجاه البنك المركزي، تدفع المشهد نحو مزيد من التوتر، وتجعل من مهمة صانعي السياسات أكثر حساسية، في وقت باتت الأسواق تترقب أي بادرة توحي بتغيير المسار.

يخلق هذا الواقع انقسامًا واضحًا داخل الاحتياطي الفيدرالي ذاته، بين تيار يدعو للتريث وتفادي خفض الفائدة قبل ظهور أدلة دامغة على تراجع التضخم أو ضعف سوق العمل، وتيار آخر يرى أن الوقت قد حان للتحرك الاستباقي لتفادي مخاطر الانكماش. وفي هذا السياق، تأتي تصريحات عدد من المسؤولين لتكشف عن تصدّع داخلي متنامٍ في صفوف من يُفترض أنهم يقودون السياسة النقدية بحذر واتساق.

انقسام صناع السياسات

يشير تقرير لـ "نيويورك تايمز" إلى أحدث علامة على الانقسام بين صناع السياسات حول كيفية الاستجابة لعدم اليقين الناجم عن السياسات الاقتصادية المتغيرة للرئيس ترامب، وهي  تصريحات مسؤول ثان في بنك الاحتياطي الفيدرالي، يلفت فيها  إلى أن البنك المركزي يجب أن يبدأ في خفض أسعار الفائدة في أقرب وقت من الشهر المقبل،

قالت نائبة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لشؤون الإشراف، ميشيل بومان، أمس الاثنين، إنه مع تباطؤ التضخم وظهور علامات الضعف في سوق العمل "حان الوقت للنظر في تعديل أسعار الفائدة لتجنب وضع الكثير من الضغوط الهبوطية على النمو الاقتصادي".

وأضافت بومان في خطاب ألقته في براغ : "إذا ظلت ضغوط التضخم تحت السيطرة، فسوف أؤيد خفض سعر الفائدة في أقرب وقت ممكن منذ اجتماعنا المقبل من أجل تقريبه من وضعه المحايد والحفاظ على سوق عمل صحية".

جاءت تصريحاتها في أعقاب تعليقات مماثلة من كريستوفر والر، أحد محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي قال في مقابلة مع شبكة سي إن بي سي الجمعة إن صناع السياسات لا ينبغي أن ينتظروا ضعف سوق العمل قبل خفض تكاليف الاقتراض.

ووفق الصحيفة، يبدو أن تعليقات المسؤولين تتناقض مع تصريحات جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي أكد الأسبوع الماضي أن البنك المركزي قادر على التحلي بالصبر ريثما يلمس أثر رسوم ترامب الجمركية وسياساته الاقتصادية الأخرى. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تؤدي هذه السياسات إلى ارتفاع الأسعار في الأشهر المقبلة.

وقال باول يوم الأربعاء في مؤتمره الصحافي المعتاد عقب اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي: "الجميع يتوقعون زيادة كبيرة في التضخم في الأشهر المقبلة بسبب الرسوم الجمركية لأن شخصًا ما يجب أن يدفع ثمن الرسوم الجمركية".

تُشكّل الرسوم الجمركية تحدياً للبنوك المركزية، إذ تميل إلى رفع الأسعار - وهو ما يدفع صانعي السياسات عادةً إلى رفع أسعار الفائدة - ولكنها تُؤدي أيضًا إلى تباطؤ النمو، وهو ما يستدعي عادةً خفض أسعار الفائدة.

وألمح باول إلى أنه يُركز بشكل أكبر على خطر التضخم في الوقت الحالي، ويعود ذلك جزئيًا إلى ثبات سوق العمل حتى الآن. وأضاف أن "سوق العمل لا يطالب بخفض أسعار الفائدة".

يثير حذر باول غضب الرئيس دونالد ترامب ، الذي انتقد رئيس الاحتياطي الفيدرالي بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وطالبه بالإسراع في خفض أسعار الفائدة.

الترقب والحذر

من جانبه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

"ما زال مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي متمسكاً بسياسة الترقب والحذر، وغير متعجلاً على خفض أسعار الفائدة في الوقت الراهن، على الرغم من الضغوط السياسية من البيت الأبيض، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع التوقعات بزيادة معدلات البطالة بشكل طفيف". "رغم هذه المعطيات، لا يزال معدل التضخم أعلى من المستهدف البالغ 2 بالمئة، كما أن مؤشرات الأسعار تشهد تذبذباً واضحاً".

في آخر اجتماعاته، أعلن الفيدرالي تثبيت أسعار الفائدة ضمن النطاق الحالي البالغ 4.25 بالمئة إلى 4.5 بالمئة، وهو الاجتماع الرابع على التوالي الذي يتم فيه الإبقاء على المعدلات دون تغيير.

مع ذلك، ترك الفيدرالي الباب مفتوحًا أمام احتمال خفض الفائدة مرتين قبل نهاية العام، بشرط أن تُظهر البيانات الجديدة مزيدًا من التراجع في معدلات التضخم، أو أن يتضح بشكل جلي وجود ضعف متزايد في سوق العمل.

ويشير سعيد إلى أن:

هناك انقسام واضح داخل لجنة السياسة النقدية بشأن الخطوة المقبلة؛ إذ يرى بعض الأعضاء أن خفض الفائدة قد يبدأ من اجتماع يوليو المقبل إذا ما استمرت وتيرة التضخم في الانخفاض دون مفاجآت في أسعار المستهلكين. في المقابل، تطالب أصوات أخرى بمزيد من الصبر، انتظارًا لمؤشرات أقوى على تراجع مستدام في التضخم، أو لارتفاع مفاجئ في معدلات البطالة. الأسواق حاليًا تسعّر احتمالية خفض الفائدة في الاجتماع القادم بنسبة أكبر، لكن ذلك يظل مرهونًا بنتائج البيانات الاقتصادية المرتقبة حول التضخم والبطالة خلال الأسابيع المقبلة.

