روائي وكاتب مصري بارز، ولد في القاهرة عام 1937 وتوفي صيف 2025، وهو من أبرز كتاب الرواية العربية المعاصرة، خاصة السياسية والاجتماعية. انخرط في صفوف اليسار المصري في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وتعرض للاعتقال عام 1959 ضمن حملة اعتقالات طالت الشيوعيين، وقضى في السجن 5 سنوات.
عمل محررا صحافيا في القاهرة ثم ألمانيا، ودرس السينما في موسكو قبل أن يقرر العودة للقاهرة والتفرغ للكتابة الأدبية عام 1975، كما كان من أبرز رواد الرواية الوثائقية التي تعتمد على الأرشيف الصحافي والوثائق الرسمية، وقد فتحت تجربته آفاقا جديدة أمام السرد العربي المعاصر.
نعاه وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو قائلا "فقدنا قامة أدبية استثنائية" وأكد أن أعمال الراحل امتازت بالعمق في الرؤية، مع التزامه الدائم بقضايا الوطن والإنسان، وهو ما جعله مثالا للمبدع الذي جمع بين الحس الإبداعي والوعي النقدي.
الميلاد والنشأة
ولد صنع الله إبراهيم في حي العباسية بالقاهرة في 3 أغسطس/آب 1937. كان والده موظفا حكوميا وتزوج من والدته التي كانت تعمل ممرضة بعد وفاة زوجته الأولى.
وعند ولادته، أدى والده -الذي كان في عقده السادس- صلاة استخارة، ثم فتح المصحف ووقعت عينه على الآية 88 من سورة النمل (صنع الله الذي أحسن كل شيء) فاختار له اسم "صنع الله" وهو اسم غير مألوف حينها، وأثار استغراب وتهكم أقرانه ومدرسيه، فكانوا ينادونه باسم "صُنْعُه".

فتحت مكتبة الوالد عيني صنع الله على عالم القراءة، فاطلع في سن صغيرة على مؤلفات الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي وقصص الروائية البريطانية أغاثا كريستي. وكان عمره 14 سنة عندما فاز بأول جائزة أدبية، إذ حل في المركز الثاني بمسابقة للقصة القصيرة نظمها الكاتب عزيز أرماني.
وشكل الفارق الاجتماعي بين أسرة والده الميسورة وأسرة والدته المتواضعة دافعا لبروز وعيه النقدي الحاد وانتمائه المبكر للاتجاه اليساري، خاصة وأن عائلة والده بعد وفاة زوجته الأولى رفضت زواجه من والدته لأسباب طبقية.
الجامعة والاعتقال
درس صنع الله القانون في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وانجذب في تلك الفترة للنشاط السياسي، وبدأ يكتب في الصحف الطلابية ويشارك في حلقات النقاش السياسي.
إعلان
وانضم إلى الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) وهي تنظيم شيوعي سري كان يعارض سياسات الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر.
وعام 1959، شنت السلطات حملة واسعة لاعتقال الشيوعيين والمثقفين المعارضين، واعتقل صنع الله وحكم عليه بالسجن 5 سنوات -بتهمة الانتماء لتنظيم سري شيوعي- قضاها بين سجون القلعة وأبو زعبل والواحات.

المسار المهني
بعد الإفراج عنه من السجن، عمل صنع الله صحافيا في وكالة أنباء الشرق الأوسط وفيها اكتسب خبرة في تحرير الأخبار والتقارير.
وغادر صنع الله القاهرة نحو بيروت عام 1968 لأسباب سياسية، وعمل في ترجمة وتلخيص بعض الروايات الأميركية المعروفة لصالح جريدة النهار.
وبعد أشهر سافر إلى برلين فترة الحرب الباردة وعمل محررا صحافيا في وكالة ألمانيا الديمقراطية مدة 3 سنوات.
وتوجه صنع الله إلى الاتحاد السوفياتي السابق عام 1971 لدراسة السيناريو في معهد موسكو للسينما، ثم عاد إلى القاهرة عام 1974 واستقال تدريجيا من العمل الصحفي، وتفرغ للأدب كليا عام 1975 لكنه ظل وفيا لمنهج التوثيق الصحفي في رواياته.
مواقفه السياسية والأدبية
آمن صنع الله في شبابه بأفكار العدالة الاجتماعية ومناهضة الاستعمار، وشارك في مظاهرات ضد الاحتلال البريطاني وضد سياسات الحكومة قبل حركة يوليو/تموز 1952.
وتعاطف مع حركة الضباط في البداية، لكنه انتقد لاحقا ممارسات نظام جمال عبد الناصر، خصوصا فيما يتعلق بقمع الحريات، كما انتقد سياسات الرئيس أنور السادات، خصوصا الانفتاح الاقتصادي واتفاقية كامب ديفيد التي رأى أنها أضرت بالسيادة الوطنية لمصر.
وكان صنع الله من أبرز الأصوات الثقافية المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، رافضا المشاركة في أي مؤتمر أو فعالية يحضرها إسرائيليون.

