كتب محمد الجمل:
ألقى العدوان الإسرائيلي المتصاعد وتداعياته بظلاله على المواطنين في قطاع غزة، خاصة النازحين، الذين يواجهون كل يوم النزوح والخوف والجوع والمرض، ويضطرون للعمل في مهن صعبة وشاقة.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتداعياته، منها مشهد تحت عنوان: "أوامر النزوح خياران كلاهما مُر"، ومشهد آخر يرصد مصاعب ومخاطر مهنة تكسير الحطب، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "الشجارات المسلحة كابوس يرعب المواطنين".
أوامر النزوح المتواصلة
باتت أوامر النزوح الإسرائيلية، التي لا يكاد يمر يوم دون صدورها في هذه المنطقة أو تلك، واحدة من أكبر وأعمق المشكلات التي تواجه المواطنين في قطاع غزة، وتتسبب بإرهاقهم مادياً ونفسياً.
وبعد إصدار أوامر نزوح جديدة، غالباً ما يجد المواطنون أنفسهم بين خيارين، كلاهما مُر، فإما الاستجابة لأوامر النزوح، وترك المنزل والحي، والانتقال إلى مخيمات مكتظة، والعيش في خيمة تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وهذا أمر صعب وشاق، ليس على صعيد العيش في الخيمة فحسب، بل عملية الانتقال، وترتيب المأوى الجديد، وما بينهما تكاليف باهظة.
أما الخيار الثاني وهو البقاء في المنزل، ورفض أوامر النزوح، وهذا الأمر غير مكلف مادياً، لكنه قد يُكلف الأسرة حياتها، فأوامر النزوح تكون بداية لشن هجمات على المناطق التي يتم إخلاؤها، ولا أحد يعلم ماهية هذه الهجمات وشكلها، فبعض المناطق التي طالب الاحتلال بإخلائها، تعرضت لغارات جوية محدودة، كما حدث وسط قطاع غزة، وأخرى تعرضت لاجتياح وحصار شامل، كما يحدث في رفح.
وقال المواطن عبد الله النجار، من سكان شرق خان يونس، جنوب القطاع، إن عائلته نزحت 8 مرات منذ بداية الحرب، وفي كل مرة يتكبّد خسائر كبيرة ومعاناة جسدية ونفسية، وفي آخر مرة قرر أن يبقى في البيت، وحين اشتدت الغارات والقصف المدفعي نزح وعائلته عن منزلهم باتجاه منزل أقاربه الذي يبعد نحو كيلومتر غرباً، وأقاموا فيه يومين، ثم عاد مع عائلته إلى بيته في الأطراف الغربية من بلدة عبسان.
وأكد أن كل يوم يقضيه في بيته بعيداً عن الخيمة هو مكسب له ولعائلته، أما البحث عن الأمان فهو غير موجود سواء في البيت أو الخيمة، فكلاهما خطير.
من جهته، قال المواطن محمود المصري، إنه دائماً ما يذهب باتجاه الخيار الأكثر أمناً، حتى إن كان خياراً صعباً ومكلفاً، فالندم على النزوح أفضل ألف مرة من الندم على البقاء في المنزل، كما يقول، والدليل حال المحاصرين داخل مدينة رفح حالياً، الذين رفضوا النزوح في البداية، وها هم يناشدون لمساعدتهم في إخلاء بيوتهم.
وأوضح أنه ترك منزله في مناطق جنوب خان يونس، منذ اليوم الأول من إصدار أوامر النزوح، وجهّز خيمة في مواصي خان يونس، ويعيش حالياً وأسرته فيها، بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات، آملاً أن تكون هناك هدنة قريبة تنهي هذه المعاناة.
تكسير الحطب
أفرز العدوان والحصار مجموعة جديدة من المهن، بعضها شاق وخطير، من بينها مهنة تكسير الحطب، التي راجت في الآونة الأخيرة، خاصة مع غياب أدوات تقطيع وتجزئة الحطب الحديثة، مثل مناشير الكهرباء.
وبات شبان في مقتبل أعمارهم يمتهنون تكسير الحطب، بهدف تحويله إلى قطع صغيرة لبيعها للمواطنين، ليتمكنوا من إشعالها بهدف إعداد الطعام وتجهيز الخبز.
المواطن أحمد عطا يعمل في مهنة تكسير الحطب منذ مدة، وقبل أيام تعرض ذراعه للكسر، جراء ارتطام قطعة حطب كبيرة فيه، بعد أن ضربها زميله عن طريق الخطأ وطارت باتجاهه.
وبيّن عطا أن مهنة تكسير الحطب من أصعب المهن وأخطرها على حد سواء، نظراً لأن التكسير عادة ما يتم بأدوات بدائية، مثل الفأس، والمطرقة، والإزميل.