تشير التوقعات إلى أن الفيدرالي قد يقدم على خفض أسعار الفائدة مرتين فقط هذا العام، بإجمالي قدره 0.5 نقطة مئوية، وهو ما يعتبر وتيرة أبطأ مما كان يتوقعه السوق قبل عدة أشهر. ولن يتجه الفيدرالي إلى تسريع وتيرة الخفض إلا إذا ظهرت مؤشرات واضحة على تراجع التضخم، أو في حال تبين وجود ضعف مقلق في سوق العمل.

ويستطرد: في المجمل، يبدو أن السياسة الحالية للفيدرالي تميل إلى الانتظار والمراقبة الدقيقة، مع الاستعداد الكامل للتحرك بسرعة في حال تغيرت المعطيات بشكل مفاجئ. وتظل الأسواق تترقب كل رقم جديد في بيانات الأسعار وسوق العمل، إذ إن أي تغير مفاجئ قد يقلب التوقعات في لحظة.

شهادة باول

ويتوجه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى مبنى الكونغرس اليوم وغداً، حيث يواجه ضغوطا متزايدة من خارج وداخل البنك المركزي لبدء الدفع نحو خفض أسعار الفائدة.

تنطلق شهادة باول نصف السنوية أمام الكونغرس صباح الثلاثاء بتوقيت الولايات المتحدة، حيث يُقدّم رئيس البنك المركزي تقرير السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب. ثم يتوجه إلى لجنة البنوك بمجلس الشيوخ يوم الأربعاء.

ويشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية إلى أن الجلسات يسمح فيها الكونغرس لرئيس الاحتياطي الفيدرالي بإبداء بعض التعليقات الأساسية حول حالة الاقتصاد والسياسة النقدية. ثم تُتاح للمشرّعين فرصة طرح الأسئلة، التي قد تتخذ أحيانًا طابعًا عدائيًا، لكنها نادرًا ما تكون حادة.

لكن الخلفية وراء هذا الظهور مختلفة، وفق وصف التقرير، ذلك أنه ليس فقط الرئيس دونالد ترامب، بل وأيضاً العديد من المسؤولين في البيت الأبيض، قاموا بالضغط على باول لبدء خفض أسعار الفائدة، والآن يواجه اثنين من المسؤولين الرئيسيين في بنك الاحتياطي الفيدرالي الذين تحدثوا في الأيام الأخيرة ليقولوا إنهم على الأرجح يفضلون خفض أسعار الفائدة في أقرب وقت في يوليو.

مؤشرات مختلفة

وإلى ذلك، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

"نحن نتابع حالياً مؤشرات تدل على ضغوط متزايدة تُمارس على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة". "رأينا الرئيس ترامب يصرّح بأن الفيدرالي يجب أن يخفض الفائدة بين 200 و300 نقطة أساس، إلا أنني أرى أن هناك مبالغة في هذا الطرح". سبق لترامب أن طالب بتخفيض مباشر بمقدار 100 نقطة أساس، لكن على الجانب الآخر، نسمع تصريحات من أعضاء الفيدرالي يوضحون فيها أن خفض الفائدة بهذا الشكل في يوليو ليس مطروحًا، في ضوء الأرقام الأخيرة التي تعكس واقع نمو الاقتصاد الأميركي. لدينا أيضًا بيانات مهمة تتعلق بالتضخم والاستهلاك الشخصي. مؤشر الإنفاق الشخصي (PCE) أظهر ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1 بالمئة. وإذا جاءت الأرقام المقبلة ضمن التوقعات، فقد نشهد أدنى معدل تضخم على مدى ثلاثة أشهر منذ جائحة كورونا، ما يدل على أن التضخم لا يزال تحت السيطرة. اليوم وغداً، سنترقب شهادة جيروم باول أمام الكونغرس ومجلس الشيوخ، والتي من شأنها أن ترسم ملامح الاتجاه المقبل للسياسة النقدية. حتى الآن، نرى أن تأثير السياسات التجارية والتضخم ما زال محدودًا.

ويضيف: "ننتظر خلال الأسبوعين المقبلين صدور تقريرين مهمين، سيكون لهما دور حاسم في توجيه قرارات الفيدرالي، خصوصًا وأن اجتماعهم المقبل سيُعقد في نهاية يوليو، ما يمنحهم الوقت الكافي للاستناد إلى بيانات جديدة"، مشيراً إلى أنه "في الاجتماع الأخير للفيدرالي، لمسنا مخاوف من الدخول في حالة ركود تضخمي، أي مزيج من نمو ضعيف وتضخم مرتفع، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام صناع القرار".

ويختتم يرق حديثه قائلاً: "ولا ننسى التطورات الجيوسياسية، مثل وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، والتي قد تسهم في تهدئة المخاوف المتعلقة بأسعار النفط، وبالتالي تخفيف الضغوط التضخمية".. كل هذه العوامل ستؤثر بلا شك على توجهات الفيدرالي، وما نراه اليوم للمرة الأولى منذ فترة، هو وجود بعض الأصوات داخل الفيدرالي تطالب ببدء تخفيض أسعار الفائدة اعتبارًا من يوليو".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق