وصلت الانبعاثات الكربونية العالمية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2024، إذ بلغت 40.8 مليار طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المكافئة، على الرغم من النمو الكبير في الطاقة المتجددة والتعهدات المناخية الدولية العديدة بالحياد الكربوني.
وتعد الصين والولايات المتحدة والهند أكبر 3 دول من حيث انبعاثات الكربون، إذ تمثل مجتمعة أكثر من نصف الانبعاثات العالمية. وفي حين أظهرت الولايات المتحدة انخفاضات كبيرة منذ عام 2000، شهدت الصين والهند زيادات كبيرة مرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ووفقا للمراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لعام 2025 التي أصدرها معهد الطاقة (EI) في أواخر شهر يونيو/حزيران، تتوسع الطاقة النظيفة لكنها لا تزال غير قادرة على استبدال الوقود الأحفوري بالقدر اللازم لخفض الانبعاثات الإجمالية، مما يشير إلى أن نمو الطلب العالمي أو الإزاحة الكبيرة للوقود الأحفوري أمر ضروري لانخفاض الانبعاثات.

اتجاه مقلق
وأكدت المراجعة استمرار الاتجاه المُقلق للتلوث. فرغم الاستثمارات التاريخية في مصادر الطاقة المتجددة وتعهدات تحقيق صافي انبعاثات صفري من جميع الاقتصادات الكبرى، فقد بلغت انبعاثات الكربون العالمية مستوى قياسيا في عام 2024.
وتُقسّم المراجعة انبعاثات الكربون إلى فئات، إلا أن المقياس الأكثر شمولًا هو إجمالي مكافئات ثاني أكسيد الكربون التي تشمل الانبعاثات الناتجة عن استخدام الطاقة، والحرق، والعمليات الصناعية، والميثان المرتبط بإنتاج الوقود الأحفوري ونقله وتوزيعه.
ويقدم هذا النهج صورة أشمل لإسهام كل دولة في مستويات الكربون الجوي. ورغم أن التغيرات في استخدام الأراضي، مثل إزالة الغابات لم تُدرج، فإن إدراج غاز الميثان -وهو غاز دفيئة أقوى بكثير من ثاني أكسيد الكربون- يجعل هذا المقياس أكثر دقة لتأثيره على الغلاف الجوي.
إعلان
وبناء على الدراسة، بلغت انبعاثات الكربون العالمية أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2024، لتصل إلى 40.8 مليار طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. وهذا يمثل ارتفاعا من 40.3 مليار طن متري في عام 2023، بزيادة قدرها 0.5 مليار طن عن العام السابق.
ويأتي ذلك على الرغم من الاستثمارات القياسية في مصادر الطاقة المتجددة والتعهدات الجريئة بتحقيق صافي انبعاثات صفري من الدول والشركات على حد سواء. وقد استمر هذا النمو بمعدل ثابت نسبيا منذ عام 2021.
وعلى مدار العقد الماضي، زادت الانبعاثات العالمية بنحو 1% سنويا في المتوسط، على الرغم من تزايد قائمة التعهدات الدولية المتعلقة بالمناخ.
وشهد عام 2024 نموا قياسيا في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتشير بيانات الانبعاثات بوضوح إلى أن الطاقة النظيفة آخذة في التوسع، ولكن ليس بالسرعة الكافية لمواكبة الطلب العالمي المتزايد على الطاقة.
وتبقى أكبر 3 دول مُصدرة للكربون في العالم هي الصين والولايات المتحدة والهند. وتمثل الانبعاثات في هذه الدول مجتمعة أكثر من نصف إجمالي الانبعاثات العالمية. ومع ذلك، فقد سلكت مسارات مختلفة للغاية خلال العقود القليلة الماضية، حسب المراجعة.

تناقض الريادة الصينية
فعلى الرغم من زيادة عدد السكان بنسبة 37% خلال هذه الفترة، كانت انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة في عام 2024 أقل مما كانت عليه في عام 1990. وعلى مدار العقد الماضي، انخفضت بمعدل سنوي متوسط قدره 1%. ولم تخفض أي دولة انبعاثاتها الكربونية أكثر من هذا المعدل خلال هذا القرن.
