بغداد- أعادت حادثة فرار سجينين من سجن الحلة المركزي (جنوب بغداد) أول أمس الجمعة -أحدهما محكوم بالسجن 7 سنوات، والآخر محكوم 6 أشهر- الجدل حول واقع السجون العراقية والتحديات الأمنية والإدارية التي تواجهها، لا سيما في ظل تكرار حوادث مشابهة خلال الأعوام الأخيرة.
وعلى إثر الحادثة، أعلنت وزارة العدل العراقية على لسان وزيرها خالد شواني إلقاء القبض على السجينين الهاربين، وفتح تحقيق عاجل في ملابسات الخرق الأمني، متوعدة بإحالة المقصرين إلى المساءلة القانونية.
ورغم أن الوزارة شددت على محدودية هذه الحادثة، فإنها أحيت المخاوف من تكرار سيناريوهات هروب جماعي كما حدث عام 2021 عندما فرّ 21 موقوفا من سجن الهلال في محافظة المثنى جنوبي البلاد، بينهم مدانون بالإرهاب والاتجار بالمخدرات، مما يعكس هشاشة الإجراءات الأمنية في بعض المؤسسات الإصلاحية، وفق مراقبين.
اكتظاظ بنسبة 200%
وفي حديثه للجزيرة نت، كشف مدير إعلام وزارة العدل مراد مهدي الساعدي عن تفاصيل الوضع الراهن للسجون في البلاد، مؤكدا أن عدد النزلاء المسجلين حاليا يبلغ نحو 67 ألفا، مشيرا إلى أن نسبة الاكتظاظ لا تزال مرتفعة، وإن شهدت تحسنا مقارنة بالماضي، إذ انخفضت من 300% إلى نحو 200%، مع وصول بعض السجون إلى طاقتها القصوى.
إعلان
وأوضح الساعدي أن انخفاض معدلات الاكتظاظ يعود إلى افتتاح عدد من السجون الجديدة خلال العامين الأخيرين، مشددا في الوقت نفسه على أن حادثة الهروب في سجن الحلة تُعد استثناء، إذ لم تسجل أي حالة هروب مماثلة خلال السنوات الأخيرة من عمر الحكومة الحالية.
وحول الحادثة الأخيرة، أكد الساعدي أن التحقيقات لا تزال جارية لكشف التفاصيل، وستُعلن النتائج بشفافية فور اكتمالها، مشيرا إلى أن الوزارة اتخذت إجراءات احترازية صارمة لمنع تكرار مثل هذه الخروقات، سواء كانت ناتجة عن خلل إداري أو ثغرات أمنية.

برامج تدريب
وفي ما يخص تطوير قدرات الكوادر العاملة، أوضح الساعدي أن حراس السجون يخضعون لبرامج تدريبية متخصصة في مراكز وأكاديميات معتمدة، تشمل دورات في التعامل مع السجناء، وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأضاف أن الوزارة استطاعت تجاوز عديد من مظاهر الفساد التي كانت تعوق تأمين الاحتياجات اللوجستية، مشيرا إلى اعتماد آليات تعاقد شفافة لتأمين المركبات المصفحة الخاصة بنقل السجناء، والمزودة بكاميرات مراقبة متصلة بالإنترنت لتتبع حركتها، فضلا عن شراء سيارات إسعاف حديثة ونصب كاميرات مراقبة داخل السجون، في إطار خطة شاملة لتعزيز المراقبة وتحسين الخدمات اللوجستية.
واعترف الساعدي بأن بعض السجون لا تزال تعاني من تهالك في بنيتها التحتية، وهو ما يؤثر سلبا على تطبيق المعايير الإنسانية والأمنية، لكنه شدد على أن الوزارة وضعت خطة واضحة لمعالجة هذا التحدي بافتتاح سجون جديدة وتأهيل المرافق القائمة.

سجون جديدة
وفي هذا السياق، أشار إلى افتتاح عدد من المؤسسات الإصلاحية مؤخرا، بينها سجن بغداد المركزي بكامل طاقته الاستيعابية، وسجن النجف، فضلا عن سجن جمجمال المقرر افتتاحه خلال هذا الشهر، وسجن العمارة، والتوسعة الجديدة في سجن الناصرية، وسجن البلديات المخصص للنساء.
إعلان
وأكد الساعدي أن هذه المنشآت ستُسهم بشكل ملموس في تخفيف الاكتظاظ وتوفير بيئة أكثر ملاءمة لتطبيق المعايير الإصلاحية.
وعن الخطط المستقبلية، كشف الساعدي عن مشروع طموح لبناء سجن في كل محافظة، إلى جانب مشروع إنشاء "مدينة إصلاحية متكاملة" في محافظة الديوانية، تضم مستشفيات ومراكز شرطة ومرافق خدمية متكاملة، وتستوعب نزلاء المحافظة كافة.

ثغرات بنيوية
من جانبها، وصفت الخبيرة القانونية شيرين زنكنة حادثة الهروب بأنها "خرق جسيم للمنظومة الأمنية والإصلاحية"، محذرة من أنها تعكس "ثغرات خطيرة في الإجراءات الأمنية والإدارية داخل المؤسسات العقابية".
وأضافت زنكنة -في حديثها للجزيرة نت- أن الواقعة تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزام الجهات المسؤولة بالمعايير القانونية والإدارية لإدارة السجون، محذرة من أن تكرار مثل هذه الحوادث "يهدد الأمن العام ويقوض الثقة بالمؤسسة العقابية".
وشددت على أن "ما جرى ليس مجرد حادثة عارضة، بل إنه مؤشر على وجود خلل بنيوي عميق يستدعي تحقيقا معمقا ومساءلة صارمة".
وأشارت إلى أن المفاهيم الحديثة للسياسة العقابية التي تركز على إصلاح وتأهيل السجين وضمان حقوقه تصطدم بواقع من "الإهمال والتراخي والفساد"، مما يقوّض أهداف العدالة الإصلاحية.
وحذّرت زنكنة من أن الفساد الإداري والتواطؤ من بعض العناصر الأمنية يمكن أن يسهم في تسهيل عمليات الهروب أو إدخال الممنوعات، داعية إلى إصلاحات شاملة وتشديد العقوبات بحق المتورطين لضمان الحماية الفعلية للسجون.
اتهامات بالفساد
من جهته، وصف الخبير الأمني صفاء الأعسم أوضاع السجون العراقية بـ"المزرية"، معتبرا أن البنية التحتية في معظم المؤسسات الإصلاحية "مهترئة ولا تتوافق مع المعايير الإنسانية".
إعلان
وقال الأعسم للجزيرة نت إن تقارير ميدانية تكشف عن اكتظاظ خانق داخل بعض السجون، تصل فيه أعداد النزلاء إلى نحو 60 شخصا في غرفة لا تتجاوز مساحتها (6×5 أمتار)، مما يدفع بعض السجناء إلى النوم وهم متلاصقون على الأكتاف.
وأضاف أن السجون العراقية تشهد مظاهر "استغلال فاضحة"، إذ تبلغ كلفة المكالمة الهاتفية الواحدة 10 آلاف دينار (نحو 8 دولارات)، في حين تصل كلفة استئجار هاتف أسبوعيا إلى 600 ألف دينار (نحو 420 دولارا)، وقد تبلغ 3 ملايين دينار شهريا (نحو 2400 دولار).
وتابع أن "مثل هذه الأرقام تجعل من موقع ضابط السجن مصدرا لضخ ملايين الدنانير، وهو ما يثير تساؤلات حول احتمال شراء التواطؤ لتسهيل الهروب أو تمرير الممنوعات".
وأشار الأعسم إلى دخول المخدرات إلى السجون عبر جهات يفترض بها أن تمنعها، مؤكدا أن "الفساد داخل المؤسسات الإصلاحية بلغ مستويات مقلقة"، لافتا إلى ما سماها بـ"امتيازات النزلاء النافذين"، من قبيل امتلاك ثلاجات خاصة، وخدمة توصيل القهوة، وكأنها "سجون 5 نجوم".
ودعا إلى "إعادة تقييم شاملة للعاملين في السجون"، مؤكدا أن مواجهة هذا التحدي تتطلب "نزاهة وكفاءة عالية، بعيدا عن المجاملة والرشوة"، لضمان حماية منظومة السجون من الانهيار.
0 تعليق