
مستشرق وعالم سياسي فرنسي
17/8/2025-|آخر تحديث: 18:54 (توقيت مكة)
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تسارع انهيار صورة إسرائيل في العالم على نحو مذهل. واحدا تلو الآخر، تلاشت ادعاءاتها الإنسانية والكونية، ولم يبقَ إلا العري الفج والفاحش لعدوانية طائفية متعصبة تقوم صراحة على نزعة تفوقية.
ليس ذلك "عن طريق الخطأ"، ولا بيد أحد ناشطيها المتطرفين المنفلتين، بل بصوت وإرادة قادتها الرسميين، تستطيع إسرائيل اليوم أن تقرر بوعي تام قصف المستشفيات، واغتيال الأطباء والممرضين ببرود منهجي، ووضع قائمة بأسماء الصحفيين الأكثر خطورة على سمعتها، (مئتان؟)، ثم الانتقال بلا عقاب إلى مرحلة تصفيتهم الجسدية.
هل يمر بلا عقاب؟.. هذا ما ستكشفه الأيام.
في الرأي العام الغربي، كما في جزء على الأقل من الرأي العام العالمي، كان لإسرائيل منذ نشأتها ثلاثة وجوه متعاقبة. في البداية اتخذت الوجه "الملائكي" و"المسيحاني"، ونجحت في استثمار الأساطير الكاذبة التي مكنتها من الوجود: "العدالة" التي تعوض فظائع المحرقة (الهولوكوست)، و"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، و"الاشتراكية" السخية للبنّائين… إلخ.
ثم في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1995، جاء اغتيال إسحاق رابين على يد يهودي قومي متشدد، كما كان يُقال حينذاك، ليكرس لا مجرد وجود، بل مركزية مكون راديكالي، متفوق وعنصري، في قلب المجتمع الإسرائيلي، وهو مكون لم يكن يتطابق البتة مع الصورة التي فُرضت حتى ذلك الحين على العالم.
نتنياهو، حين فتح الباب أمام المستوطنين المتطرفين للدخول إلى الحكومة حفاظا على مسيرته السياسية، كرس انتصار هذا المكون الكريه.
فقد كشف بوضوح لا عن الأسس الطائفية لهذه الشريحة من المجتمع الإسرائيلي فحسب، بل أيضا عن واقع أن الغالبية الساحقة من بقية المجتمع، الصامتة تماما أمام وحشية جيشها ومستوطنيها، كانت متماهية معها كليا. وهكذا، فإن أسطورة صهيونية "اليسار" أو "الوجه الإنساني" قد انتهى زمنها.
إعلان
في 15 مايو/أيار 2022، لم تعترف القوات الإسرائيلية باغتيال صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة، رغم أن الجريمة كانت موثقة بشكل قاطع. أما اغتيال صحفي الجزيرة أنس شريف، المخطط بعناية والمدعوم رسميا، فقد جرى تبنيه علنا من قمة الدولة.
هل سيبقى بلا عقاب؟ ربما غدا، لكن بعد غد بالتأكيد لا.
إن النزيف في شرعية إسرائيل الذي يصيبها اليوم، في العالم عامة، وفي الغرب أيضا، بما في ذلك الولايات المتحدة، سيثقل غدا على كاهل أي من خلفائها، سواء كانوا من أقصى اليمين أم من اليسار.
إن نتنياهو لم يحفر قبر أنس شريف فحسب، ولا حتى قبر اليمين الإسرائيلي المتطرف، بل لقد "حفر بالفعل قبر الصهيونية".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
0 تعليق