أعلن وارين بافيت، الملقب ب«حكيم أوماها»، تقاعده رسمياً، خلال الاجتماع السنوي لمساهمي شركته العملاقة «بيركشاير هاثاواي»، معلناً عن تعيين غريغ أبيل خليفة له في قيادة الشركة.
ومع أن بافيت سيبتعد عن القيادة اليومية، فإن إرثه الفكري سيبقى حاضراً ومؤثراً في عالم المال والأعمال والقيادة لسنوات طويلة قادمة. لم يُعرف بافيت فقط كأحد أنجح المستثمرين في التاريخ، بل كرمز للحكمة والبصيرة والقيادة المتزنة، فقد بنى إمبراطوريته الاستثمارية الضخمة على أساس من التفكير طويل الأجل، والبساطة في التعامل، والنزاهة، والثقة الهادئة، التي لا تعتمد على استعراض القوة أو الضجيج الإعلامي.
إذا كنت رائد أعمال تطمح للنمو، أو مديراً يسعى لبناء فريق ناجح، أو حتى شخصاً عادياً يريد اتخاذ قرارات حياتية أفضل، فإن كلمات بافيت قادرة على لمس جوهر تفكيرك، وتحفيزك لاختيار مسارات أذكى وأكثر وعياً.
مَن هو بافيت؟
ولد وارين إدوارد بافيت، عام 1930 في أوماها، نبراسكا، ويُعد من أعظم المستثمرين في التاريخ الحديث. بدأ مسيرته في عالم المال، منذ سن مبكرة، حيث اشترى أول سهم له في عمر 11 عاماً، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن السعي لفهم الأسواق والفرص الاستثمارية بذكاء استثنائي. تولى رئاسة شركة «بيركشاير هاثاواي» وحولها من شركة نسيج متعثرة، إلى إمبراطورية مالية عملاقة تضم العشرات من الشركات في مجالات متنوعة مثل التأمين، النقل، الطاقة، والمستهلكات.
وعرف بافيت بتواضعه، وحياته البسيطة، رغم ثروته التي بلغت أكثر من 100 مليار دولار. ولا يزال يعيش في نفس المنزل الذي اشتراه منذ الخمسينات، ويقود سيارته الخاصة، ويتناول طعامه من مطاعم بسيطة.
كما عُرف بعطائه الخيري، إذ تعهد بالتبرع بمعظم ثروته لصالح الأعمال الخيرية، من خلال مبادرة «تعهد العطاء»، التي أطلقها مع بيل غيتس.
لم يكن بافيت مجرد رجل أعمال ناجح، بل مدرسة في التفكير الاستثماري والقيادة الأخلاقية، وسيبقى اسمه علامة فارقة في عالم المال والإلهام.
وفيما يأتي نعرض 8 من أبرز اقتباسات بافيت، والتي تحمل كل واحدة منها دروساً عظيمة في القيادة والحِكمة والنجاح في الحياة.
1 -عن النزاهة «يستغرق الأمر 20 عاماً لبناء سمعة، وخمس دقائق فقط لتدميرها. إذا فكرت في ذلك، ستبدأ في التصرف بشكل مختلف».
ما الذي يجعل هذا الاقتباس ملهماً؟
في عصر أصبحت فيه السرعة والمكاسب الفورية هي المسيطرة على قرارات كثير من الناس، يذكّرنا بافيت بأن السمعة والثقة تُبنى ببطء، وعلى مدى طويل، لكنها قد تنهار في لحظة واحدة نتيجة تصرف غير مسؤول. القادة الحقيقيون هم من يدركون أن النزاهة ليست خياراً، بل أساسٌ لا يُمس.
2 - عن التركيز «الفرق بين الأشخاص الناجحين والأشخاص الناجحين جداً، هو أن الناجحين جداً يقولون «لا» تقريباً لكل شيء».