وعام 2003 أثار جدلا كبيرا حين رفض استلام جائزة الرواية العربية التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، معلنا أن السبب أنها صادرة عن حكومة تقمع شعبها، وفي الكلمة التي ألقاها على مسرح الأوبرا المصرية انتقد التطبيع مع إسرائيل والخضوع للإملاءات الأميركية.
وساهم صنع الله في تأسيس حركة كفاية (عام 2004) التي عرضت تمديد حكم الرئيس حسني مبارك وتوريث السلطة لابنه جمال، وطالبت بإصلاحات سياسية ودستورية، ودافعت عن الحريات وحقوق الإنسان.
وكان حضوره في فعاليات حركة كفاية ووقفاتها الاحتجاجية رمزيا ومؤثرا بالنظر لمكانته الثقافية وتاريخه النضالي.
ودعم صنع الله ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 منذ بدايتها وشارك فيها، ورأى فيها فرصة حقيقية للتغيير الديمقراطي، لكنه انتقد لاحقا انحراف مسارها وعودة القمع السياسي.
وقد عكست رواياته آراءه ومواقفه السياسية، ودفاعه عن المسحوقين وانتقاده فساد السلطة والاستبداد والتبعية الاقتصادية والسياسية للخارج، وكانت شخصيات رواياته تنتمي في الغالب للطبقة الوسطى أو المهمشة، وتعكس الواقع الاجتماعي والسياسي والصراع مع الظروف الاقتصادية.
وتميز أسلوب صنع الله بالمزج بين السرد الأدبي والتوثيق، إذ يوظف الأرشيف الصحفي ونصوص القوانين والوثائق الرسمية داخل الرواية.
إعلان
الإنتاجات الأدبية
ألف صنع الله العديد من الروايات والقصص القصيرة وقصص الأطفال من أهمها:
رواية "اللجنة" (عام 1981) من أشهر أعماله الأدبية، وترصد اغتراب الفرد زمن الانفتاح في عهد السادات، ويظهر فيها الحياة في مجتمع استبدادي تتغول فيه الشركات الكبرى. رواية "ذات" (عام 1992) التي تحولت إلى مسلسل عنوانه "بنت اسمها ذات". رواية "بيروت بيروت" (عام 1984). رواية "أمريكانلي" (عام 2003). رواية "شرف" (عام 1997) وتصنف ضمن أدب السجون.إلى جانب روايات أخرى مثل "وردة" (عام 2000)، و"الجليد" (عام 2011)، و"برلين 69″ (عام 2014) و"1970″ (عام 2019) وغيرها.
ومن القصص القصيرة: "تلك الرائحة" التي كتبها عام 1966 ومنعتها الرقابة من النشر مدة عقدين، و"الثعبان"، و"أرسين لوبين"، و"أبيض وأزرق".
ومن قصص الأطفال "يوم عادت الملكية القديمة" عام 1986، و"عندما جلست العنكبوت تنتظر" عام 1986، و"الدلفين يأتي عند الغروب" عام 1986.

الجوائز
حصل صنع الله على عدة جوائز عربية ودولية أبرزها:
جائزة "غالب هلسا" من اتحاد الكتاب الأردنيين عام 1992. جائزة "سلطان العويس" من الإمارات عام 1994. جائزة "ابن رشد للفكر الحر" عام 2004. جائزة "كفافيس للأدب" عام 2017. جائزة "الشعب" عام 2018. جائزة "محمود درويش للإبداع" عام 2019.كما حلت روايته "شرف" -التي تنتمي إلى أدب السجون- ثالثة ضمن قائمة اتحاد الكتاب العرب لأفضل 100 رواية عربية نشرت عام 2001.
المرض والوفاة
في مارس/آذار 2025 تعرض صنع الله لأزمة صحية وأصيب بكسر في عظمة الفخذ، خضع على إثرها لعملية جراحية دقيقة، ثم أصيب بالتهاب رئوي حاد استدعى وضعه على جهاز التنفس الصناعي.
وتوفي في 13 أغسطس/آب 2025، ونعاه وزير الثقافة المصري أحمد فؤاد هنو، وقال عنه "فقدنا قامة أدبية استثنائية". وأضاف أنه ترك "إرثا أدبيا وإنسانيا خالدا سيظل حاضرا في وجدان الثقافة المصرية والعربية".
وأكد هنو أن الراحل مثّل أحد أعمدة السرد العربي المعاصر، وامتازت أعماله بالعمق في الرؤية، مع التزامه الدائم بقضايا الوطن والإنسان، وهو ما جعله مثالا للمبدع الذي جمع بين الحس الإبداعي والوعي النقدي.
0 تعليق