كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على عموم قطاع غزة بوتيرة أكثر عنفاً، مع تصاعد المجازر، واستمرار التجويع، بينما تزداد معاناة النازحين في مناطق المواصي غرب محافظة خان يونس.
"الأيام" تنقل مشاهد جديدة من هذا العدوان المُستمر، منها مشهد بعنوان "ساعة من الرعب في خان يونس"، ومشهد آخر يرصد تحوّل الليل لضيف ثقيل على النازحين، ومشهد ثالث يُوثق انتشار مشاكل سوء التغذية بين النازحين، خاصة الشعور بالدوار والإعياء.
ساعة من الرعب في خان يونس
استفاق السكان والنازحون في محافظة خان يونس، خاصة وسطها، على وقع انفجارات مُدوية، نجمت عن عشرات الغارات المتلاحقة، شنتها طائرات حربية ومُسيّرة، رافقها إطلاق نار كثيف من مروحيات إسرائيلية، وقصف مدفعي عنيف.
عم الرعب والهلع أوساط المواطنين، لا سيما الأطفال، خاصة أن القصف كان مفاجئاً، ولم تسبقه أي إنذارات إخلاء، وسارع الجميع للاحتماء في بيوتهم وخيامهم، وهم لا يعلمون ما يدور حولهم.
بينما تعالى صراخ الأطفال والنساء، وصدرت استغاثات من عائلات طالها القصف، وبقي جرحى وشهداء في الشوارع بانتظار نقلهم.
وما هي إلا ساعة، حتى توقف القصف العنيف، وبدأت الأوضاع تعود للهدوء، ليتم لاحقاً معرفة سبب ما حدث، إذ تسللت قوة إسرائيلية خاصة إلى منطقة "الكتيبة"، وسط خان يونس، واقتحمت منزلاً، واشتبكت مع مالكه ما أدى إلى استشهاده، قبل أن تنسحب وتختطف معها زوجة الشهيد أحمد سرحان واثنين من أطفاله.
ووفق شهود عيان، فإن القوة التي تسللت في مركبة، كانت تضع أعلاها فراشاً وأغطية، توحي وكأنها أسرة نازحة، غادرت المنطقة بسرعة كبيرة، وشوهدت تنطلق باتجاه الشرق.
ويقول المواطن أحمد موسى، من سكان منطقة السطر الغربي: إن ما حدث بين السادسة والسابعة صباحاً كان أمراً مرعباً، وقد عاش وعائلته ساعة من الرعب غير المسبوق، فقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات كانت تتساقط حولهم كالمطر، والشظايا تضرب في منزلهم، وأطفاله يصرخون من الخوف.
وأكد موسى أنه ظن في البداية بأن ما حدث هو عملية توغل مفاجئة، لكنه لم يسمع أصوات دبابات، وقرر البقاء في المنزل، والاحتماء في غرفة بعيدة عن واجهته.
وبيّن أنه ظل وعائلته على هذه الحالة، حتى هدأ القصف، حينها خرج من المنزل، وعرف لاحقاً تفاصيل ما حدث.
وأشار إلى أن ما حدث في خان يونس كان مشابهاً لما حدث في رفح ومخيم النصيرات، حين استعادت قوات إسرائيلية خاصة أسرى إسرائيليين من غزة، لكن يبدو أن المهمة هذه المرة فشلت.
الليل ضيف ثقيل على النازحين
يتصاعد العدوان على قطاع غزة بشكل واسع، وتُنفذ قوات الاحتلال عشرات الغارات بشكل يومي، تتركز خلال ساعات الليل، وتستهدف بيوتاً، وخياماً، ومراكز إيواء.
ومنذ أكثر من أسبوع، يُحول الاحتلال ليل قطاع غزة إلى ساحة قتل، وتنشر طائراته الموت والرعب في كل مكان.
ويقول المواطن عبد الله صبح، وهو نازح من رفح، ويقيم في خيمة بمواصي خان يونس: إنه بات يكره الليل، ويعيش الخوف والرعب في ساعاته الطويلة.
وبيّن أنه لا يسمع في الليل سوى أربعة أصوات جميعها مرعبة ومُحزنة، وهي صوت تحليق الطائرات، والانفجارات، ثم صراخ الناس بعد القصف، وصافرات سيارات الإسعاف التي تصل لنقل الضحايا.
وأكد أن هذه الأصوات باتت تُسبب رعباً وهلعاً للجميع، وأكثر الأصوات رعباً هو صوت تحليق المروحيات، التي يكاد النازحون يشعرون بهواء مراوحها يُحرك خيامهم، والجميع يحبسون أنفاسهم بانتظار القصف الذي تُنفذه هذه الطائرات، فقد ارتبط تحليقها بشن غارات على الخيام.
وبيّن صبح أن الحرب كلها في ناحية، والأيام العشرة الماضية في ناحية أخرى، فهي أيام ثقيلة وصعبة، ساعاتها مليئة بالرعب والفقد، والحزن.
