المعاناة تتزايد.. الصين تتكتم على آثار النزاع التجاري - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

رغم الصورة التي تحاول الصين إظهارها بشأن قدرتها الاستثنائية، على امتصاص صدمات حرب جمركية طويلة الأمد مع أميركا، إلا أن التصدعات بدأت بالظهور بشكل لا يمكن تجاهله في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.

فمن خطوط إنتاج متوقفة، إلى شركات مُنهكة بفعل تراجع الطلب الأميركي، تتكشّف يوماً بعد يوم، ملامح واقع اقتصادي صيني، يتناقض مع الانطباع الذي تحاول أن تخلقه التصريحات الرسمية في البلاد، وهو ما يطرح تساؤلات ملحّة، حول مدى قدرة بكين على الصمود، إذا ما طال أمد نزاعها التجاري مع أميركا.

وبحسب تقرير أعدته صحيفة "وول ستريت جورنال"، واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فقد تراكمت في الأسابيع الأخيرة، المؤشرات التي تدل على أن الشركات الصينية تكافح من أجل البقاء، حيث علّقت الكثير من الشركات إنتاجها، وقامت بمنح موظفيها إجازات، وامتد هذا الوضع ليشمل طيفاً واسعاً من الشركات العاملة في قطاعات متعددة، من بينها تصنيع الألعاب، والأثاث، والملابس، إلى جانب شركات إنتاج المعادن، والأجهزة الكهربائية، ومعدات البناء.

إضافة إلى ذلك أظهر الاقتصاد الصيني الأربعاء الماضي، أولى علامات الضرر الكبيرة، الناجمة عن الحرب التجارية مع أميركا، إذ انخفض مؤشر مديري المشتريات الرسمي إلى 49.0 في شهر أبريل، أي دون مستوى الـ 50 الذي يفصل بين التوسع والانكماش، وذلك مع انخفاض طلبات التصدير، ووصول إنتاج مصانع البلاد في أبريل 2025، إلى أضعف مستوياته منذ أكثر من عام.

وفي إشارة إلى سرعة تراجع التجارة، انخفضت مؤخراً حجوزات الشحنات الأميركية من الصين، بنسبة 60 بالمئة، وذلك وفقاً لشركة فليكسبورت، وهي شركة مقرها سان فرانسيسكو تساعد الشركات على شحن البضائع حول العالم.

بكين تُصرّ على الصمود

في المقابل، يقلل المسؤولون الصينيون من أهمية المؤشرات التي تدل على وجود صعوبات اقتصادية، مؤكدين ثقتهم في تحقيق هدف النمو لهذا العام البالغ حوالي 5 بالمئة، وفي الوقت ذاته، لا يُظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ أي بوادر على تراجع بكين عن الرسوم الجمركية، كما تعهدت الحكومة الصينية مراراً وتكراراً بالقتال حتى النهاية، مُهيئةً الأمة لخوض كفاح طويل.

كما قرر اجتماعٌ عُقد الأسبوع الماضي للمكتب السياسي المكون من 24 عضواً، برئاسة الرئيس الصيني تأجيل إطلاق حزمة تحفيز جديدة، وشدّد شي على أهمية تعزيز "التفكير النقدي"، وهو مصطلح استخدمه الرئيس الصيني لإعداد النظام الصيني للأوقات الصعبة.

الوظائف الصينية في خطر

ورغم الرسائل الرسمية التي تؤكد قدرة بكين على تحمل تبعات التصعيد الجمركي الأميركي، إلا أن تقرير "وول ستريت جورنال"، أشار إلى أن تراجع التجارة مع أميركا، يهدد بتقويض استقرار الوظائف لملايين الصينيين، فالسوق الأميركية وبنظر العديد من الاقتصاديين، تُشكل في الواقع ما يقرب من 21 في المئة من إجمالي مبيعات الصين في الخارج، بعد احتساب البضائع المُعاد توجيهها من دول أخرى.

ويقول الاقتصاديون أيضاً إن إجمالي الصادرات الصينية، يمثل حوالي 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويُقدّرون أن الولايات المتحدة تمثل حوالي 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، محذّرين من أن انخفاض الصادرات إلى أميركا ستكون له آثار متلاحقة على الاقتصاد الصيني، وعلى الوظائف المرتبطة بالتجارة والتصنيع وإنتاج المواد الخام، بالإضافة إلى وظائف الخدمات اللوجستية والمالية التي تسهّل تدفقات التجارة.

عقبتان في آن واحد

وبحسب تقرير بحثي جديد نشره تينغ لو، كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة نومورا للخدمات المالية، فإن ارتفاع الصادرات الصينية في السنوات القليلة الماضية، ساعد بكين على تجنب أزمة مالية عندما أدى انهيار سوق العقارات إلى إضعاف الاستثمار والاستهلاك.

