عدنان يوسف *
استوقفتني مقالة أخي العزيز الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم المناعي المنشورة في الصحافة المحلية، حول انخفاض أسعار النفط وتأثيره في اقتصادات المنطقة، حيث يتصاعد القلق من نشوب الحروب التجارية، وما تخلفه من تأثيرات كثيرة من بينها تباطؤ التجارة العالمية والطلب على السلع الأساسية بما في ذلك النفط.
لقد أعجبت للغاية بتحدثه حول الاحتمالات المتوقع أن تواجهها دول المنطقة، في حال استمرار تراجع أسعار النفط، والخيارات المتاحة أمامها، للتعامل مع هذا الوضع، وأتفق معه على أن الاقتصاد العالمي يمر بحالة من عدم اليقين، مما يحدث حالة من عدم الوضوح في توقع التطورات القادمة. وأود في هذه المقالة التركيز بشكل خاص على البدائل المتاحة أمام دول التعاون للتعامل مع هذه الأوضاع.
لمواجهة هذه التحديات، تسعى دول الخليج إلى تعزيز مصادر الإيرادات غير النفطية، من خلال تنفيذ برامج تنموية وتنويع اقتصادي، مثل رؤية السعودية 2030. كما تعمل على تحسين كفاءة الإنفاق العام، وتطبيق إصلاحات مالية مثل ضريبة القيمة المضافة، وترشيد الدعم الحكومي لبعض السلع والخدمات.
كما أن دول الخليج تمتلك احتياطيات مالية كبيرة، وقدرة على التكيف مع تقلبات أسعار النفط. ومع استمرار الجهود لتنويع الاقتصاد وتعزيز القطاع غير النفطي، من المتوقع أن تتمكن هذه الدول من تحقيق نمو مستدام على المدى الطويل، وتقليل اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات. كما تمتلك دول الخليج مجموعة من البدائل الاستراتيجية لمواجهة آثار انخفاض أسعار النفط، وذلك ضمن إطار خططها للتحول الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. ومن بين أبرز البدائل، مواصلة تنفيذ برامج التنويع الاقتصادي، وفق الرؤى الطويلة الأجل من خلال تطوير القطاعات غير النفطية مثل السياحة، الصناعة، الخدمات اللوجستية، التكنولوجيا، الطاقة المتجددة. كذلك تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر، عبر تحسين بيئة الأعمال وإصلاح التشريعات، وتحفيز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي، من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. كذلك من البدائل التي دشنتها بعض دول المجلس، ونقترح أن تنظر فيها بقية الدول هي تنويع الإيرادات غير النفطية، من خلال تنويع الضرائب الموجهة لدخل الشركات الكبيرة والناجحة وعلى الأراضي البيضاء ورسوم الخدمات الحكومية.
أيضاً من البدائل المحورية، ترشيد الإنفاق وإعادة هيكلة المالية العامة، من خلال ترشيد إنفاق وحجم الجهاز الحكومي، وإعادة توجيه الإنفاق نحو القطاعات الأكثر إنتاجية مثل التعليم والتكنولوجيا.
أيضاً الاستثمار في الطاقة المتجددة والنظيفة، حيث تعمل السعودية على مشروع «مدينة نيوم»، التي تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح، وتعمل الإمارات عبر «مصدر» و«مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية» على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، كما تعمل البحرين على التوسع في استخدام الطاقة البديلة في قطاعات الصناعات والخدمات.
كما أن التحول الرقمي والتكنولوجي في دول الخليج، يمثل أحد المحاور المركزية في استراتيجيات التنويع الاقتصادي، وهو ليس مجرد تحديث تقني، بل تغيير هيكلي في طريقة إدارة الاقتصاد والخدمات الحكومية.
ومحور آخر لا يقل أهمية عن كل ما ذكرناه هو محور الموارد البشرية والكفاءة الإنتاجية من إصلاح التعليم، وربطه بسوق العمل وتمكين المرأة وزيادة مشاركتها الاقتصادية. كذلك رفع نسب توطين الوظائف لتمكين المواطن والكفاءات الوطنية من أخذ كامل دورها في برامج التنمية.
وأخيراً، يجب أن نؤكد بشكل خاص على التكامل الاقتصادي الخليجي كسبيل للحماية من التقلبات الاقتصادية، حيث إن هذا التكامل يخلق كتلة اقتصادية متينة ومتراصة البنيان. لذلك مطلوب الإسراع في إقامة مشاريع التكامل، وهي الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي، وتسهيل حركة البضائع ورؤوس الأموال والاستثمار المشترك في مشاريع البنية التحتية والربط الكهربائي والنقل.
* رئيس جمعية مصارف البحرين رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً
0 تعليق