ومنذ عام 2000، انخفضت انبعاثات الولايات المتحدة بمقدار 913 مليون طن متري، لكن تراجع الرئيس دونالد ترامب عن السياسات المناخية ودعوته للتوسع في الاعتماد على الوقود الأحفوري ينذر بارتفاع في الانبعاثات في المستقبل.
وفي المقابل، تضاعفت انبعاثات الكربون في الصين 5 أضعاف منذ عام 1990، إذ ارتفعت بمقدار مذهل بلغ 8.8 مليارات طن متري منذ عام 2000 وحده.
ففي عام 2024، أصدرت الصين ما يقارب 12.5 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يقارب 31% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وأكثر من إجمالي انبعاثات أميركا الشمالية وأوروبا.
ورغم كونها الرائدة عالميا في نشر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تُعد الصين أيضا أكبر مستهلك للفحم في العالم. هذا التناقض -قيادة التوسع في الطاقة النظيفة مع استمرار الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري- يُفسر استمرار ارتفاع انبعاثات الكربون العالمية، حتى مع نمو مصادر الطاقة المتجددة بمعدلات قياسية.
كذلك تضاعفت انبعاثات الهند 5 أضعاف منذ عام 1990، بزيادة قدرها 2.2 مليار طن متري منذ عام 2000، لتحتل المرتبة الثانية بعد الصين من حيث النمو المطلق. وفي عام 2024 بلغت انبعاثات الهند 3.3 مليارات طن متري، بزيادة قدرها 24% عن العقد الماضي.
وترتبط انبعاثات الهند المتزايدة بالتنمية الاقتصادية، حيث يزداد الطلب على الطاقة. ولا يزال الوقود الأحفوري يُلبي جزءا كبيرا من هذا الطلب.
إعلان
وبشكل عام، تكشف المراجعة عن اختلالات هيكلية أعمق في معدل الانبعاثات. فعلى مدى العقد الماضي شهدت أفريقيا ارتفاعا في الانبعاثات بنسبة 25%، وارتفعت انبعاثات الشرق الأوسط بنسبة 15%، وأضافت منطقة آسيا والمحيط الهادي، التي تضم الصين والهند، أكثر من 9%.
وسجلت أميركا الجنوبية والوسطى زيادة قدرها 9.3%، وفي المقابل شهدت أوروبا انخفاضا ملحوظا في الانبعاثات، بمعدل 1.4% سنويا على مدار العقد. وانخفضت انبعاثات الاتحاد الأوروبي إلى 3.7 مليارات طن متري بحلول عام 2024، بانخفاض قدره 15% عن العقد السابق.
لكن هذا النجاح يبقى متفاوتا. ففي شرق أوروبا وجنوبها، استقرت الانبعاثات، بل إنها في ازدياد، وأخرت الضغوط الاقتصادية بعض خطط التخلص التدريجي من الفحم. وبينما تُعتبر أوروبا رائدة في مجال المناخ، تُظهر انقساماتها الداخلية صعوبة في الحفاظ على الزخم بين تكتل متنوع من الدول.
تعكس هذه الاتجاهات مستويات متفاوتة من طموحات السياسات، ويأتي جزء كبير من نمو الطلب العالمي على الطاقة من دول لا تزال في طور بناء البنية التحتية الأساسية، وتوسيع شبكات النقل، وزيادة الإنتاج الصناعي، وتوسيع الطبقة المتوسطة.
كما تشير البيانات إلى أن التحول في مجال الطاقة، الذي رُوّج له بكثافة، لا يزال يسير ببطء شديد، وذلك يحول دون وقف نمو الانبعاثات، إذ تتزايد استخدامات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكنهما لم تحلا بعد محل الوقود الأحفوري بالمستوى اللازم لخفض إجمالي الانبعاثات.
0 تعليق