«الغارديان»

في أقصى شمال غربي بريطانيا، حيث تتلاقى الرياح الباردة مع أمطار المحيط الأطلسي، تنبض بقايا غابات البندق القديمة بالحياة، رغم صمتها وظلالها الكثيفة. هذه الغابات، التي تعود جذورها إلى ما قبل عشرة آلاف عام، تعد من أقدم النظم البيئية في الجزر البريطانية، وربما في أوروبا كلها.
ففي جزيرة «سيل» التابعة لجزر هبريدس الاسكتلندية، تقع غابة «بالاتشوان» الممتدة على مساحة 49 هكتاراً. من الخارج، تبدو كأنها مجرد شجيرات كثيفة عادية، لكن داخلها يكشف عن عالم معقد وفريد، تتقاطع فيه الفروع المائلة مع الأغصان المتشابكة، وتتشكل قبة خضراء داكنة من الطحالب والأشنات تخفي تحتها نظاماً بيئياً بالغ الدقة، تتقاسم فيه الفطريات والأشجار الحياة والتغذية.
يقول ديفيد ساتوري، الباحث في الحدائق النباتية الملكية في كيو: «هذه الغابة ليست مجرد تجمع من الأشجار، بل مستودع حيوي لفطريات نادرة، بعضها لم يرصد حتى الآن إلا من خلال تسلسل الحمض النووي».
الاهتمام العلمي المتجدد بهذه الغابات لا ينبع من الحنين البيئي فقط، بل لأنه يحمل مفتاحاً لمستقبل الغابات المطيرة المعتدلة في بريطانيا والعالم. فرغم صغر مساحتها، تملك بريطانيا مقومات فريدة تؤهلها لأداء دور عالمي في إنقاذ هذا النمط من الغابات، الذي لا يغطي أكثر من 1٪ من اليابسة على الكوكب.
التركيز اليوم ينصب على العنصر الأكثر غموضاً في هذا النظام البيئي، وهي الفطريات الميكوريزية، وهي شبكة غير مرئية تنمو تحت الأرض وتعمل كـ«نظام الدورة الدموية» للغابات، إذ تسهم في تعزيز نمو الأشجار بنسبة تصل إلى 64%. لكن هذه الفطريات تواجه تهديدات متزايدة نتيجة النشاط البشري وتدهور التربة.
وفي الوقت الذي تُجرى فيه دراسات مشابهة في كولومبيا وجزر نائية بالمحيط الهادئ، يواجه الباحثون البريطانيون تحديات فريدة، خاصة في بعض مناطق اسكتلندا التي لم تعرف الغابات منذ ألف عام. وهذا ما يجعل غابة بالاتشوان ومثيلاتها بمثابة كنوز بيئية نادرة قد تشكل قاعدة لإعادة إحياء الغابات المطيرة المعتدلة.
تعمل منظمات بيئية على دعم هذه الجهود من خلال رسم خريطة عالمية للفطريات الميكوريزية، في محاولة لفهمها وحمايتها.ورغم أن مشاريع عدة، مثل «بودن بيلارز» في جنوب بريطانيا، شهدت بالفعل زراعة آلاف الأشجار، إلا أن الخبراء يؤكدون أن الاستعمار الطبيعي، أي نمو الفطريات والنباتات تلقائياً، هو الطريق الأمثل لبناء غابات قادرة على الصمود في وجه تغيرات المناخ.