أطلقت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الخميس الماضي، مؤتمرها الدولي الـ 17 «البصمة الوراثية وتحرير الجينات في عصر الذكاء الصناعي... رؤية إسلامية»، وذلك برعاية سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، وبحضور وزير الصحة د. أحمد العوضي وعدد كبير من المتخصصين.
أحمد العوضي: تسخير العلم يجب أن يكون لخدمة الإنسان والتقنية ينبغي أن تبقى أداة للرحمة
وفي كلمة ألقاها نيابة عن سمو ولي العهد، قال الوزير العوضي إن اختيار موضوع المؤتمر يُعدّ انعكاسا لوعي مؤسساتنا العلمية والفقهية بعمق التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم في زمن تتقاطع فيه بعض معطيات الذكاء الاصطناعي مع القيم الإنسانية والضوابط الشرعية، وتتشابك فيه القدرات التقنية مع مسؤولياتنا الأخلاقية والاجتماعية.
العوضي: العلوم الجينية غدت تحمل آمالاً واعدة لعلاج الأمراض الوراثية المستعصية
وأضاف أن العلوم الجينية غدت ركيزة من ركائز الطب الحديث، حاملة آمالا واعدة لعلاج الأمراض الوراثية المستعصية وتطوير نماذج علاجية دقيقة تراعي التركيب الجيني لكل مريض، لكن هذه الطفرات العلمية على ما تحمله من بشائر تطرح في المقابل تساؤلات دقيقة حول حدود التدخل البشري في الخلق ومشروعية تعديل الصفات الوراثية ومآلات التحكم في الجينات المشكّلة لمستقبل الإنسان.
أحمد العوضي
وأوضح أن البصمة الوراثية أصبحت من أدوات التحليل الجيني المستخدمة عالميا في مجالات متعددة، لاسيما في الطب والعدالة، وتظل كغيرها من التطبيقات العلمية محاطة بجملة من التحديات التي تستوجب نقاشا مؤسسيا متخصصا يراعي الأبعاد المختلفة في إطار من الضبط والوعي.
الذكاء الاصطناعي
وذكر أنه مع تطور الذكاء الاصطناعي بات من الممكن تحليل ملايين الشفرات الوراثية في ثوانٍ معدودة والتنبؤ بالاستجابات الدوائية والمسارات الجينية بدقّة غير مسبوقة، غير أن هذه الإمكانات تضع الإنسانية أمام مسؤوليات أخلاقية وتشريعية أبرزها التلاعب الجيني لأغراض غير علاجية وانتهاك الخصوصية الوراثية والتمييز الجيني واستغلال التقنية لأغراض تجارية أو تجريبية لا تضبطها المنطلقات الأخلاقية أو العلمية أو القانونية.
واستطرد: «تتعاظم الحاجة إلى رأي مؤسسي راسخ يستند إلى علم رصين وفقه متزن وحكمة بصيرة، ورأي يشارك في صناعته العالم المتخصص والفقيه المتمكن والمشرع الواعي والطبيب المؤتمن لوضع تصور متوازن يراعي مصالح الإنسان وأمانته في الاستخلاف».
وأكد أن انعقاد هذا المؤتمر على أرض الكويت وفي ظل القيادة الحكيمة لسمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد يجسّد رؤية الكويت في دعم العلم والعلماء وتكريس المبادئ الإنسانية وتوسيع جسور الحوار بين المعارف الحديثة وأحكام الشريعة الإسلامية، مشددا على أن تسخير العلم يجب أن يكون لخدمة الإنسان، وأن التقنية ينبغي أن تبقى أداة للرحمة.
موقف واضح
من جانبه، ألقى رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، رئيس المؤتمر، د. محمد الجارالله، كلمة عبّر فيها عن بالغ شكره وامتنانه لسمو ولي العهد على دعمه ورعايته السامية لهذا المؤتمر العلمي والشرعي الكبير، مؤكدا أن هذا الدعم يعكس الرؤية المستنيرة للقيادة الكويتية في تعزيز التكامل بين الدين والعلم لمواكبة التحديات الطبية المعاصرة.