وأشار إلى أن الحطب الذي يتم قطعه من أشجار في قطاع غزة، يصل بأحجام كبيرة، ومهمتهم تكسيره وتجزئته، وكان قبل كسر يده يعمل ساعات طويلة، ويبذل مجهوداً شاقاً، حتى يحصل على بعض الأجر، وكمية من الحطب تكفي عائلته لإنجاز طهي الطعام ليوم واحد.
ولفت إلى أنه يشعر بحزن كبير بعد الحادثة التي أصابته، فهو توقف عن العمل، وفقدَ مصدر دخله الوحيد، ويتمنى أن يتماثل للشفاء سريعاً، كي يعود إلى عمله المذكور.
في حين، ذكر المواطن يوسف رشيد أن الحطب بات من أهم السلع في قطاع غزة، بعد أن كان في السابق سلعة ثانوية لا يتلفت إليه أحد، فلا يكاد يخلو بيت في الوقت الحالي من الحطب، لذلك ومع زيادة الطلب عليه ارتفعت أسعاره على نحو كبير، حتى وصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى 7 شواكل.
وأوضح رشيد أنه يجلب الحطب من تجار، بعضه قديم كان موجوداً في مخازن، وآخر جرى قطعه حديثاً، إضافة إلى خشب يتم جمعه من البيوت المدمرة، عبارة عن أبواب غرف، أو من بقايا أعمدة كهرباء وهاتف، دمّرها العدوان.
وقال رشيد، إن تكسير الحطب هو أهم عملية قبل بيعه، لذلك يحرص كل تاجر على جلب عمّال أقوياء، يكسرون ما جلبه من حطب، حتى يسهل ترويجه وبيعه، فلا أحد يشتري الحطب الكبير، ولا أحد مستعد لتكسيره في بيته أو خيمته.
وبيّن أنه يدرك أن مهنته مؤقتة، تنتهي بانتهاء أزمة غاز الطهي، لذلك يحاول استغلالها قدر المستطاع، وجلب كميات جديدة باستمرار من الحطب الذي بات نادراً في قطاع غزة.
الشجارات المسلحة
لا يكاد يمر أسبوع دون حدوث شجارات بين بعض العائلات، غالباً ما يُستخدم خلالها السلاح الناري.
وخلال الفترة الماضية شهدت محافظة خان يونس، التي تشهد أكبر تكدس للمواطنين والنازحين على مستوى محافظات قطاع غزة، عدة شجارات عنيفة، استخدمت خلالها أسلحة نارية وقنابل بشكل كثيف، ما تسبب بموجة رعب وهلع للمواطنين، دفع بعضهم للنزوح عن بعض المناطق.
وأدى أحد الشجارات المسلحة بين عائلتين إلى إغلاق شوارع، وفرار نازحين من خيامهم، وإغلاق محال تجارية وبسطات، وخلق حالة رعب وقلق حتى بين صفوف مرضى في أحد المستشفيات القريبة.
وذكر المواطن خالد عبد الكريم، وهو نازح من مدينة رفح، ويعيش في خيمة غرب خان يونس، أن ما يحدث من حالة فوضى وفلتان أمر مخيف، وسطوة العائلات وسلاحها عادت للواجهة من جديد، والضحية هم المواطنون، سواء الذين يعيشون في خيام، أو المارة، أو حتى الباعة.
وأكد أنه اضطر لمغادرة خيمته بعد شجار عنيف هو الثالث الذي يندلع في نفس المنطقة خلال أشهر قليلة، مبيناً أنه شاهد الخوف والهلع في صفوف المواطنين وهم يفرون من المناطق التي شهدت شجارات.
وأوضح أنه في ظل غياب الشرطة، والجهات التنفيذية، يأتي دور الوجهاء ورجال الإصلاح، وهم أشخاص يتمتعون باحترام وقبول من الجميع، لذلك يجب أن يتحرك هؤلاء من أجل تعزيز السلم الأهلي في غزة، ومنع تفاقم الشجارات، كما يجب على مخاتير ووجهاء العائلات، خاصة الكبيرة، أن يلجموا الشباب، ويمنعوهم من استخدام السلاح في الشجارات.
وكان باعة وتجار اشتكوا من خسارة بضائعهم، التي جرى تدميرها وحرقها خلال شجارات عائلية سابقة، عدا تعرض بعضهم للإصابة بالرصاص الطائش.
بينما قال المواطن محمد سليمان، إن ما يحدث من فوضى ومحاولة بعض العائلات بسط نفوذها وسيطرتها، نتائج طبيعية للحرب وغياب أي دور للجهات التنفيذية، فكل عائلة تُحاول إثبات نفسها وفرض سيطرتها وهيمنتها، وهذا أمر مخيف بل مرعب، وينذر بفوضى أوسع وأكبر في الفترات المقبلة.
وأشار إلى أن الاستخدام العشوائي للسلاح يعتبر أكبر كابوس يُهدد المجتمعات، فالمواطنون يعانون من الحرب والقصف، ويفرون من مكان إلى آخر، وفوق كل هذا يواجهون فوضى السلاح والانفلات الأمني، ويعانون من الشجارات.
0 تعليق