لماذا هو اقتباس ملهم؟
هذا الاقتباس يعلمنا أن النجاح الحقيقي لا يأتي من السعي وراء كل فرصة، بل من اختيار ما يستحق فعلاً وقتنا وجهدنا. القادة العظماء لا يتشتتون، بل يحددون أولوياتهم بوضوح، ويركزون على القليل الذي يحدث الفرق الكبير.
3 - عن الإرث والتأثير«شخص ما يجلس اليوم في الظل، لأن شخصاً آخر زرع شجرة منذ زمن بعيد».
ما الذي يميز هذا القول؟
بينما يبدو هذا الاقتباس، وكأنه يتحدث عن الاستثمار طويل الأمد، إلا أن معناه أوسع بكثير. إنه يعكس فكرة القيادة الحقيقية، التي تترك أثراً مستداماً. القادة الذين يتخذون قرارات صائبة اليوم، قد لا يرون ثمارها مباشرة، لكنها ستخدم أجيالاً بعدهم.
4 -عن الشخصية «الصدق هدية ثمينة للغاية، لا تتوقعها من أشخاص رخيصين».
ما مغزى هذا القول؟
الصدق قيمة لا تُقدر بثمن، وليس الجميع مؤهلاً لممارستها. يشير بافيت هنا إلى أهمية اختيار الشركاء، والموظفين، والمحيطين بنا بناءً على الأخلاق لا فقط على الكفاءة، فالقيادة بدون صدق تصبح هشّة ومهددة بالسقوط في أول أزمة.
5 -عن الاستعداد والمعرفة «الخطر يأتي من عدم معرفتك لما تفعله».
لماذا هو ملهم؟
عوضاً عن الخوف من المجهول، يحفزنا بافيت على التعلم والاستعداد، كلما زادت معرفتك وخبرتك، قلت مخاطرك. القادة الناجحون لا يعتمدون على الحظ، بل على وعيهم الكامل بالمجال الذي يتحركون فيه.
6 -عن الانضباط «عندما ينحسر المد، تكتشف من كان يسبح عارياً».
ماذا يعني هذا بالضبط؟
في الأوقات الجيدة، يبدو الجميع ناجحين، حتى أولئك الذين يتخذون قرارات سيئة أو غير مدروسة، لكن في الأوقات الصعبة، تظهر الحقائق. القادة الذين يتمتعون بالانضباط المالي، ويخططون على المدى البعيد، هم وحدهم من يصمد عند انحسار «مدّ النجاح».
7 - عن العادات «سلاسل العادة خفيفة جداً، بحيث لا تُلاحظ، لكنها تصبح ثقيلة جداً بحيث لا يمكن كسرها».
ما الدرس المستفاد؟
يحذر بافيت من قوة العادات التي قد تبدو غير ضارة في البداية. القادة الذين لا ينتبهون لعاداتهم اليومية، قد يجدون أنفسهم في حلقة يصعب الخروج منها، فالعظمة تبدأ من الروتين، والانهيار كذلك.
8 -عن القدوة «أفضل شيء فعلته هو أنني اخترت الأبطال المناسبين».
لماذا هو مهم؟
النجاح لا يأتي بمعزل عن الآخرين. بافيت يشير إلى أهمية وجود قدوات إيجابية في حياتنا. من نُعجب بهم ونقلدهم يؤثرون بشكل مباشر فيما نصبح عليه، فاختر أبطالك بحذر، لأنك ستشبههم يوماً ما.
إرث يتجاوز المال
رغم أن بافيت، تقاعد من مهامه اليومية، إلا أن أفكاره ستبقى حية تُلهم الأفراد والقادة لعقود قادمة. لم يكن إرثه الحقيقي مجرد مليارات الدولارات، بل المبادئ التي بثها في كل خطوة: التواضع، والبساطة، والحكمة، والقيادة القائمة على الأخلاق والمعرفة.
وسواء كنت تقود شركة أو تسعى لقيادة حياتك بشكل أفضل، ستجد في كلماته مرشداً هادئاً يدفعك نحو الأفضل.
0 تعليق