محمد الجارالله: تداخل الذكاء الاصطناعي مع علوم الجينات يضع العالم أمام تحدٍّ علمي وأخلاقي بالغ الخطورة
وأشار إلى أن المنظمة تحظى كذلك بدعم كريم من القيادة السياسية، إيمانا منها بأهمية دور المنظمة في التفاعل مع قضايا الطب والفقه والإنسان، في زمن تتسارع فيه التحولات وتتعاظم فيه التحديات الأخلاقية والطبية.
وسجّل الجارالله تقديره الخاص للنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على تسخير دوائر وزارته، في إنجاح المؤتمر، كما أشاد بدعم وزير الصحة ومساندته الدائمة للمنظمة، ومتابعته لإنجاح هذا الحدث العلمي.
وفي كلمته، استعرض الجارالله تاريخ المنظمة، التي أسست عام 1981 بمبادرة من المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الأحمد - طيّب الله ثراه - لتكون الذراع الطبية والفقهية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، مؤكدا أن المنظمة عقدت أكثر من 50 مؤتمرا وندوة علمية أصبحت مرجعا لعلماء الدين والطب في العالم الإسلامي، حيث تمت مناقشة قضايا دقيقة مثل الاستنساخ، وزراعة الأعضاء، والهندسة الوراثية، والتلقيح الصناعي، والخلايا الجذعية، والرحم الصناعي، وأخلاقيات المهنة الطبية.
وقال إن المؤتمر الحالي لا يأتي فجأة، بل هو استكمالٌ لمسارٍ علمي طويل بدأته المنظمة منذ عام 1987، حين طرحت لأول مرة موضوع البصمة الوراثية في أحد مؤتمراتها، مؤكدة بذلك ريادتها الفكرية والعلمية في هذا المجال.
الشفرات الوراثية
وأوضح الجارالله أن العالم يقف اليوم أمام تحدٍّ علمي وأخلاقي بالغ الخطورة، يتمثل في تداخل الذكاء الاصطناعي مع علوم الجينات، حيث أصبحت التطبيقات الحديثة قادرة على تحليل الشفرات الوراثية بدقة متناهية، والتنبؤ بالأمراض، وتحديد صفات المواليد مسبقًا، بل وتصميمهم حسب الطلب!
وقال: «نحن لا نعيش زمن الخيال العلمي، بل واقعا جديدا يتطلّب اجتهادا شرعيا جماعيا يجمع بين العلم والشرع والكرامة الإنسانية»، مضيفا أن النتائج أصبحت مذهلة وصادمة في آنٍ واحد: «طفل بثلاثة آباء، صفات جسدية وعقلية مُصممة، تحديد لون العين، وطول القامة، ودرجة الذكاء... بل وتعديل الخريطة الوراثية!»
ودعا إلى صياغة موقف شرعي وعلمي مؤسس، يستند إلى علم رصين، وفقه متزن، وحكمة بصيرة، يشارك فيه الطبيب المؤتمن والفقيه الراسخ والمشرّع الواعي، لتوجيه هذه الطفرات العلمية نحو الخير العام، وتجنيبها منزلقات الانفلات أو الاستغلال التجاري أو العنصري.
مصطفى: بناء منظومة معرفية متكاملة تضمن حوكمة عادلة للتقنيات
شدد الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، د. قطب مصطفى، على أهمية التزام مؤسسات الفتوى والإفتاء والصحة في الدول الأعضاء بالقرارات المجمعية بشأن الجينوم البشري، والذكاء الاصطناعي، والهندسة الوراثية، حفاظا على وحدة المرجعية الشرعية والفكرية للأمة.
وأشار إلى أن المؤتمر لا يستمد أهميته فقط من عنوانه العلمي، بل من كونه فضاءً جامعا لصياغة رؤية أخلاقية شرعية إنسانية توجه مسار التطور العلمي وتقيه منزلقات الفوضى، داعيا إلى بناء منظومة معرفية متكاملة تُعزز التعاون بين المتخصصين، وتضمن حوكمة عادلة للتقنيات الحديثة.
0 تعليق