وأشار إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية الباهظة التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب، بالإضافة إلى مشاكل قطاع العقارات، تعني أن الاقتصاد الصيني سيواجه عقبتين رئيسيتين في آن واحد، متوقعاً أن تُكلّف رسوم ترامب الصين ما يصل إلى 15.8 مليون وظيفة.

سبب إنكار الصين

يقول المحلل الاقتصادي محمد سعد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن السلطات الصينية تحرص على إنكار آثار الرسوم الجمركية الأميركية حتى الآن، وذلك لأنها ترى في إبراز ضعفها اعترافاً ضارّاً أمام الداخل والخارج، فأولاً الاعتراف بمعاناة اقتصادية قد يُضعف ثقة الشركات، وثانياً فإن إظهار الألم الاقتصادي قد يوقظ مخاوف الجماهير، في دولة يُعتبر فيها الاستقرار الاقتصادي من أبرز محركات الاستقرار السياسي الداخلي، أما العامل الثالث الذي يدفع الصين لعدم الاعتراف بتأثير الرسوم الجمركية الأميركية، فهو "هامش المناورة" فالصين تعتقد أن الإقرار بما يحصل يمنح واشنطن ورقة ضغط إضافية في المفاوضات، وقد يدفع الأخيرة إلى الابقاء على الرسوم بدلاً من تقديم تنازلات.

ويشرح سعد أنه عندما تُظهر الصين ضعفها، فإن ذلك لن يؤثر فقط على المواطنين الصينيين، بل أيضاً على الأسواق العالمية التي قد تصبح أكثر حذراً في التعامل مع الاقتصاد الصيني، فالشركات الأجنبية قد تبدأ في مراجعة استثماراتها، ما قد يؤدي إلى تقليص تدفق رؤوس الأموال والموارد التي تحتاجها الصين في وقت حساس، مشدداً على أنه رغم محاولات الصين إخفاء قلقها من آثار الرسوم الجمركية الأميركية، إلا أنه لا يخفى على أحد داخل الحكومة الصينية، أهمية التجارة مع أميركا ودورها في تأمين الوظائف المحلية.

التحوّل الصعب

وبحسب سعد فإن واحدة من أبرز الحلول التي قد تتبعها الصين لمعالجة الوضع الاقتصادي الداخلي، هي التركيز على تحفيز الطلب الداخلي، الذي يمثل صمام الأمان في مثل هذه الأزمات، لافتاً إلى أنه على المدى الطويل، تمتلك الصين المقوّمات اللازمة لتقليص اعتمادها على الصادرات، ولكن تحويل هذا التصور إلى واقع يتطلب إصلاحات هيكلية، تشمل رفع الأجور وتحسين شبكات الأمان الاجتماعي، وهذا ما يحتاج للكثير من الوقت، في حين أن استمرار النزاع الجمركي الصيني الأميركي لوقت طويل، قد يلعب دوراً سلبياً جداً لناحية قدرة بكين على تنفيذ خطتها بسلاسة.

دروس الأزمة

من جهته، يقول المحلل الاقتصادي جورج فرح، إن أول درس يجب أن تستخلصه الصين مما يحصل حالياً، هو ضرورة تنويع مصادر النمو وتقليل مركزية الاعتماد على سوق واحدة أو قطاع محدد، كما يتعين عليها ترسيخ إطار مالي أكثر مرونة يسمح بمناورة أفضل عند حدوث صدمات خارجية، وإضافة إلى ذلك يجب عليها تعزيز الاستثمار في البحث والتطوير، لبلوغ مرحلة متقدمة من الاكتفاء التكنولوجي، بحيث لا تصبح أهدافاً سهلة في أي مواجهة مستقبلية، تشمل حرمانها من بعض التكنولوجيات المتقدمة، خصوصاً في عالم تصنيع الرقائق المتطورة التي أصبحت عصب الاقتصاد العالمي.

الحل الأمثل للصين

وشدد فرح على أن التوصل إلى اتفاق تجاري بين الصين وأميركا، يعد حلاً جذرياً من الناحية الاقتصادية، فرغم أن بكين تُظهر حالياً أنها غير مهتمة بإجراء مفاوضات مع واشنطن، إلا أنها تُدرك جيداً أن أي إتفاق يمكن يؤدي إلى نتائج ملموسة في تقليل الرسوم الجمركية الأميركية، أو تخفيف القيود على المنتجات الصينية في الأسواق الأميركية، هو الحل الأمثل والأسرع في ظل التباطؤ الاقتصادي الذي تشهده البلاد، معتبراً أنه من خلال الاتفاق، ستتمكن الصين من استعادة التوازن التجاري مع الولايات المتحدة، مما يساعدها على دعم التوظيف وخلق حالة من استقرار سوق العمل، خصوصاً في القطاعات الأكثر تأثراً كالتصنيع واللوجستيات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق