تشير تقديرات سوق الطاقة الخضراء إلى أن الصين أخذت في السنوات الأخيرة زمام المبادرة العالمية في تصنيع تكنولوجيا الطاقة المتجددة، فهي تصنع وتستخدم وتصدر المزيد من الألواح الشمسية وطواحين الهواء والمركبات الكهربائية مقارنة ببقية دول العالم مجتمعة.
وتسيطر الصين حاليا على أكثر من 80% من سلسلة توريد الألواح الشمسية عالميا والتي يمكن إنتاجها بتكلفة أقل من منافسيها، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، وفي المقابل تعرقل سياسات ترامب المتعلقة بالمناخ، المنافسة مع الصين.
وقد تسهم الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات إلى جانب دعم التصنيع، في حماية صناعة الطاقة الشمسية الأميركية، لكن الصين يبدو أنها أخذت قصب السبق في هذه الصناعة ووسعت الفجوة مع منافسيه بما في ذلك الولايات المتحدة.
وتصنع الشركات الصينية الألواح الشمسية بتكلفة تتراوح بين 16 إلى 19 سنتا للواط الواحد، في حين تواجه الشركات الأميركية تكاليف تبلغ نحو 28 سنتا، وفقا لتقديرات عام 2024.
وفيما تحتاج البلدان النامية إلى كميات هائلة من معدات الطاقة المتجددة ضمن مساعيها لتنمية اقتصاداتها دون تفاقم تغير المناخ، باتت الصين المورد المفضل لهذه البلدان، بما فيها البلدان الحليفة للولايات المتحدة.
إعلان
وتشير تقديرات جامعة غريفيث في أستراليا إلى أن صفقات الاستثمار والبناء في مجال الطاقة الصينية في البلدان التي وقّعت على سياسة الرئيس الصيني التجارية والبنية الأساسية، مبادرة الحزام والطريق، اقتربت من 40 مليار دولار العام الماضي، منها 11.8 مليار دولار ذهبت إلى مجال الطاقة الخضراء.
تستخدم بكين الآن خبراتها في مجال التكنولوجيا الخضراء لكسب نقاط ضد ترامب المُشكك في تغير المناخ. وبعد جولة الرئيس شي جين بينغ في فيتنام وماليزيا وكمبوديا أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن "بعض" الدول (في إشارة إلى الولايات المتحدة) ترفع تكاليف الطاقة المتجددة عالميا، بينما "تعمل بكين مع جميع الأطراف لاستخدام الوسائل الخضراء لتعزيز التنمية".

صعود صيني وشكوك أميركية
وفي حين تواجه الدول الثلاث تعريفات جمركية أميركية تتراوح بين 46 و49% وعد الرئيس الصيني بتحقيق "التنمية الخضراء" في جميع أنحاء المنطقة من خلال صفقات البنية الأساسية، بينما حاولت إدارة ترامب منع الصين من استخدام جنوب شرق آسيا كمركز تصنيع وتصدير لتقنياتها الخضراء المتجهة إلى الولايات المتحدة.
وفي أبريل/نيسان فرضت وزارة التجارة الأميركية رسوما جمركية تصل إلى 3500% على مُصنعي الألواح الشمسية الصينيين في الدول الثلاث التي زارها شي، وهي فيتنام وكمبوديا وماليزيا بالإضافة إلى تايلاند، بعد أن قضت بتلقيهم دعما من الحكومة الصينية.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد خفض في وقت سابق التمويل الدولي للمناخ، والذي ارتفع خلال إدارة بايدن من 1.5 مليار دولار في عام 2021 إلى 11 مليار دولار في عام 2024، كما أنه أنهى فعليا عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في تعزيز الطاقة المتجددة في العالم النامي.
وقال مسؤول كبير سابق في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لنيويورك تايمز لنقاش أمر سياسي حساس: "إذا لم تكن الولايات المتحدة بديلا، فلن يكون هناك خيار أمام دول المنطقة سوى المزيد من الترابط والتكامل" مع الصين.
وأضاف المسؤول السابق أن إنهاء المساعدات الإنمائية الأميركية للتكنولوجيا الخضراء "يترك المجال بلا منافسة على الإطلاق للصين، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم المعضلة التي تواجه بلدانا مثل الفلبين" حسب تقديره.
وفي الفلبين، أعادت التوترات المتصاعدة مع بكين بشأن الجزر المتنازع عليها إحياء الجدل حول امتلاك شركة صينية حكومية حصة 40% في شبكة الكهرباء الوطنية. كما خضعت سدود الطاقة الكهرومائية المدعومة من الصين للتدقيق بسبب مزاعم بأن العقود تُفضّل الشركاء الصينيين.
إعلان
وقد أدى هذا الحذر إلى توقف بعض صفقات البنية الأساسية التي تم توقيعها مع الصين في عهد سلف ماركوس، رودريغو دوتيرتي، لكن الشركات الصينية لا تزال تشارك في العديد من مشاريع الطاقة المتجددة في البلاد.

الخيار الصعب
ويقر النائب في البرلمان الفلبيني وين غاتشاليان بأن الموردين الصينيين لا يزالون أساسيين لتركيب الألواح الشمسية وتوربينات الرياح قائلا "ليس أمامنا خيار سوى شراء ألواحنا الشمسية من الصين، فهي الأرخص في العالم".
وتستخدم مزارع الرياح التي تبنيها شركة "ألترنيرجي" (Alternergy) حاليا توربينات بقوة 8 ميغاواط من إنتاج شركة "إنفيجن" (Envision) التي يقع مقرها في شنغهاي، وستكون هذه المزارع هي الكبرى التي يتم تركيبها في الفلبين. ويشكل تسليم التوربينات الشهر الماضي علامة فارقة في خطة التوسع الطموحة للشركة الصينية الخاصة خارج الصين.
وقال جيري ماجبانوا، رئيس شركة "ألترنيرجي" للطاقة المتجددة ومقرها مانيلا لواشنطن بوست "نرى أنهم يكثفون نشاطهم ليس فقط في السوق الفلبينية، بل في أسواق دولية أخرى أيضا. لقد أرادوا أن يتدخلوا بقوة ويقودوا جهود المصنّعين الصينيين هنا".
واستثمرت الصين ما يقارب من 680 مليار دولار في تصنيع التكنولوجيا النظيفة حتى عام 2024، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وهذا يعادل تقريبا إجمالي استثمارات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين.
وفي أغلب التقنيات ومكونات الطاقة الخضراء، تشكل الصين أكثر من نصف الإنتاج العالمي، وقد نمت هذه الحصة من عام 2021 إلى عام 2023.
وتقول سامانثا كاستر، مديرة تحليل السياسات في "إيد داتا"، -وهي مجموعة بحثية تابعة لجامعة ويليام وماري في فرجينيا-، "لا تحتاج الصين إلى فعل أي شيء لتحقيق النصر". وأضافت أن بكين سعت بإصرار إلى "زرع بذور الشك في أن الولايات المتحدة ليست شريكًا اقتصاديا وأمنيا موثوقا به، وللأسف، يرى الناس الآن أن الولايات المتحدة تُعزز هذه الشكوك".
إعلان
0 تعليق