بينما يقول المواطن سامي عاشور: إنه ينطق في كل ليلة الشهادتين عدة مرات، ويجتمع هو وأبناؤه وأفراد العائلة في زاوية من الخيمة، وهم يعيشون الخوف والرعب، ويشعرون أن الدور القادم في القصف قد يستهدف مخيمهم وربما خيمتهم.
وأكد أنه بات يكره الليل ويشعر أنه يأتي محملاً بالهموم والخوف، وبات لا يعرف كيف سيواجه الليلة القادمة، ولعلها تكون أصعب من سابقتها.
وبيّن أن الاحتلال يتعمد من خلال غاراته المُكثفة الضغط على كل السكان والنازحين، وإدخالهم في حالة خوف ورعب، لذلك يختار الليل لتصعيد غاراته، ويحرم الناس من النوم والراحة، ليزيد متاعبهم، ويجعلهم يشعرون بخوف وقلق لا يتوقفان، خاصة مع غياب أي مكان آمن يمكن أن يلجأ الناس له في القطاع.
وفي كل ليلة تتأهب المشافي الحكومية والميدانية لاستقبال الضحايا جراء القصف المتصاعد، حيث تكتظ المشافي بالجرحى، وتمتلئ ثلاجات الموتى بجثامين الشهداء.
من جهته، أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أن تصاعد مجازر الإبادة الجماعية في القطاع يأتي في إطار محاولة الاحتلال الحثيثة لتكريس سياسة الأرض المحروقة، واستكمال مشروعه التدميري الهادف إلى تفريغ القطاع من سكانه، وفرض معادلة الإخضاع الكامل للمدنيين عبر سياسة القتل الجماعي والتطهير العرقي.
ووفق عدة مصادر، فإن نحو 83 عائلة فلسطينية أُبيدت بالكامل، أو بشكل شبه كامل خلال أقل من شهر، عبر قصف الخيام والمنازل بشكل متعمد.
الدوار والإعياء
تتعمق آثار المجاعة المُستشرية في قطاع غزة يوماً بعد يوم، وتُصيب المواطنين بأضرار صحية كبيرة، خاصة كبار السن والأطفال.
وتُواجه الغالبية الساحقة من سكان القطاع نقصاً حاداً في الغذاء والماء، في ظل إغلاق مطبق لما يزيد على الشهرين وانعدام كامل للأمن والمأوى.
وتزايدت شكاوى المواطنين من آثار المجاعة، حيث يُعاني عدد كبير منهم من ضعف عام، وإعياء شديد، وحتى دوار يتسبب أحياناً بسقوطهم أرضاً.
وقال المواطن خالد جمعة: إن الوضع بات سيئاً مع استمرار الحصار والمجاعة، وشح الطعام على نحو كبير، موضحاً أن ما تبقى من مُعلبات وبقوليات على وشك النفاد من خيمته، ولا يعرف كيف سيتصرف حال نفدت كلياً.
وبيّن أنه وحتى يُوفر ما تبقى من طعام شحيح لأبنائه، يضطر لتناول وجبة واحدة يومياً، وهي لا تخرج عن العدس، أو القليل من الأرز، وهذا أدى إلى انخفاض وزنه على نحو حاد، وتأثرت صحته.
وأوضح أن وظائفه الحيوية كلها تأثرت بسبب المجاعة، فبات يدخل الحمام مرات قليلة، لا تزيد على اثنتين أو ثلاث كل أسبوع، كما أنه يشعر بنعاس، وصعوبة في التنفس، ويشعر أن أرجله غير قادرة على حمله.
وبيّن أن أطفاله يعانون أعراضاً مشابهة، ويُحاول قدر المستطاع توفير ما يلزم من طعام لهم، في محاولة لإنقاذهم من الكارثة التي يعيشونها، موضحاً أن أصعب شعور في العالم أن تجد أطفالك جائعين أمامك، ولا تستطيع توفير الطعام لهم.
وشهدت الأيام الماضية تزايداً ملحوظاً في عدد المُترددين على المشافي بسبب المجاعة وإصابتهم بمشاكل نتجت عن سوء التغذية.
وحذر الأطباء من سرعة تفاقم الوضع في قطاع غزة، ما قد يتسبب في حدوث وفيات جماعية بسبب الجوع المُستشري، وأننا على بعد أيام من حدوث الكارثة التي يخشاها الجميع.
وقال فيليب لازاريني، مفوض عام وكالة الغوث الدولية "الأونروا": بعد ساعات على إعلان برنامج الأغذية العالمي نفاد مخزوناته في غزة، "تواصل حكومة إسرائيل منع دخول الغذاء وغيره من المواد الأساسية"، مضيفاً: "إنها مجاعة من صنع الإنسان ذات دوافع سياسية".
وكانت وزارة الصحة في غزة أعلنت أن منع الإمدادات الغذائية، وتفشي المجاعة أديا إلى وفاة 57 طفلاً في قطاع غزة حتى الآن، وتسجيل آلاف حالات نقص المناعة والإسهال المزمن بين الأطفال.
0 تعليق