اقتصادٌ على الحافة: كلفة الحرب تعمّق جراح إيران المالية - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في مشهد يعكس عمق التحديات التي تواجهها إيران، جاءت الحرب الأخيرة مع إسرائيل لتزيد الطين بلّة. وعلى مدى 12 يومًا فقط، وجّهت الضربات العسكرية، خاصة تلك التي استهدفت المنشآت النووية، ضربة قاصمة لما تبقى من توازن اقتصادي هش في البلاد. وبينما تركزت الأضواء على الأضرار العسكرية والبشرية، فإن الكلفة الاقتصادية للحرب تبدو مرعبة بكل المقاييس.

ضربات موجعة في قلب الاقتصاد النووي

بحسب الرواية الأميركية، فإن الهجمات الإسرائيلية المدعومة أميركيًا طالت منشآت نووية أساسية، ما تسبب في أضرار "فادحة" – وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني نفسه، على غير عادة التصريحات الرسمية. هذه المنشآت، التي كلف بناؤها على مدار 30 عامًا ما يقرب من 30 مليار دولار، تعرّضت لتدمير ممنهج قد يعيد البرنامج النووي خطوات إلى الوراء.

لكن الخسائر لم تتوقف عند هذا الحد. فقد أسفرت الهجمات عن مقتل نحو 600 شخص، بينهم عدد من كبار العلماء النوويين، ما يُعد ضربة نوعية ليس فقط للقدرات التقنية، بل للهيبة العلمية والسياسية للنظام الإيراني.

عقوبات مشددة واقتصاد مُثقل

الحرب الأخيرة جاءت لتكمل سلسلة من الضغوطات المتراكمة على الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني أصلًا من آثار 5475 عقوبة غربية، تسببت في خسائر تقدَّر بنحو 1.5 تريليون دولار خلال العقود الماضية.

تحت وطأة هذه الأرقام الثقيلة، يعيش الاقتصاد الإيراني واحدة من أسوأ مراحله، إذ تشير الإحصاءات إلى وجود 22 مليون عاطل عن العمل، و28 مليون شخص تحت خط الفقر، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 88 مليون نسمة.

سوء إدارة.. وملايين الوظائف الوهمية

في قراءة معمقة للتداعيات الاقتصادية، قال الخبير السياسي والاقتصادي باباك أماميان من لندن، خلال استضافته في برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، إن ما جرى يكشف عن "سوء إدارة شامل داخل الحكومة الإيرانية"، ليس فقط في إدارة الحرب، بل في الإدارة الاقتصادية اليومية.

وأضاف أماميان: "هذه الحرب رغم قصرها، كشفت هشاشة المنظومة الاقتصادية، حيث بدأت تداعياتها تظهر سريعًا على المشاريع الكبرى والمتوسطة، في حين نجت بعض المشاريع الصغيرة التي تعتمد على العملة المحلية من الانهيار الفوري."

وأشار إلى أن الاقتصاد الإيراني مثقل بما وصفه بـ "الوظائف الوهمية"، موضحًا أن الحكومة تموّل نحو 8 ملايين تابع أيديولوجي، من خلال وظائف بلا إنتاج حقيقي، فقط لضمان الولاء السياسي والاجتماعي، وهو ما يمثل عبئًا يفوق، في بعض الأحيان، كلفة الحروب نفسها.

الطبقة الوسطى تتآكل... والمستثمرون يفرّون

الآثار النفسية والمالية للحرب انعكست بوضوح على الطبقة المتوسطة، التي بدأت بالتلاشي تحت ضغط التضخم المتصاعد، وغياب الاستقرار المالي. وبحسب الخبراء، فإن الشركات المتوسطة والكبيرة تواجه شللًا تدريجيًا بسبب عجزها عن الوصول إلى العملة الأجنبية أو تصدير منتجاتها إلى الخارج، في ظل الحصار المالي المتشدد.

في المقابل، تُظهر القطاعات الصغيرة، لا سيما الزراعة والصناعات المعتمدة على السوق المحلية، مقاومة نسبية. فهذه الكيانات تعتمد على الدورة المحلية للعملة ولا تحتاج للتمويل الأجنبي، ما يجعلها أقل تأثرًا، ولكنها أيضًا محدودة في تأثيرها على الناتج القومي العام.

الرئيس ترامب يكسر "التابو العسكري"

في ما يشبه نقطة تحوّل في العقيدة السياسية الأميركية تجاه طهران، شبّه باباك أماميان الهجوم الأميركي الأخير بما قام به الرئيس الأسبق هاري ترومان ضد اليابان عام 1945.

وقال: "الهجوم الأميركي على منشآت نووية إيرانية مثّل كسرًا لتابو سياسي دام لعقود. لقد أصبح التدخل العسكري الأميركي المباشر في إيران خيارًا مطروحًا لأول مرة منذ ثورة 1979."

واعتبر أن الضربات الأميركية كانت بمثابة صدمة للنظام الإيراني، أجبرته على التراجع السريع، ولو بشكل غير معلن، وهو ما قد يشكّل بداية لتحوّلات سياسية داخلية في المدى المتوسط.

الرسائل الاقتصادية للحرب: إيران تدفع الثمن مرتين

من الناحية الاقتصادية، تكمن خطورة هذه الحرب ليس في كلفتها المباشرة، بل في ما تحمله من رسائل للأسواق والمستثمرين.

فقد بات واضحًا أن إيران، رغم إنفاقها الأمني والدفاعي الضخم، عاجزة عن حماية أهم منشآتها الحيوية.

ومع تصاعد مؤشرات الانهيار المالي، وهروب رأس المال الوطني إلى الخارج، فإن الثقة في مناخ الاستثمار المحلي باتت شبه معدومة، ما يعمّق أزمة الريال، ويزيد من اعتماد النظام على شبكات الدعم الخارجي ذات الطابع العقائدي أو العسكري.

إعادة هيكلة أو انهيار متسارع؟

ما بين الضربات النووية والعقوبات الغربية، يبدو الاقتصاد الإيراني وكأنه يسير على حافة الانهيار. لكن السؤال الأهم الذي يطرحه المراقبون الآن: هل تدفع هذه الكلفة الباهظة طهران إلى مراجعة خياراتها الاستراتيجية؟ أم أنها ستواصل سياسة الإنكار والمواجهة، مهما كلف الأمر؟

في الحالتين، يبدو أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة، ليس فقط في مستقبل البرنامج النووي الإيراني، بل في رسم ملامح الاقتصاد والسياسة في المنطقة بأسرها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق